أمريكا عدوة تركيا وسيحين اليوم الذي يحاصر فيه الآلاف “إنجرليك”
لم تعد الولايات المتحدة بعد الآن دولة آمنة أو شريكة أو حليفة لتركيا، ولا يمكنها ذلك أبدًا. كما لم يعد هناك معنى لأيّ وعد أو عهد أو عرض لها في تركيا، ولن يحدث ذلك مطلقًا.
بل صارت واشنطن أقرب وأكبر تهديد لأنقرة، فهي دولة عدوة من الآن فصاعدًا.. كما تشكل خطرًا جادًّا على كيان بلدنا ووحدتها وحاضرها ومستقبلنا؛ إذ إنها تشنّ هجوما صريحًا وحربًا غير معلنة ضدّ تركيا.
الولايات المتحدة تحاربنا من خلال تنظيمي بي كا كا وداعش
إن الإدارة الأمريكية تنفذ مخططا سريا متسترا تحت عباءة أكاذيب حلف الناتو و”الشراكة الاستراتيجية”. فهذا المخطط موجه لتقسيم أراضي تركيا بالضبط كما حدث لأراضي سوريا والعراق. إنه محاولة لفرض خريطة التقسيم هذه، فهم يسعون لتنفيذ مشروع يهدف لإغلاق جميع أبواب حدودنا الجنوبية من البحر المتوسط غربا إلى حدود إيران شرقا لحصارنا وتضييق الخناق علينا داخل الأناضول، ثم خنقنا وتقزيم دور بلدنا.
إن الولايات المتحدة هي التي حرضت بي كا كا وداعش ضدنا، وهي التي جعلت داعش يقف حجر عسرة خلال عملية درع الفرات، كما كانت هي التي أمرت بشن تلك المعارك في حرب الخندق بمختلف مدننا لتكون تمهيدًا”للاحتلال”. ولهذا السبب أشعلت فتيل الحرب في سوريا، فمزّقت سوريا بواسطة التنظيمات المذكورة، والآن تستقرّ في المناطق التي جعلت فيها تلك التنظيمات مسيطرة.
الإعداد لفتح “جبهة تركيا”
لقد أشعلوا فتيل الحرب في سوريا خصيصًا لفتح “جبهة تركيا” التي يسعون لإنشائها من خلال خريطة التقسيم التي تحاصر حدودنا الجنوبية. فآلاف الشاحنات المحملة بالأسلحة المقدمة إلى بي كا كا وأكوام المعدات العسكرية، التي لا يعلم أحد عنها شيئا، ليس لها أدنى علاقة بداعش، بل إنها إعدادات موجهة تمامًا ضدّ تركيا.
إن هذا المخطط يتطابق مع خرائط التقسيم التي يسعى الصليبيون لتنفيذها في المنطقة. فهم يخلون المنطقة الواقعة من البحر المتوسط إلى حدود إيران من سكانها ويطهرونها من العرب والتركمان وينفذون عمليات تهجير ديموغرافي تمهيدا لتحويل هذا الحزام إلى حامية أجنبية ونشر القواعد العسكرية الأمريكية والإسرائيلية به، على أن يشنّون من تلك المنطقة الهجمات ضد تركيا وسائر دول الشرق الأوسط.
الكفاح الوطني الجديد: لم يعد هناك معنى لعلاقات التحالف
تقدم تركيا اليوم، ولزاما عليها أن تقدم، نموذجا من نماذج المقاومة يشبه ذلك الذي قدمته ضد احتلال الأناضول في أعقاب الحرب العالمية الأولى. فالكفاح الوطني وحرب الاستقلال الجديدة تدور لمواجهة الولايات المتحدة وحلفائها المقربين دفاعا عن الوطن.
لقد جرى التعرف على التهديد، واتضح الخطر. فقد شكلوا جبهة كبرى من أجل إيقاف تركيا، التي نهضت بعد سبات دام مائة عام، وتركيعها وتقزيمها. لقد بدأت الهجمات الصريحة والمعلنة ضدّ تركيا بعدما فشلوا في إخضاعها للوصاية وقمعها وتربيتها بالإرهاب؛ إذ أدركوا أنهم لن ينجحوا في إيقاف تقدمها من خلال الحروب بالوكالة بعدما فشلوا في توجيه إدارتها ومنع بزوغ نجمها من جديد.
ولهذا السبب لم يعد لعلاقات التحالف مع الناتو أو الصداقة مع الولايات المتحدة أي أهمية بالنسبة لنا بعدما تحولت واشنطن وحلفاؤها المقربّون إلى تهديد من الدرجة الأولى بالنسبة لدولة استطاعوا التضحية بها من أجل تنظيم إرهابي.
إن جينات المقاومة في هذه الأرض قوية للغاية
عليهم ألا ينسوا أن هذه الدولة تتمتع بجينات سياسية عميقة تعود جذورها إلى الدولتين السلجوقية والعثمانية والجمهورية التركية. فكما حققت نهوضا كبيرا عقب الحملات الصليبية واستيلاء المغول، فهي قادرة اليوم أيضًا أن تقود طلائع نهوض ثالث عقب الحرب العالمية الأولى. فهي تتعرض لهذه الهجمات فقط لأنها عاودت السير في هذا الطريق نحو المجد.
لقد شنوا هجمات 15 يوليو/تموز لهذا السبب، فكان مخططهم ينص على ضرب تركيا من الداخل من خلال منظمة غولن الإرهابيّة، ثم البدء بهجمات من الجنوب عبر تنظيمي بي كا كا وداعش. لكن حساباتهم قلبت رأسا على عقب بين ليلة وضحاها. واليوم نشهد الموجة الثانية من الهجمات التي تشن كذلك من ناحية الجنوب، لكن هذه المرة ليس من خلال التنظيمات الإرهابية وحسب، بل عن طريق تمركز الجنود الأمريكيين كذلك على حدودنا.
