جهود سيد قطب في الأدب الإسلامي خطوة نحو التنظير
جهود سيد قطب في الأدب الإسلامي
خطوة نحو التنظير
الأدب الإسلامي : فكرة وخصائص ومنهاج
بقلم: ولهان خالد حسين آل جعفر
(1)
مصطلح الأدب الإسلامي
إذا كان من طبيعة الحياة أن تقدّم لكل فرد تجربة أو عدة تجارب تنقله من طور إلى آخر، بغض النظر عن تلك الانتقالة وكيفيتها وطريقة التعامل معها، فإن معطيات هذه التجارب سوف تتباين أبعادها، وآثارها، والصورة التي تنتهي إليها بين الأشخاص، تبعاً إلى نوع التجربة من ناحية، وطبيعة تلك الشخصية من ناحية أخرى، مع الأخذ بالظروف الخاصة والعامة التي أحاطت بالشخص، وقد تكون تجربة العقيدة من أشد التجارب تأثيراً في حياة الإنسان أياً كان منشأ ذلك المعتقد وطبيعته، سواء كان (منبثقاً عن تصوّر إلهي أو عن تصوّر فلسفي من نتاج الفكر البشري، إلا أنه لا يخرج في عمومه عن كونه تفسيراً يبيّن موقف الإنسان من هذا الوجود وعلاقته بخالقه والكون والحياة)(1).
وسيد قطب من الأشخاص الذين مرّوا بمثل هذه التجربة (الإسلام عقيدة) فكان أثر هذه التجربة عليه من القوة بحيث هزّت كيانه جملة –فكراً ووجداناً- ولا غرابة في هذا التوجّه، فهو ينتمي إلى العصر الحديث الذي (برزت فيه على الساحة العربية تيارات أدبية ونقدية متنوعة فكان للأدب العربي في الربع الأول من القرن العشرين أدباء إسلاميون في مباحثهم وأعمالهم، لا يجذبهم الأدب العربي الذي يحاول أن يقتفي خطا الغرب بقدر من يجذبهم الأدب العربي الأصيل، وخير من مثّل هذا الاتجاه الإمام (الرافعي) وتلاميذه، كان في الطرف الآخر طائفة اتجهت صوب الغرب وسعت إلى ربط الأدب العربي بالأدب العالمي أمثال (طه حسين) الذي يبتدئ إنتاجه بالشعر الجاهلي مثيراً قضية (الشك) ومتابعاً (ديكارت) في منهجه، ويتأثر (العقاد) بمثالية (هيجل) ويتابعه في ذلك تلميذه سيد قطب، وسرعان ما نشب الصراع بين الطرفين فظهر أدب إسلامي جديد يكتبه طه حسين، ويصبح العقاد كاتب شخصية الرسول (صلى الله عليه وسلم)، أما سيد قطب فيدخل نتاجاً جديداً ممتعاً مستمداً من روح القرآن الكريم في كتابيه (التصوير الفني في القرآن) و(مشاهد القيامة في القرآن)(2) وكنا قد أشرنا من قبل عند تناولنا حياة سيد قطب إلى أنه مر بأطوار حياتية متباينة تبعاً لثقافته الفكرية والعقائدية، مما ترك أثراً على حياته واضحاً فكان يعيش صراعاً نفسياً داخلياً حتى استقر أخيراً في الاتجاه الإسلامي عن طريق القرآن الكريم (فكان دخوله عالم القرآن الكريم دخولاً حميداً وبخطى واثقة ومقتدرة، وأصبح من دعاة الفكرة الإسلامية يناضل ضد التقليد والتقاليد معاً، ومبيناً فكرة الإسلام العامة لا جحود ولا جمود)(3)
