مقام الريح

clip_image001_af066.png

ألج المقام، الزائرون يدورون، يتمتمون بالهسيس، يشغلنى الحذاء؛ يلاحظ العجوز حيرتى؛ يشير إلى إحدى الزوايا، أخيرا تخلصت من حملى:

-بل يثقلك وطأ الجبل!

-ما لك تنفصم على الدوام!

أقعد قعود الصلاة، أصمت، تيارات الوعى أنبجست؛ يرتخى جسدى الناحل، تتفصدنى تنميلات خفيفات، تزاحمنى خيالات المعاصى، تترجرج دمعتان، أتلفت يمنة ويسرة؛ لا شئ سوى الهمهمات، أتفرس المقام، أتأمل الرفات، أهذى:

{ عدوت مهتاجاَ، فررت حائراَ؛ لا أعرف شيئا عن أى شئ! لعل التفسير يعترضنى؛ ما بال لون الكلام أسود؟عبرتنى السنون، نحتت تكتلات الدهن اللحم ، أبرزت العظام والجماجم؛ وسرعان ما تبدلت ترابا، ألم أقل لك:

- إننى أستعذب البكاء ولطم الخدود!

- أتاجر بالمعاناة، أبيع دموعى؛ الدمعة بدينارين؛ ومن يشترى عشر دمعات له دمعة هدية}.

يبح صوتى المكتوم:

- سراب.

يتحلل جسدى إلى خلايا، يقطنه الوهن، يهتز رويدا رويدا، تمضغه الآفات، يستحلبه زمان ما كان يوما صديقاَ، تطفر الدموع مدرارة، أهزج :

- تبا للمادة .

يتسامق العجوز مرتلاَ:

- يا قيوم.

يرتعش رسمى، يفقد التماسك، أغيب، يغيب عنى الإدراك، نغيب سويا، تتبأر نبرات فؤادى:

- ركام ما بعده ركام؛ أمعقول أن تلحد الرياح عمرى؟

- دوما طريد، بلا صديق أوحبيب أو حتى وطن، الرياح كانت صديقتى؛ عشيقتى؛ تنصلت؛ باعت؛ حطمت؛ يا للقسوة !!

يغفو الذهن؛ يرفل مخترقاَ الظلال؛ فى السماء مقعده، يتوسط أصحابه، أهاب الأقتراب، تناطحنى صيرورة الأشياء، أقبض على قلبى، يمور؛ ينز دما؛ يبتعد المشهد:

- ما أنا بشاهد!

ينفطر دخانا قاتما، أصرخ :

- الغوث.

هلامية المشهود تقلقلنى؛ تزلزلنى:

- ما أنا بشاهد!

تجافينى الرؤية، تقنط العينان، أعود الهوينى إلى جسدى الملحود، يركبنى اللسان :

- لا تُهدى لعاص.

- الأبواب صلدة؛ واليدان واهنتان .

فى الهواء همس :

- اغتسل.

أزجرنى :

- ما بى من حدث .

فى الهواء تلاوة :

- أبواب السماء موصدة، أغلقتها الذنوب؛ وما أكثر الخطايا !

- هل أبثك المراثى ؟

- كيف ترى الجدر الآن ؟

- هل تراها صماء بكماء ؟

- هل تناجيها؛ تناجيك ؟

- أى بنى :

- فى الجدار خيالات ، رشقات ، هيومات .

وسوم: 635