ظاهرة (لعن الظلام) عند الإسلاميين

تعقيباً على مسلسل (الجماعة)

نجدت لاطة

[email protected]

كم شعرت بالأسى وأنا أشاهد مسلسل (الجماعة) الذي يزعم مؤلفه وحيد حامد أنه سيرة الإمام حسن البنا رحمه الله، لأن المُشاهد شعر بأنه أمام رئيس عصابة يريد أن يصل إلى أغراضه بطرق غير شرعية وغير إنسانية.

 ولكن لا عتبَ على المؤلف، فهو علماني حتى العظم، وله تاريخ طويل في تشويه سمعة المتديّنين والإسلاميين عبر الأفلام والمسلسلات، كفيلمي ( الإرهاب والكباب، طيور الظلام) ومسلسل (العائلة).. بالإضافة إلى المشاهد الساخنة التي تمتلئ بها أفلامه، فهو لا يراعي حرمة لخلق ولا إلى دين.. فهل يُعقل أن ننتظر منه أن يقدم سيرة حسنة لأكبر دعاة هذا العصر؟

 ولكن العتب كله على جماعة الإخوان المسلمين التي سمحت لمثل هذا المعتوه أن يكتب سيرة إمامها. وأنا كتبت قبل سنتين مقالاً نبّهت فيه إلى ضرورة قيام جماعة الإخوان المسلمين في مصر بتبني هذا العمل الفني، بحيث تكون مشرفةً عليه ومموّله له، وبالتالي يخرج إلى النور راضية عنه. ولكن الجماعة ومرشدها كأنهم يعيشون في كوكب آخر غير كوكبنا الأرضي، وقد سُئل المرشد العام يومها عن هذا العمل الفني فقال: أنا لم أسمع به إلا من وسائل الإعلام. ثم لم يحرّك ساكناً إلى أن خرج المسلسل وعُرض في القنوات الفضائية في شهر رمضان الماضي، أي بعدما (وقع الفأس في الرأس) كما يقول المثل. وقد شاهد المسلسل الملايين من الناس، وأخذوا انطباعاً سيئاً عن الإمام حسن البنا وعن جماعة الإخوان المسلمين.

 وكم زاد غيظي حين قال أحد القيادات الإخوانية في مصر أن (هذا المسلسل جعل الناس تسأل وتقرأ عن الإخوان المسلمين فتعرف الحقائق الصحيحة). يقصد أن السحر انقلب على الساحر، وهذا الكلام غير صحيح أبداً، ويدل على فهم أعوج لتأثير المسلسلات في المشاهد. والسحر لم ينقلب إلا على شخصية الإمام البنا وعلى جماعة الإخوان المسلمين، وبصراحة أكثر(بلاش فلسفات فاضية وبلاش تحليلات ساذجة) فالمسلسل حقق هدفه بشكل كبير، فقد شاهده أهل الريف والقرى وبسطاء الناس، وهؤلاء عددهم ملايين، وهم اقتنعوا تماماً أن الإمام حسن البنا رئيس عصابة، وأن جماعة الإخوان المسلمين تتخذ من الدين ستاراً لها للوصول إلى أهداف مشبوهة.

 وأنا لا أدري إلى متى يبقى الإسلاميون في حالة عزلة مريبة عن الفن السينمائي؟ هل هناك قوى خارجية وداخلية تدفعهم إلى هذه العزلة؟ أم أن هناك تخلفاً عجيباً في فهمهم لأهمية هذا الفن؟ سواء أكان هذا السبب أم ذاك فهو عذر أقبح من ذنب.

 ولكن في المقابل نجد وعياً كبيراً واهتماماً واسعاًً بالفن السينمائي لدى الأطراف الأخرى.. فعلى سبيل المثال: حين افتتح الرئيس الأمريكي روزفلت هوليود قال: من هنا سنصنع عظمة أمريكا.

 وقال الرئيس السوفييتي خرشوف: أنا أخشى من هوليود أكثر مما أخشى الصواريخ الأمريكية العابرة للقارات.

