شموخ وانكسار بين الطموح والبطالة
حسن محمد نجيب صهيوني
كثيراً ما سمعنا عن ثقافة العيب التي تقبع في أذهان الشباب العربي تاركة سفينتهم معلقة بين طموح العمل واضمحلاله، وما هي إلا ثقافة واهنة ابتدعها أصحاب شِرعة حجتهم داحضة وشراعهم مكسور، يبغون منها شقلبة الموازين وضخ الافتراءات المدمغة بقولهم (هذا العمل لا يناسبني ... ).
هذه الظاهرة باتت تغوض في عالمنا العربي تاركة حجر العيب عائقاً في أذهاننا مع توفر فرص العمل في شتى المجالات وعلى كافة الأطر. ظاهرة أضحت تكبح جماح أكفنا عن النهوض بالسواعد الفتية و وتلجمنا عن التقدم والرقي في مجتمعاتنا العربية.
هذه المهن، ومن جملتها، ودون حصر، مهنة الخباز، أو النجار، أو الميكانيكي، أو عامل نظافة، ... إلى غيرها من الوظائف التي سُقط على عرفنا أنها مرفوضة اجتماعياً وأخلاقياً وفكرياً ضمن هذا الوسط البيئي الذي نعيشه ونتعايشه سواء. حتى صارت ثقافة الحرام غائرة في جوف النسيان واستُحدثت ثقافة العيب عوضاً عنها.
لماذا يقبل العربي العمل بمحطة بنزين في أمريكا أو أوروبا ولا يقبلها في بلده؟، لماذا يسخر الشرقي كل طموحه للهجرة إلى الدول الغربية بغية العمل ويبدد بعدها هذا الطموح بالعمل بمهنة (غسيل الصحون والكؤوس ..) بيد أنه يعيبها ويرفضها البتة في وطنه؟. بل على العكس، نجد الغربي يزاول تلك المهنة في وطنه دون أي شعور بالانتقاص له أو الحرج. لماذا تضيع أذهاننا في حيرة العيب ونسيان الحرام، مع أن ديننا الحنيف ما حرم قط أي مهنة لم تخالف تعاليمه ولم يعيبها، كيف لا؟ ونحن نعلم أن رسولنا الكريم كان يرعى الغنم مقابل أجر، ألئن عيبنا بالفرض الساقط تلك المهن، أنعيب صنيع رسولنا برعيه الغنم؟!.
لو سألنا هؤلاء: ما حجتهم وامتناعهم عن هذا العمل أو ذاك، لكان جوابهم قاصراً ومحكوماً بثقافة العيب، بيد أننا نرى أن تلك الثقافة المبتدعة لم تكن قط في أي دولة أجنبية ولم نسمع بداً عن مجتمع غربي تعيث فيه تلك الثقافة ألواناً من الفساد، أوصلت بنا ثقافة العيب أن يطل الشاب العربي من نافذته تصحبه سيجارته وقهوته، يعيش على أمل رسمه هو بنفسه لنفسه، ليظل على تلك الحال من البطالة والعزوف عن العمل رغم توفر الفرص ووجود العمل، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
قال أحدهم مرة "إن أراد الشعب أن يكونوا حكاماً ... فمن أين سيؤتى بالشعب؟". فلو أراد الكل أن يكون مديراً أو رئيساً لشركة فمن أين سيؤتى بالموظفين والعمال؟ هذه الآمال العريضة المناكب هي التي أورثت البطالة وخلّفت ثقافة العيب المدحورة في وقت من عصر التقدم أصبحت فيه الضرورة ملحة لوجود العامل والعتال والحرفي وغيرهم. أنا لا أنكر على الشباب طموحاتهم، فكلنا يسعى نحو التقدم، لكن معطيات التقدم تقتضي بالضرورة الجد والمثابرة والكد والكفاح لنيل المنى وبلوغ الطموح، فكيف يعقل أن نسعى نحو غاية وعقولنا يعتورها العيب والحرج، ومن طلب العلا سهر الليالي.
العيب لم يكن أبداً في ثقافتنا ولا في عرفنا، العيب فينا نحن أولئك المتحدرون الذين تسوقهم آمالهم إلى حيث لا يدرون، أولئك الذي تشوبهم نزعة الخجل من ذا العمل أو ذاك، اولئك الذين يعافون المهن ويكرهون الحرف انطلاقاً من نظريتهم بأن تلك المهنة أو الحرفة لا تناسب مؤهلاتهم أو شهاداتهم أو حتى مركزهم في المجتمع.
حري بنا أن ندرك بان العمل مهما كان نوعه يبقى عملاً سواءً كان العمل وظيفة حكومية أو في قطاع خاص أو مهنة تجارية أو زراعية ... إلى غيرها من المهن، يعزز مفهومنا هذا قول من قال (إن الله يحب اليد العاملة)، وبالله التوفيق.