يقول سيد قطب موضحاً أثر القرآن الكريم على روحه وقلبه وعقله: (الحياة في ظلال القرآن نعمة، نعمة لا يعرفها إلا من ذاقها، نعمة ترفع العمر وتباركه وتزكيه، الحمد لله.. لقد عشت أسمع الله سبحانه يتحدث إليّ بهذا القرآن، أنا العبد القليل الصغير، أيّ تكريم للإنسان هذا التكريم العلوي الجليل؟ عشت أتملّى في ظلال القرآن ذلك التصور الكامل الشامل الرفيع النظيف للوجود، لغاية الوجود كله، وغاية الوجود الإنساني، وأقيس إليه تصورات الجاهلية التي تعيش فيها البشرية، وأتساءل: كيف تعيش البشرية في الدرك الهابط، وفي الظلام البهيم، وعندها ذلك المرتع الزكي، وذلك النور الوضيء؟ عشت في ظلال القرآن أحسّ التناسق الجميل بين حركة الإنسان كما يريدها الله، وحركة هذا الكون الذي أبدعه الله، ثم أنظر فأرى التخبّط الذي تعانيه البشرية في انحرافها عن السنن الكونية، وأقول في نفسي: أيُّ شيطان لئيم هذا الذي يقود خطاها إلى هذا الجحيم؟ عشت في ظلال القرآن أرى الوجود أكبر بكثير من ظاهره المشهود، أكبر في حقيقته وفي تعدّد جوانبه، إنه عالم الغيب والشهادة، لا عالم الشهادة وحده، إنه الدنيا والآخرة لا هذه الدنيا وحدها، الموت ليس نهاية الرحلة، إنما هو مرحلة في الطريق، وما يناله إنسان من شيء في هذه الأرض إنما هو قسط من ذلك النصيب، وأن المرحلة التي يقطعها على ظهر هذا الكوكب إنما هي رحلة في كون حي مأنوس، وعالم صديق ودود، كون ذي روح تتلقى وتستجيب، وتتجه إلى الخالق الواحد الذي تتجه إليه روح المؤمن في خشوع)(4) ثم يقول أيضاً: (ومن ثم عشتُ في ظلال القرآن، هادئ النفس، مطمئن السريرة، قرير الضمير، عشتُ أرى يد الله في كل حادث وفي كل أمر، عشت في كنف الله ورعايته، أستشعر إيجابية صفاته وفاعليتها، أي طمأنينة ينشئها هذا التصور؟ وأي سكينة يفيضها على القلب؟ وأي ثقة في الحق والخير والصلاح؟ وأي قوة واستعلاء على الواقع الصغير يسكبها في الضمير)(5)؟ ويبين لنا أخيراً النتيجة التي خرج بها من رحلته مع القرآن الكريم (وانتهيت من فترة الحياة في ظلال القرآن إلى يقين جازم حاسم، أنه لا صلاح لهذه الأرض، ولا راحة لهذه البشرية، ولا طمأنينة لهذا الإنسان، ولا تناسق مع سنن الكون وفطرة الحياة، إلا بالرجوع إلى الله)(6) وانطلاقاً من هذه النظرة الشاملة للقرآن الكريم عالج سيد قطب كثيراً من القضايا التي تخص الأدب الإسلامي بمنظار الأديب الناقد، والمفكر، والداعية المسلم، وحيث (أن الناقد لا يجوز أن يتحدث في الأدب إلا في نطاق نظرة عامة في الفن لأن الأدب فرع منه، ولا يحق له أن يتحدث في الفن إلا من خلال نظرة عامة إلى الحياة والوجود، أي من خلال فلسفة عامة، لأن نظرة ما في الفن ما هي إلا لون من ألوان التفكير الفلسفي، كذلك لا ينبغي للناقد أن يتحدث عن الفنان إلا أن يكون الناقد نفسه، ذا موقف من الإنسان عامة، لا سيما إذا كان الناقد لم يمسك بالقلم لمجرد التسلية، وأحس في الوقت نفسه بقيمة الكلمة وأثرها)(7). وتشغل قضايا الأدب الإسلامي مكانة بارزة من بين القضايا النقدية التي عالجها النقاد قديماً وحديثاً، ولعل مصطلح الأدب الإسلامي نفسه من أكثر المصطلحات اضطراباً، لتنوع دلالته(8).
