اللهْ يسهِّلْ عليهم

تتلاطم الأمواج حيرى، ويتعانق المد مع الجزر؛ كما تمد حركة طوفان الأقصى أمواجها وتجزرها في مخيم الشاطئ الغزي الفلسطيني الدامع. وتتبارى أمواج المخيم في قراءة الفاتحة على شيخها الجليل أحمد ياسين؛ شيخ المجاهدين، وأعلامها الغرِّ الميامين، الشهداء المحجلين: إسماعيل أبو شنب وابنه وصلاح شحادة وفتحي الشِّقاقي، والشهيد السعيد الوزير سعيد صيام؛ وثلة من الأولين... وثُلَّة من الآخرين.

تسعة أشهر... والمخيم يعيش حالة من الطوارئ الليل نهارية، في أضيق بقعة في العالم وأكثف تعداد سكاني على الإطلاق ... حتى إذا ضاقت عليهمُ الأرض بما رحبت مدَّ الله تعالى لهم بطوفان الأقصى، وجَزَرَ عنهمُ الذُّل والصَّغار إلى يوم القيامة.

لقد سعدت أسماك الشاطئ فلا صيد يُتاح لأن الصيادين كثيرا ما تصيدتهم مدافع اليهود وصواريخ الصهيونية؛ فتلكمُ الأسماك تأتي إلى الشاطئ شُرَّعاً؛ ليس يوم يسبتون فحسب، بل في كلِّ الأيام؛ فهي في مأمن من شباك الصيادين الغزيين!

ولَكَم نشرع فضائيات عربعبرية أخباراً كاذبة عن آل هنية؛ من أن عميد أسرتهم (أبو العبد) قد استقدمهم إلى خارج الأرض المباركة؛ فتوطنوا في أحسن العواصم العربية والأوربية، حتى جابوا الصخر بالواد وابتنوا لهم ناطحات سحاب، وباتوا إلى السِّماك وسهيل أقرب!!

حتى إذا أفطر الناس في أول أيام عيد الفطر غير السعيد إذ بصاروخ ملغم بالكشح يغتال أبناء أبي العبد الثلاثة وبعض حفدته، ويأتيه الخبر وهو يتجول على الجرحى الغزيين بمشفى "حَمَد بقطر"؛ فيحلف على دميعاته ألا تنزل؛ لئلا تضعف همة القساميين المرابطين في الأنفاق وعلى الثغور.

ويتورد خدا أبي العبد السَّفعاوان، ومن لُميَّة في شفته النضرة ينطق بجملة صارت تمشي بها الركبان، وستتحدث عنها الأجيال إلى يوم يبعثون....

بكى مخيم الشاطئ يومها بلوعة المحزون، ورجَّعت معه أمواج البحر الأبيض المتوسط، وندبت معهنَّ أسماك اليمِّ بلوعة ووجدٍ.

هاهم أبناؤه وأحفاده مرابطون لم يتزحزحوا قيد أنملة من أرض الحشد والرباط؛ منغرسون في رمال غزة الطهور المباركة، يتقدمون الركب بجهادهم وبطولاتهم، وقد تركوا للحفاة العراة العالة رعاء الشاء أن يتطاولوا في البنيان!!

ولم يشف غُلَّة يهود ولا تلمظهم بدماءٍ هنية، بل كان لا بد لفطير صهيونيتهم لمزيد من دماءٍ لأطفال ونساء هنية؛ فكان مخيم الشاطئ مرة أخرى وآل هنية هم الهدف المنشود؛ ليرتقي خمسة منهم جسوماً وأرواحاً إلى السماء، ويظل شطرهم تحت الأَرضين السابعة أجساماً، وترقى الأرواح إلى بارئها شهيدة وضيئة جميلةً.

ويبدو أن جرأة إسماعيل هنية في تقديم أرواح أبنائه وحفدته قرابين لعيد الفطر؛ قد جعل الصهاينة الكاشحين قَرِمون لمزيد من لحومٍ هنيَّة أخرى قرابين لعيد الضحى المبارك؛ فكل الناس في عيدهم الثاني قد ضحوا بالأنعام زلفى إلى الله تعالى، إلا آل هنية فقد ضحَّوا برقاب عَشَرة من ولدِ هنيَّة الشرفاء!!!

لقد قرعت تصريحات أبي العبد طبلات آذان اليهود الملاعين حتى خزقتها؛ فجاء الرد المنكر بإهراق المزيد من دماء الهنيين الطاهرين؛ فقد صرح وأنفه يشمخ للثريَّا" " وقال هنية في بيان في إبريل/نيسان الماضي إن قتل أبناء القادة سيجعل حماس أكثر ثباتاً على مبادئها وأكثر تمسكا بأرضها".

وجاء في تصريحات رئيس المكتب السياسي لحماس، في ذلك الوقت: "من يعتقد أن استهداف أطفالي أثناء المفاوضات وقبل التوصل إلى اتفاق، سيجبر حماس على التراجع عن مطالبها، فهو واهم"!!!!

لكم الله أيها الهنِّيُّون ما أهناكم بنيل الشهادة على تُرب غزة الطهور، ويظن بنغفير أنه قد قضى وطراً له بهم، ويشمت سموترتش بمقتلهم؛ ولكن ملائك الله تتلقاهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم.

لله درُّكمُ يا أهل فلسطين كم أنتم محظوظون بهذه العائلة الكريمة الطاهرة وبهذا النسب الهنيِّ؛ حين يصطفيهم الله للشهادة، ويتخذهم عنده في أعلى الدرجات.

