لماذا يخفي الإعلام عن الإسرائيليين أهوال جيشهم “الأكثر أخلاقية في العالم” بحق المدنيين في غزة؟

صديقي المحامي ميخائيل سفارد وجه انتقاداً شديداً ومبرراً لا مثيل له (“هآرتس”، 21/5) لطريقة التغطية المشوهة للحرب في غزة من قبل وسائل إعلام التيار العام في إسرائيل، التي تتجاهل بشكل مطلق موت عشرات آلاف الأطفال والنساء الذين قتلوا في عمليات قصف سلاح الجو الإسرائيلي والمدفعية الإسرائيلية في غزة. عند قراءة هذا المقال اللاذع، يطرح سؤال: ما أسباب هذا التحيز الشديد لوسائل الإعلام؟ لماذا تمنع قنوات التلفزيون الإسرائيلية الجمهور عن النظر مباشرة في عيون أطفال غزة المليئة بالمعاناة، الأيتام والذين يعانون نفسياً وجسدياً، وتحطم كل عالمهم نتيجة ما يصعب عدم اعتباره عقاباً جماعياً على الأعمال الفظيعة في 7 تشرين الأول.

يبدو أن تجنب عرض أبعاد قتل المدنيين ومعاناتهم في غزة، ينبع من الخوف من أن مشاهدة الإسرائيليين لهذه الصور الفظيعة قد تكسر الإيمان في قلوبهم بأخلاقية الجيش الإسرائيلي المقدسة، وتثير فيهم التحفظ من سياسة قتاله، ما قد يمس بالروح الوطنية أثناء الحرب.

العقل يقول إن الرد الإسرائيلي السائد على مشاهد قتل الغزيين العاديين في الحرب، التي لم يتم نشرها، كان يمكن أن يكون نوبة من الفرح الوطني الجماعي، مثل عيد “لاغ بعومر، نسخة رفح”، المنشور المهين لحاخام مستوطنة “كفار أدوميم”، افيشاي شورشم، الذي رد بسعادة على صور قصف مخيم للنازحين في رفح الأسبوع الماضي. في نهاية المطاف، الإسرائيليون غير جيدين وليسوا أسوأ من شعوب أخرى تعيش في نزاع وطني متواصل ودموي.

الوطنية، التي تعد ظاهرة حديثة بمعان كثيرة، تقوم على أسس قبلية بدائية. يتم تخيل الوطنية بمفاهيم عائلية حميمية، وبالتالي ليس من الغريب أنه في مواجهة القسوة الوحشية والسادية تجاه أبناء وبنات العائلة القومية، مثل التي شاهدناها في 7 أكتوبر، تنشأ مشاعر انتقام في أوساط العائلة الوطنية، يرافقها رضى وطني كلما تحقق الانتقام.

يجب إضافة جانب آخر إلى ذلك، نفسي – وطني محدد، أن ما يميز الصدمة الوطنية التي عاشها الإسرائيليون بسبب 7 أكتوبر هو جانب قد يزيد بصورة لا تقاس أبعاد العداء تجاه التجمع الوطني الفلسطيني بشكل عام وتجاه الفلسطينيين في غزة بشكل خاص. غالبية الإسرائيليين لا يعتقدون أن سكان غزة “يستحقون” القتل والدمار فقط لأن كثيرين منهم يؤيدون حماس، بل غالبية الإسرائيليين على قناعة بأننا لا نستحق بأي شكل ما حدث في 7 أكتوبر، أو للدقة، جاء من مكان ما. من ناحيتهم، كان هذا يمثل إعصاراً وكارثة طبيعية فجائية، مثل الاسم المناسب لأغنية عيدن غولان في الأورفيجين التي تعكس الوضع النفسي الوطني لإسرائيل في هذه الأيام.

الإسرائيليون لا يعترفون بأن الفلسطينيين عاشوا قبل 7 أكتوبر، في ظروف القمع ونزع الحريات الأساسية، الإنسانية والقومية، على يد إسرائيل. غالبية الإسرائيليين على قناعة بأن الوضع الإسرائيلي – الفلسطيني الذي كان قبل 7 تشرين الأول، كان طبيعياً وحتى أكثر من معقول، من ناحية وضع الفلسطينيين. يرى الإسرائيليون أن “الاحتلال”، ولا نريد التحدث عن الأبرتهايد، هو اختراع لاسامي؛ وعمليا، الفلسطينيون الذين يعيشون وراء الخط الأخضر (اختراع آخر لكارهي إسرائيل) يعيشون حسب رأيهم بصورة غير سيئة، مقارنة مع أخوتهم العرب في سوريا والعراق أو أي دولة عربية أخرى، باستثناء الدول الغنية بالنفط والغاز. حتى في غزة، كما يعتقد الإسرائيليون، كانت للفلسطينيين دولة بكل معنى الكلمة. ولكن رغم كل ذلك، اختاروا القيام بحملة قتل، خائنة وناكرة للمعروف.

على خلفية رؤية مشوهة لهذا الواقع، والغضب القومي الإسرائيلي على الفلسطينيين الغزيين وانغلاق إسرائيل تجاه معاناتهم، لم يكن غريباً أن يشعر الإسرائيلي بمشاعر السعادة الوطنية إزاء أنباء متقطعة عن أبعاد الدمار والقتل في غزة.

وسوم: العدد 1082