يرتبط الأدب الإسلامي لدى سيد قطب بالإسلام نفسه، فهو يستمد منه قيمه وموازينه، ومهمة هذا المنهج في الفن هي مهمة الإسلام نفسها (فالإسلام جاء ليغير التصور الاعتقادي، ومن ثمة يغير الواقع الحياتي المعاش ويبني في الوقت نفسه عقيدة وأمة، وينشئ منهجاً خاصاً به، ليس منهج مرحلة، ولا منهج بيئة، ولا منهج ظرف خاص، إنما هو منهج أصيل، لأن الدين الإسلامي ليس مجرد (نظرية) تتعامل مع (الفروض) إنما هو (منهج) يتعامل مع (الواقع)(9). أما عن الكيفية والحالة التي يشغل فيها الفن مكانه من الإسلام فيصبح منهجاً من غير أن ينسلخ عن طبيعة الإسلام فقد ذهب سيد قطب إلى (أن الإسلام يرسم صورة للحياة في النفس، ويكيف النفس بهذه الصورة، فيندفع في حركة واعية إلى تحقيقها في عالم الواقع، والأدب والفن يشتركان في عملية التغيير والتطهير، شأنهما في ذلك شأن كل حركة أخرى في موكب العقيدة(10). هذا من ناحية (المنهج) وطبيعته أما من ناحية (الإسلامي) فإننا نجد سيد قطب يوضح هذا المصطلح على ضوء طبيعة الإسلام رسالة سماوية شاملة، ومبيناً ما طرأ عليه من محاولة تغيير دلالته في العصر الحديث، من خلال قصره على فترة زمنية محددة أو جانب محدد، ذهب سيد قطب إلى أنه (شاع استخدام مصطلح الإسلامي فيما يخص الأزمنة السابقة، أو على ما يتصل بالعقائد حصراً، وأن هذا الاستخدام في حقيقته تقليد للغرب في إطلاقهم لفظ نصراني على الأزمنة السابقة للعصور الحديثة والمعاصرة، نتيجة فصلهم بين السياسة والدين، وبما أن طبيعة الإسلام تختلف عن سائر التصورات والديانات الأخرى، باعتباره لا يفرق بين السلطة الزمنية والسلطة الدينية، ولا يجعل الدين بمعزل عن الحياة، فإن الاضطراب هو النتيجة الحتمية لهذا التقليد)(11) من هنا ركز سيد قطب كثيراً على توضيح هذا الجانب من طبيعة الإسلام بما يمثله من عقيدة متكاملة موحدة، في مصدرها، وفي تلقيها، وفي تطبيقها.
أما فيما يخص العلاقة بين صورة الإسلام هذه والأدب، فقد رصدناها فيما ذهب إليه سيد قطب من أن (الأدب هو التفسير الشعوري للحياة، وهو منبعث عن المنبع الذي تصب فيه جميع الديانات، والفلسفات، والتجارب، والمؤثرات، في بيئة من البيئات، وهو من أشد المؤثرات في تكوين فكرة وجدانية عن الحياة، وفي طبع البشرية بطابع خاص)(12). هذا يعني أن الأديب في نظر سيد قطب يرتكز على خلفية فكرية، قد تكون عقائدية، أو فلسفية، تفسر له الأشياء من حوله، وتترك أثرها عليه، وبناء على هذه النظرة دعا سيد قطب إلى ضرورة أن يكون هناك أدب يترجم عن روح المسلم وشخصيته المميزة، وقد عزا الدكتور نجيب الكيلاني ظهور هذا التوجه لدى سيد قطب إلى انتمائه إلى الحركة الإسلامية ممثلة في جماعة الإخوان المسلمين، التي استطاعت أن تجمع أكبر عدد من الكتاب والأدباء الإسلاميين(13) وتشير الدراسات الحديثة التي عنيت بالأدب الإسلامي إلى أن الأدب الإسلامي وفق هذه النظرية (من الحداثة والجدة، وأن أول من دعا له هو سيد قطب نفسه(14).