 ويذكر الفنان فريد شوقي أن جمال عبد الناصر حين أصبح رئيساً لمصر جمع الفنانين المصريين وأجلسهم في الصفوف الأولى وقال لهم: أنتم ستكونون سفرائي إلى العالم.

 والمتابع للساحة المصرية يجد أن النوادي التابعة للأقباط في مصر كالنادي الأرثوذكسي والنادي الكاثوليكي يقيمان كل عام مهرجانات ضخمة يكرّمان فيها الفنانين المصريين على الأدوار التي يقدمونها في أفلامهم ومسلسلاتهم. ولا يمرّ فيلم أو مسلسل يتطرق فيه إلى الأقباط إلا ونجد البابا شنودة أو غيره من القسس والرهبان يتدخّلون فيه بحيث لا يسيء إليهم. ففي فيلم (الإرهابي) تدخّل البابا شنودة فيه شخصياً بحيث خرجت صورة القبطي الموجود في الفيلم رائعة وجميلة، في حين تمّ تشويه صورة المتديّن المسلم بشكل كبير. أما شيخ الأزهر والمرشد العام فقد كانا في سبات عميق.

 أما حين نأتي إلى الإسلاميين فنجد جهلاً كبيراً بأهمية الفن السينمائي، وهذا الجهل يشمل كافة الحركات الإسلامية الموجودة في الدول العربية، كالإخوان المسلمين والسلفيين والصوفيين وجماعة الدعوة والتبليغ وغيرهم.

 وهذا الجهل لا يقتصر على الإسلاميين في الدول العربية فحسب، وإنما يشمل تركيا أيضاً، فمثلاً لا يوجد اهتمام عند جماعة نجم الدين أربكان بالفن السينمائي، ولا حتى عند حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه رجب طيب أردوغان.

 وفي باكستان لا يوجد أيضاً اهتمام عند الحركات الإسلامية بالفن السينمائي، لا عند الجماعة الإسلامية، ولا عند جماعة الدعوة والتبليغ.

 والأمر نفسه عند الحركات الإسلامية في أندونيسيا وماليزيا.

 والغريب في الأمر أننا نسمع كثيراً من قيادات تلك الحركات الإسلامية بضرورة الاهتمام بالفن السينمائي، ولكن في الواقع لا نجد شيئاً، وهم لا يحركون ساكناً، ولا يتفاعلون مع أحد لإيجاد السينما الإسلامية.

 فإلى متى يظل الإسلاميون يلعنون الظلام؟ وإلى متى يظل الإسلاميون يُرجعون سبب مسخ الأجيال إلى السينما الحالية.

 ويشذ عن هذا القاعدة الإمام العظيم حسن البنا رحمه الله، فقد كان مقتنعاً مائة بالمائة بأهمية الفن السينمائي في حياتنا المعاصرة، ولم يقتصر اهتمامه بالقول فقط، وإنما نقل ذلك إلى التطبيق العملي، فأنشأ الفرق المسرحية في كل مراكز الإخوان في المدن المصرية. وقدّم الإخوان آنذاك العديد من المسرحيات الضخمة التي عُرضت في أكبر مسارح القاهرة.

 ولكن الذين جاؤوا بعد الإمام البنا غفلوا عن أهمية الفن السينمائي، فخسروا بذلك توجيه الملايين من الناس.

 أهمية الفن السينمائي الإسلامي في حياتنا المعاصرة :

 تكمن أهمية الفن السينمائي الإسلامي أنه يمثل الدعوة التمهيدية للدعاة، بمعنى أن الفن السينمائي الإسلامي بأشكاله المختلفة (الفيلم والمسلسل والمسرحية) يمهّد الناس للدعوة، فهو ينشر المفاهيم العامة للإسلام، ويصلح العادات والتقاليد التي لا تتفق مع الإسلام، ويرسّخ الأخلاق والفضائل والقيم بين الناس، ضمن أعمالٍ درامية مشوّقة وممتعة. ثم يأتي دور الدعاة في دعوة الناس إلى التديّن والالتزام.