يجب إغلاق قاعدة “إنجرليك” والتفاوض بشأن القواعد الأخرى
وإذا كان الأمر كذلك، فيجب المبادرة فورا لمناقشة وضع جميع القواعد العسكرية والجنود والوحدات الاستخبارتية الأمريكية الموجودة في تركيا. يجب إغلاق قاعدة إنجرليك العسكرية على الفور. ذلك أن التنظيمات الإرهابية تدار من هذه القاعدة منذ اندلاع الحرب السورية، كما تشهد هذه القاعدة عقد اللقاءات والاجتماعات مع عناصر تنظيمات مثل بي كا كا وداعش التي تدار من هناك أيضا. ولقد أداروا من هناك كذلك هجمات 15 يوليو/تموز. وعليه؛ فإن جميع الكيانات العسكرية الأمريكية الموجودة على أراضينا صارت تمثل تهديدا بالنسبة لتركيا.
سيسير مئات الآلاف من الناس نحو قاعدة إنجرليك
التهديد لا يحدق بتركيا فقط من الجانب السوري، بل هناك تهديد داخلي، ولهذا يجب التخلص من هذا الخطر في أسرع وقت ممكن. ولو لم نفعل ذلك، أو فشلنا في فعله، فسيأتي علينا يوم نرى فيه آلاف الأشخاص يحاصرون قاعدة إنجرليك، ولن يستطيع أحد حينها منع أبناء هذا الوطن من التدخل ضد الوحدات العسكرية المرابطة داخل أراضيهم، لأن الغضب آنذاك لن يكون من السهل إيقافه أو السيطرة عليها.
يجب تطهير كل حدودنا الجنوبية من المتوسط غربا إلى إيران شرقا من التهديدات، فهذه عملية دفاع عن الأناضول. فهذه الأرض شاهدة على نماذج فريدة من الدفاع والمقاومة لم تشهد مثلها بقية المناطق. ولهذا، فإن من يبني حساباته بشأن تركيا بعد تشبيهها بسوريا والعراق سيخسر خسرانا مبينا. فنحن نشهد تحولا تاريخيا لن يستطيع أحد، حتى الولايات المتحدة، الحيلولة دون حدوثه.
لا يمكن لأي قوة محاولة اختبار شعبنا
إن الشعب التركي يقدم نموذجا مميزا من نماذج التضامن الكبير، بالضبط كما فعل في تشاناق قلعة وحرب الاستقلال. ولقد ظهر هذا التضامن فور بدء عملية عفرين وإعلان الولايات المتحدة عن تهديداتها. وأنصح الجميع بألا يحاولوا اختبار قدرات شعبنا على التضحية، لأنهم سيخيبون لا محالة.
إن الولايات المتحدة ليست قادرة هذه الأيام على ردعنا في وقت تشهد فيه صراعات داخلية على السلطة. كما أنها عاجزة عن توجيه منطقة الشرق الأوسط من خلال كيانها السياسي الممزق. لقد ولى هذا العهد؛ إذ خسرت في سوريا والعراق، وانتهى منذ زمن بعيد عصر تمزيق البلاد ومحاولة إخافة تركيا من خلال حفنة من تنظيمات إرهابية.
هذا ليست حرب بل حملة دفاع عن وطننا
تمتلك تركيا عزيمة كبيرة، وهي ستتخذ جميع قراراتها وتقييماتها وحساباتها المستقبلية لا من خلال توصيات أمريكا، بل من خلال هويتها وموقفها التاريخي وخبرتها السياسية الممتدة لألف عام في هذه المنطقة. فالعملية التي بدأت في عفرين ستمتد إلى منبج، وبعد إغلاق الباب الغربي لممر الإرهاب، ستنتقل تركيا إلى الجانب الشرقي من نهر الفرات لإنجاز ما يجب إنجازه.
ذلك أن هذه ليست حربًا، بل حملة دفاع، ليست تدخلًا خارجيًّا، بل صراع من أجل حماية حدودنا وأراضينا. لأننا لو لم نخض هذا الصراع اليوم، فإنهم سينقلون في المرحلة المقبلة الحرب إلى قلب الأناضول ليقنصونا في عقر دارنا.
وكما أننا كشعب عظيم صاحب تقليد سياسي فريد صمدنا على مر العصور بفضل هويتنا وفراستنا، فاليوم أيضًا أظهرنا المثال ذاته من التضامن. فهذا قدرنا ومسؤوليتنا التاريخية وطريق النجاة بالنسبة للمنطقة بأكملها.
هذه “مقاومة شرسة” وعفرين فقط البداية
يجب على تركيا ألا تتردد أو تتوتر أبدا أو تتساءل حول قراراتها من خلال مقترحات الآخرين الكاذبة. كما ينبغي لها تأسيس مناطق مقاومة في كل مكان تستطيع الوصول إليه داخل الأراضي وليس على طول الحدود فحسب. ويجب عليها كذلك أن تتذكر ما شهدته في المنطقة قبل مائة عام، وأن ترى جيدا الجبهات التي يقف عليها كل طرف، وأن تنقل تلك الذاكرة إلى حاضرها، وتحدد خط دفاعها وفقا لهذا الأمر.
إن خط الدفاع ذلك ليس بأي حال عند النقطة صفر من حدودنا، بل إنه يشمل جميع أراضي المنطقة.
إنها “مقاومة شرسة” ستعصف بمسودات الخرائط التي يرسمونها. سترون أن ذلك ما سيحدث. وما عفرين إلا بداية؛ إذ لن تخطو أقدامنا أي أرض بخلاف أرض “محور تركيا”.
وسوم: العدد 763