إن سيد قطب في توضيحه معالم الأدب الإسلامي لم يخرج عن نطاق النظرة التعبيرية إلى الأدب، وأدب الشخصية القائم على فلسفة خاصة، وبذلك وجدت لديه صياغة أخرى تلتقي في جوانب كثيرة مع التعريف الذي كان قد اعتمده في تفسيره للعمل الأدبي، وهو (التعبير عن تجربة شعورية في صورة موحية)(15) مع تأكيده على القيم الحياتية الحية التي تمثل نظرة الأديب الفكرية والشعورية إلى الحياة، وتحت هذا الأدب ينضوي الأدب الإسلامي باعتباره أدب فكرة وقيم، فقد ذهب سيد قطب إلى (أن الأدب تعبير موح عن قيم حية ينفعل بها ضمير الفنان، تنبثق عن تصور معين للحياة، هذه القيم تختلف من نفس إلى نفس، ومن بيئة إلى بيئة، ومن عصر إلى عصر، وحيث أن الإسلام تصور معين للحياة، فمن الطبيعي أن يكون التعبير عن هذه القيم، أو عن وقعها في نفس الفنان ذا لون خاص، وأنه من العبث محاولة تجريد الأدب أو الفن، من القيم التي يحاول التعبير عنها، لأننا لو أفلحنا في ذلك فلن نجد سوى عبارات خاوية)(16).
وحيث إن سيد قطب نظر إلى الأدب الإسلامي أولاً من خلال ما يحمله الأثر الأدبي من قيم، فإن هذا سيؤدي بالنتيجة إلى أن يكون هناك أدب إسلامي، وأدب يلتقي مع التصور الإسلامي أو يقترب منه، معتمدين في ذلك على (أن الإسلام فكرة، فهو ليس ملك أحد من البشر على الإطلاق، ولا يمكن لأحد أو جماعة أو شعب أن ينسبه إليه أو يحتكره له، فكون الإسلام ديناً جعل منه ملك الإنسانية، فكل من يكتب أدباً في إطار هذه الفكرة يعتبر أدبه إسلامياً، حتى لو لم يكن مسلماً، على أساس أن هذه (الفكرة) تتطلب (قيماً) معينة هي التي تحكم بالموازين التي تجعل من هذا الأدب إسلامياً أو لا)(17).
هذه الصورة من الأدب الإسلامي تبدو لنا بهذا الشكل إذا اكتفينا بالنظر إلى هذه القيم من خلال الأثر الأدبي فقط دون صاحبه، وهو بذلك لا يحدد الأدب الإسلامي بصورته النهائية، ومن هنا ذهب سيد قطب إلى أن الأدب الإسلامي (هو التعبير الناشئ عن امتلاء النفس بالمشاعر الإسلامية، فلا يمكن تقسيم الإسلام إلى أجزاء، لا في طبيعة الإسلام، ولا في آثاره في النفس البشرية، أو في واقع الحياة)(18) أي أن ميزة الأدب الإسلامي لدى سيد قطب هو اعتماده على التخطيط الفكري، والبناء الفلسفي لدى الأديب، وهو بذلك يمثل أدب الفكرة وأدب القيم التي تنبثق عن الفكرة الإسلامية، وأدب الشخصية المستقلة وتأثراتها بهذه الفكرة العامة، وأدب جماعة من المسلمين تلتقي تصوراتهم وتتقارب من حيث المصدر والغاية والوسيلة. هذا الذي ذهب إليه سيد قطب في تحديده مصطلح الأدب الإسلامي منطقي إلى حد ما على أساس (أن غالبية الأدباء ينطلقون من أساس فكري أو فلسفي، ويسيرون على منهج بعينه)(19) وهذا ما يجعلنا نقف عند العلاقة بين الفكر أو الفلسفة من جانب، والفن من جانب آخر، التي