هزيمة حزيران ورائحة الدم
من المفارقات الأليمة ونحن نستقبل الذكرى الثانية والخمسين لهزيمة حزيران عام 1967 وطائرات الجيش العقائدي وطائرات حلفائه مجرمي الحرب الروس، ودباباته ومجنزراته ومدرعاته وناقلات جنده، وفرق الموت وميليشيات القتل الطائفي المجيشة من قبل إيران والحليفة لهذا الجيش العقائدي تستبيح المدن السورية طولاً وعرضاً، محاصرة وقصفاً وتدميراً لدور العبادة والممتلكات العامة والخاصة وقتل المواطنين الآمنين العزل، في مشهد تكسوه رائحة الدم المتفجر من أجساد الأطفال والحرائر والمقعدين والشيوخ والرجال والفتيان في العديد من المدن السورية المستباحة، تزامناً مع احتفال الصهاينة بنصرهم المبين على جيشنا العقائدي الذي قاد حرب حزيران وسلم الجولان دون دفع أو مدافعة ببيان ممهور بخاتم وزير الدفاع اللواء حافظ الأسد يوم العاشر من حزيران، ويحمل الرقم (66) أعلن فيه عن سقوط القنيطرة، قبل أن تطأها أقدام الصهاينة بأكثر من 17 ساعة، وأمر في بيان آخر جنود وضباط القوات المسلحة السورية بالانسحاب الكيفي من أرض المعركة، وترك أسلحة الجيش الثقيلة على أرضها بكل جاهزيتها لتقع غنيمة سهلة بيد العدو.
أقول مرت هذه الذكرى الأليمة والجيش السوري مديراً ظهره للعدو مغمض العين عما يفعله طيرانه من استباحة للأرض والسماء السورية مدمراً المنشآت الحيوية ومرابض الأسلحة السورية، في الوقت الذي تاهت أسلحته الثقيلة في أزقة وميادين وساحات وأحياء المدن والقرى السورية تقمع الجماهير المطالبة بالحرية والكرامة، والجيش الصهيوني يجري مناوراته في جولاننا المحتل، وترامب يهب الجولان لربيبته الدولة العبرية، وبشار لا مين سمع ولا مين دري، فهو مشغول بلحم أطفالنا ونسائنا وذرارينا.
فالجولان الذي كان عصياً على الصهاينة منذ قيام كيانهم الغاصب في فلسطين عام 1948 حتى تسليمه دون دفع أو مدافعة عام 1967، والذي بقي حتى تسليمه للصهاينة على يد بطل الصمود والتصدي المقبور حافظ الأسد خط الدفاع الأول عن سورية العروبة لمناعته وكثرة حصونه ووعورة أرضه والذي سمته فرنسا بـ(خط ماجينو الشرق).
ورغم هذه الهزيمة البشعة التي كللت جبين السوريين بالعار والشنار فإن قادة حزب البعث المدنيين والعسكريين الذين قادوا هذه المعركة أبوا إلا أن يتحفونا بنظرية، ما سبقهم إليها أحد قديماً أو حديثاً، نظرية تحويل الهزيمة النكراء إلى نظرية (الانتصار العظيم) الذي حققه حزب البعث التقدمي على الصهاينة، والذي أعلنوه من حمص بعد تركهم العاصمة دمشق لقدرها مفتوحة الأبواب، مكشوفة الصدر والظهر والجوانب في مواجهة القوات الصهيونية، والتي حال الأشقاء في العراق تجنيب سقوطها بعد وصول قواتهم على عجل، وقد اهتبل قادة حزب البعث ولصوصه الفرصة، ونهبوا ما استطاعوا نهبه من أموال البنك المركزي في دمشق، بحجة أن نقل احتياطي الذهب واجب (قومي) لئلا يقع بيد العدو فتفلس الدولة، محملين قوافل السيارات الحكومية والعسكرية ما في بيوتهم من ممتلكات منهوبة خف وزنها وغلا ثمنها، وللتاريخ نعيد على أذهان السوريين قبل العرب المبررات التي ساقها هؤلاء القادة لتكريس (الانتصار العظيم)، الذي ادعوه، في أذهان الناس وعقولهم وظلوا لسنوات طويلة يرددونه على أسماع خمسة أجيال من السوريين، حتى توهم البعض أنه كان هناك انتصار في حزيران حققه حزب البعث وجيشه العقائدي:
(إن المعركة لا تقاس نتائجها بعدد الكيلو مترات التي خسرناها، بل بأهدافها وما استطاعت أن تحقق. فقد كان هدف إسرائيل، ليس احتلال بضعة كيلو مترات من سورية، بل إسقاط الحكم التقدمي فيها، وهذا ما لم يتم لها، ولذا يجب أن نعتبر أنفسنا الرابحين في هذه المعركة).
من أقوال قائد الجيش قبل الحرب وبعدها اللواء أحمد سويداني.
(ليس مهماً أن يحتل العدو دمشق، أو حتى حمص وحلب، فهذه جميعاً أراض يمكن تعويضها، وأبنية يمكن إعادتها، أما إذا قضي على حزب البعث، فكيف يمكن تعويضه وهو أمل الأمة العربية؟).
(... لا تنسوا أن الهدف الأول من الهجوم الإسرائيلي، هو إسقاط الحكم التقدمي في سورية، وكل من يطالب بتبديل حزب البعث، عميل لإسرائيل...).
من أقوال وزير خارجية سوريا قبل الحرب وبعدها الدكتور إبراهيم ماخوس.
(الحمد لله لقد استطاعت قواتنا الباسلة حماية مكاسب الثورة أمام الزحف الإسرائيلي! الحمد لله الذي أفسد خطة العدو وقضى على أهدافه الجهنمية! إن إسرائيل لن تحقق نصراً يذكر، ما دام حكام دمشق بخير!!).
معلق في إذاعة دمشق بعد الإعلان عن وقف النار.
بنفس هذه النظرية (المشقلبة) يريد الحزب القائد للدولة والمجتمع بموجب المادة الثامنة من الدستور السوري الذي وضعه الرئيس المقبور حافظ الأسد ومافيا السلطة الحاكمة، تسويق قمعه الدموي للجماهير السورية.
وتابع الولد ما بدأه أباه وواجه الشعب السوري الثائر المنتفض على جلاديه بالقتل والتنكيل والسجن والاعتقال والتهجير وتدمير المدن والبلدات والقرى، مصنفاً الجميع كمتآمرين وخونة وعملاء ومندسين وإرهابيين وسلفيين ومتطرفين ومتسللين وعصابات ومخربين، ليبرر قمعه وهمجيته الوحشية لهم، مستعيناً بمجرمي الحرب الروس والإيرانيين والميليشيات الطائفية التي جيشها من العديد من دول العالم، ظناً منه أنه بقمعه الدموي هذا الذي طال الطفل والمرأة والشيخ والناس والحجر والشجر، سيوقف تصاعد الثورة كيفاً وكماً، وهو رهان خاسر لن يحصد منه إلا الهباء والهزيمة والسقوط، وقد اتخذت الجماهير قرارها الفصل في مواصلة الثورة على هذا النظام السادي حتى إسقاطه، وهم يعرفون مسبقاً الثمن الغالي الذي عليهم أن يدفعوه لانتزاع حريتهم المصادرة وكرامتهم المداسة منذ أكثر من خمسين عاماً.
وسوم: العدد 828