 لأن الدعاة في هذا الزمن يدعون أناساً بعيدين جداً عن مفاهيم الإسلام، فمعظم المسلمين لا يصلون، ولا يزكّون، ومسخت الأفلام والمسلسل أخلاق الأجيال، ودخلت المفاهيم غير الإسلامية في مفاصل حياتهم. فيأتي الفن السينمائي الإسلامي فيصلح كثيراً مما أفسدته حياتنا المعاصرة. ولكن لا ينتظر أحد من الفن الإسلامي أن يُخرج جيلاً ملتزماً بتعاليم الإسلامي قولاً وعملاً، وإنما دوره أن يصلح بشكل عام ليس أكثر، وهو دور أرجو أن لا نستهين به، لأنه يمثل المرحلة التمهيدية للدعاة، وبغير هذه المرحلة تكون مهمة الدعاة صعبة جداً، وهذا ما نراه في واقع الدعوة، فمنذ خمسين سنة لن يستطع العمل الدعوي أن يستقطب الجماهير العريضة، وما ذاك إلا بسبب أن الأفلام والمسلسلات تهدم ما يبنيه الدعاة.

 وفائدة أخرى للفن السينمائي الإسلامي، وهي أن كثيراً من الناس يعتقدون أن حياة التديّن والالتزام لا يوجد فيها أفلام ولا مسلسلات ولا مسرحيات، وهذا صحيح، لأن معظم ما يُعرض من ذلك بعيد عن مفاهيم الإسلام. ولا أكون مبالغاً إذا قلت إن كثيراً من الناس لا يلتزم بسبب عدم وجود أفلام ومسلسلات ملتزمة.

 فحين نوجد الفن السينمائي الإسلامي يشعر الناس أن حياة الالتزام لن تحرمه من مشاهدة الأفلام والمسلسلات فيُقبل على الالتزام بصدر رحب.

 مسلسل جديد عن حسن البنا :

 والآن وبعدما وقع ما وقع اقتنعت جماعة الإخوان المسلمين بأهمية تقديم مسلسل عن الإمام حسن البنا، وقد بدأت بالتحضير له، وقد سمّته ( البنا قصة لم تنتهِ).

 وأنا أتمنى أن يكون المسلسل بحجم شخصية الإمام حسن البنا، وأن يبتعد عن الخطاب المباشر التعليمي، بحيث يكون المسلسل قصة درامية مشوقة.

 وأقترح أن يقوم بدور الإمام حسن البنا ممثل مصري مشهور، لأن هذا سيلعب دوراً كبيراً في إبراز شخصية البنا، ومن ثم سيكون التأثير في المشاهد أقوى. لأن الممثل الذي أدّى دور حسن البنا في مسلسل (الجماعة) كان ممثلاً غير مشهور، وهو من الصنف الثالث أو الرابع، لذا لم يكن التأثير في المشاهد قوياً كما لو كان الممثل مشهوراً ومحترفاً من الدرجة الأولى.

 ولعل الممثل نور الشريف أقرب الوجوه إلى وجه الإمام البنا، وقد كان نور الشريف هو المقترح لتمثيل شخصية البنا في مسلسل (الجماعة)، ولكن لسبب ما لا أعرفه تمّ إبعاد نور الشريف عن الدور، وأُسند الدور إلى ممثل أردني الذي هو (إياد نصار).

 وفي حال أُسند دور حسن البنا إلى الممثل نور الشريف أو غيره من الممثلين الكبار فأعتقد أن الصورة السيئة التي ترسّخت في ذهن المشاهد عن حسن البنا في مسلسل ( الجماعة) سوف تنمحي وتتلاشى، ومن ثم تترسّخ صورة جديدة مختلفة تماماً عن الصورة السابقة.

 أسأل الله تعالى أن يهدي جماعة الإخوان المسلمين إلى الاهتمام بالفن السينمائي، كمثل اهتمام حسن البنا رحمه الله به.