ركز عليها سيد قطب كثيراً كما أوضحنا ذلك عند تناولنا فنون العمل الأدبي لديه، إلا أن الأساس الذي أقام عليه سيد قطب نظرته هذه لم يكن مستحدثاً من كل جوانبه، فالعلاقة بين الأدب والعقيدة قضية أصيلة من قضايا نشأة الأدب قديماً وحديثاً(20) حيث (أن معتقد الأديب ذو تأثير واضح على نتاجه الأدبي، لأنه جزء أساسي من الإطار العام لتجربته الشعورية، وأن الأدب بطبيعته يحتاج إلى خلفية عقائدية يرتبط بها دائماً، فقد ظل الأدب في العالم أجمع مرتبطاً بالعقيدة الدينية، حتى العصر الحديث عندما لم يعد للسلطة الدينية وجهها الجماعي القديم، فراح الإنسان سيبحث عن عقيدة أخرى، ومن ثم لم تخل أعماله الفنية في أي وقت من أن يكون تعبيراً عن عقيدة)(21).
بقيت مسألة مهمة نستطيع أن نتناولها ضمن تحديدنا للمصطلح وهي (لغة) هذا الأدب، فقد ذهب سيد قطب إلى (أن الأمة المسلمة ليست أرضاً كان يعيش عليه الإسلام، وليست قوماً كان أجدادهم في عصور من العصور يعيشون بالنظام الإسلامي، إنما هم جماعة من البشر تنبثق تصوراتهم وحياتهم وأوضاعهم وأنظمتهم وقيمهم وموازينهم من المنهج الإسلامي)(22) فالأمة الإسلامية بذلك تقوم على أساس العقيدة لا على أساس اللغة، ولهذا أثره في تجانس التصورات المنبثقة عن هذا المعتقد بشكل عام. (حيث إن إقامة الأدب على أساس العقيدة، يعني بالنتيجة خروج هذا الأدب من حدوده الإقليمية المحدودة بنطاق اللغة ليأخذ صفقة إنسانية عالمية)(23).
(2)
خصائص التصور الإسلامي لـ (الله والكون والحياة والإنسان)
عني سيد قطب كثيراً بتوضيح نظرة الإسلام إلى (الله والكون والحياة والإنسان) بما تمثله من حقائق يقينية مستمداً ذلك من القرآن الكريم، وقبل أن نتناول خصائص التصور الإسلامي لهذه الحقائق بالشكل الذي استقر عليه فكر سيد قطب، نقف أولاً عند منهجه في عرض هذه الحقائق. أشار سيد قطب إلى (إن منهجه يحاول أن يجعل النص القرآني هو الذي يتولى تقرير هذه الحقائق، وتكون عباراته مجرد عامل مساعد، خلافاً للمنهج الذي يسوق الآيات القرآنية للاستشهاد في مواضع من البحث على القضية التي يكون قد قررها بأسلوبه)(24) وقد التزم سيد قطب هذا المنهج حقيقة في مجال الدراسات الإسلامية لاسيما في كتبه (خصائص التصور الإسلامي) و(مقومات التصور الإسلامي) فضلاً عن تفسيره الضخم (في ظلال القرآن). ولعل أبرز ما في هذا المنهج (أن هذه الحقائق ليست إبداعاً لشيء غير موجود أصلاً، فهي مجموعة حقائق موجودة، أو موجودة أصولها، وصياغة جديدة لمقومات قائمة في الأذهان)(25). كان سيد قطب في توضيحه خصائص التصور الإسلامي إنما كان ينطلق من وجهة نظر الدعوة إلى تبني الفكرة الإسلامية منهجاً للحياة، وكان من دعاتها المبرزين، من هنا نشأ التباين في نتاجه الإسلامي، من حيث الغاية، ففي الوقت