لقد مات سيدنا خالد بن الوليد – رضي الله عنه - بعد أن قضى جُل عمره مجاهداً على فراشه كما يموت البعير؛ وما في جسده شبر إلا وفيه ضربة سيف أو طعنة رمح أو رمية سيف ... لقد مات على فراشه وهو يتمنى الشهادة؛ ونلتم الشهادة فيا فوزكم ويا فوز ابن الوليد بحياة طويلة الأمد في جهاد ورباط؟!

وتمشي الركبان، ويتحدث الناس على مواقع التواصل الاجتماعي عن "ترند" يتداوله الشرفاء المؤمنون؛ وقد أطلقه أبو العبد في عيد الفطر: " الله يسهل عليهم ".

وتتولى مواكب الشهداء في كل حواري وعَرَصَات فلسطين، وتمضي الأيام تترى، وتصبح كلمة التعازي في رواقات وسرادق التهنئة بالشهداء بجملة "الله يسهل عليهم"!!

ومخيم الشاطئ ويمُّه من ملايين السنين يُسبِّح بحمد الله ويتلو الثناء له، ولكنا لا نفقه تسبيحه وإخوته من البحور والمحيطات والأَنهار، وشفاههم تلهج بعبارة أبي العبد المعهودة كلما رقى شهداء إلى السماء: " اللهْ يسهِّلْ عليهم "!!

زهرٌ؛ رقت إلى الشِّعرى في السماء، مع زوجها وأبنائها في استهداف يبدو أنه مقصود للضغط على أبي العبد كي يغير حرفا واحدا من "ترنده" ذائع الصيت؛ لكنه حين وافاه خبر استشهاد شقيقته زهر وعائلتها بتلكمُ الغارة اللئيمة فاه بالعبارة ذاتها: " الله يسهل عليك يا زهر وعائلتك "؛ لتذهب كلماته مثلاً ساريا معدياً؛ إلى يوم يُبعثون!!!

يعض بن غفير اللعين أصابعه غيظاً إذ لم يستطع تغيير الترند الخالد، ويبول سموترتش في سرواله فَرَقَاً من هذا المارد الأبي ... أبي العبد، وسنواره الذي يطمح الصهاينة الهلوكوستويون بالوصول إلى شِراك نعله ... وأنَّى لهم؟!

الله يسهِّل على شيخ الشهداء القسَّام، وشيخ المجاهدين المقعدين أحمد ياسين، وشيخ الأطباء الشهداء عبد العزيز الرنتيسي، واللهْ يسهِّلْ ويحفظ القادة الضيف ونواف التكروري وغيرهما.

ويظل البحر الأبيض المتوسط متوشحا بالسَّواد رغم زرقة أمواجه الحزنى؛ حِداداً على أرواح الشهداء الهنيِّين، ويسمع السُّراة من الصيادين الذين يتسللون لِواذاً نواح البحر وهو يردد: " اللهْ يسهِّلْ عليهم "!

في مخيم الشاطىء ... بل في غزة، بل في كل شبر من فلسطين ما عاد الزهر يبكي صباحا بالندى فحسب، بل صار يبكي نداه صباح مساء، وليل نهار حَزَناً على فراق " زهرٍ" ومن قضى معها في بيتهم المغدور؛ كما أن جِنةً قد سمعت أزيزاً لترجيع البيت المعمور؛ أسفاً على فراقهم!

وتبكي "زهراً" مدارس الأنوروا في غزة، وفلسطين، وفي كل مقراتها في العالم؛ فقد قُصفت مدرسة تابعة للأنوروا بالتزامن مع تدمير بيت زهرٍ وذويها الأحد عشر.

أحد عشر كوكباً، ومنهم الشمس والقمر (زهرٌ وزوجها) استقبلتهم السماء في زفة عرسٍ رحمانية؛ وهم يرددون، حيث لا يعصون الله ويفعلون ما يؤمرون: " اللهْ يسهلْ عليهم ".

وتنهض الأمة الكسلى بعد سباتها الشتوي الصيفي الذي دام أكثر من قرن متورم؛ لتثأر لأم ناهضٍ هنيَّة، وعشرة من ذويها الشهداء؛ وجُلهم من الأطفال الذين باتوا في حواصل طيرٍ خضر؛ في عليين ... مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين؛ وحَسُن أولئك رفيقاً.

زهر عبد السلام هنية (أم ناهض) - ناهض غازي هنية - زوجته إيمان أحمد هنية - محمد ناهض هنية - اسماعيل ناهض هنية - مؤمن ناهض هنية - زهر ناهض هنية - شهد ناهض هنية - آمال ناهض هنية، كل هؤلاء اصطفتهم السماء إلى جوارها الرحب؛ وما زال عدد منهم تحت الأنقاض، فهؤلاء كانوا من حصة الأنقاض المتراكمة بعضها فوق بعض، ولم تسطع السماء اجتذاب أجسادهم الطاهرة؛ فاكتفت بأرواحهمُ الشفيفة.

ستون من الهنيين كان أبو العبد قد أعلن عن شهاداتهم حتى موسم العيد الصغير، ولكن الرقم قد سمن وكبر في العيد الكبير كما يُسمَّن ويُكبَّر خروف العيد؛ فاليوم تجاوزوا السبعين ملاكاً سابحاً في السماء؛ والرقم مرشح للسمن والعيد الثالث يوم النصر والفتح المبينيْن يتطلب مزيدا من الأضاحي؛ قرابين لأقصى مغتصب ومهورا للقدس الشريفة؛ إذ: لا يسلمُ الشَّرفُ الرفيعُ من الأذى *** حتى يُراقَ على جوانبِهِ الدَّمُ .. ورحم الله أحمد بن الحسين/ المتنبي.

sdsgfg1085.jpg

وسوم: العدد 1085