الذي كان فيه سيد قطب معنياً بعرض خصائص القيم الفنية والجمالية في التعبير القرآني، مال إلى (أن البحوث ترف عقلي ونفسي لا يكون في طفولة الأمم، ولا في أوائل فتوتها، بل تجيء بعد أن تستكمل ضرورياتها، وتستكفي من حاجاتها، وتشبع من بنيتها، ثم تأخذ بالترف وقد فرغت من مطالب الضرورة، فإذا هي عنيت بالنواحي الفنية قبل ذلك، فهي عناية المتملي أو عناية المتذوق أو عناية المأخوذ)(26) فكان من أثر هذا التذوق والتملي للقرآن الكريم أن أخرج دراستيه (التصوير الفني في القرآن) و(مشاهد القيامة في القرآن)، غير أن هذه النظرة للقرآن الكريم أخذت بعداً آخر لدى سيد قطب على أساس (أن القرآن لم يجيء ليكون كتاب متاع عقلي، ولا كتاب أدب أو فن، ولا كتاب قصة أو تاريخ، وإن كان هذا كله من محتوياته، إنما جاء ليكون منهج حياة، منهجاًَ إلهياً خالصاً، ولا يمنح كنوزه إلا لمن يقبل عليه بروح التلقي للتنفيذ، روح المعرفة المنشئة للعمل)(27). تكمن أهمية خصائص التصور الإسلامي لـ (الله والكون والحياة والإنسان) لدى سيد قطب من ناحية أنها (تشكل تصوراً خاصاً بالمسلم يختلف عن سائر التصورات الأخرى، سواء في ذلك التصورات المستمدة من عقائد دينية أم كانت مستمدة عن أساطير أو فلسفات بشرية)(28). هذه الخلفية الثقافية والفكرية التي يرتكز عليها الأديب سوف تترك أثرها على طبيعة الفن المنبثق عنها، فضلاً عن خصوصية الإسلام في تصوره هذا. ذهب سيد قطب إلى أن هذا التصور هو أوسعها وأشملها معتمداً أسلوب المقارنة بين الإسلام وغيره من التصورات في نظرتهم إلى الحياة مؤكداً (إن الإنسانية ظلت دهوراً طويلة لا تهتدي إلى فكرة شاملة عن الخلق والخالق حتى جاء ، فأعطى ذلك التصور الشامل، فجمع بين الأرض والسماء في نظام الكون، والدنيا والآخرة في نظام الدين، والروح والجسد في نظام الإنسان، والعبادة والعمل في نظام الحياة}(29). وهنا يجد سيد قطب أن هذا التصور الشامل من شأنه (أن يقدم للإنسان تفسيراً شاملاً للوجود، يتعامل معه على أساسه، فيحدد للمسلم دوره في الكون، وحدود اختصاصه، وعلاقته بخالقه، وعلى ضوئها كذلك يتحدد منهج حياته، ونوع النظام الذي يحقق هذا المنهج)(30) ويرى في الوقت نفسه أن الآثار التي سوف تترتب عن استقرار هذا التصور في ضمير المسلم ستكون إيجابية معتمداً في ذلك (أن هذا التصور يرفع من اهتمامات البشر بقدر ما يكشف لهم عن علة وجودهم وحقيقته، ومصيره، وبقدر مال يجيب إجابة حاسمة وواضحة عن الأسئلة التي تساور كل نفس، من أين جئت؟ لماذا جئت؟ إلى أين أذهب؟)(31) وبذلك تكون حياة المسلم المستمدة من هذا التصور الشامل حياة كبيرة وشاملة، على أساس أنها مرتبطة بوظيفة ضخمة تتجلى في ارتباطها بهذا الوجود العظيم، وهي في الوقت نفسه ذات أثر في حياة هذا الوجود العظيم.
لم يكتف سيد قطب بتوضيح أهمية التصور الإسلامي للحقائق الأساسية ممثلة بـ (الله والكون والحياة والإنسان) بل توقف عند سمات كل حقيقة من هذه الحقائق من خلال عرض القرآن الكريم لها، وأولى هذه الخصائص تتمثل في تحديد المصدر الذي يستقي منه هذا التصور خصائصه، فقد ذهب سيد قطب إلى أن (الربانية تمثل الخاصية الأساسية للتصور الإسلامي، على أساس أن هذا التصور مستوحى من مصدر إلهي وليس من مصدر بشري) (32)، فسيد قطب يؤكد أن مصدر هذا التصور ينفرد به (الله) وبذلك تكون هناك حقيقتان مطلقتان في تصور المسلم هما (حقيقة الإله) و(حقيقة الإنسان) وهما حقيقتان متغايرتان ومستقلتان تمام الاستقلال، وحول هاتين الحقيقتين تدور مجموعة من الخصائص تشكل بمجموعتهما نظرة الإسلام العامة إلى (الله والإنسان والكون والحياة) انطلاقاً من (أن هذا التصور الرباني يبدأ من الحقيقة الإلهية التي يصدر عنها الوجود، ويعني عناية خاصة بالإنسان، فيعطيه مساحة واسعة من هذا الوجود، ثم يعود بالوجود كله إلى الحقيقة الإلهية التي صدر عنها)(33)، وبما أن هذا التصور منبثق عن مصدر إلهي، لذا مال سيد قطب إلى أن وظيفة المسلم تجاه هذا المصدر تتحدد بـ (التلقي والاستجابة والتكيف والتطبيق في واقع الحياة)(34) بمعنى أن التلقي يجعل من التصور الإسلامي منهج حياة من خلال تطبيقه في واقع الحياة، وقد أكد سيد قطب كثيراً على توضيح هذا الجانب في طبيعة الإسلام من خلال اقتران العمل الصالح بالإيمان، (فالإيمان حقيقة إيجابية متحركة، ما إن تستقر في الضمير حتى تسعى بذاتها إلى تحقيق ذاتها في الخارج في صورة عمل صالح)(35) وقد رد سيد قطب طبيعة الإيمان في الإسلام إلى المنهج الرباني على أساس (أن هذا المنهج حركة دائمة متصلة في صميم الوجود، صادرة عن تدبير متجهة إلى غاية)(36) من خلال هذه الرؤية لحقيقة كل من الإله والإنسان وطبيعتهما، لاحظ سيد قطب أن للتصور الإسلامي لـ (الله والكون والحياة والإنسان) خصائص أجملها بـ (الشمول والتوازن والإيجابية والواقعية والثبات) وهنا نجده يستخدم مصطلحات حديثة ومعاصرة مثل (الواقعية والثبات) في معالجة قضايا إسلامية.
من حيث الشمول أشار إلى (التصور الشمولي لهذا الكون حيث تجلى مظاهر الشمولية في رد هذا الوجود بنشأته وحركته وكل انبثاقة فيه إلى الذات الإلهية)(37) ومؤكداً في الوقت نفسه أن تقرير هذه الحقيقة في النفس الإنسانية من شـأنها (أن تعطي للمسلم تصوراً مفهوماً لإنبثاق ظاهرة الحياة في المادة)(38). أي بث الحياة في هذا الكون وفي جميع خلائقه عن قصد وغاية وتدبير، أما عن كيفية التلقي، وطبيعة الاستجابة المتولدة عن هذا التلقي، فقد ذهب سيد قطب إلى (أن التصور الإسلامي عند تناوله هذه الحقائق، فإنه يخاطب النفس البشرية بكل جوانبها وأشواقها وحاجاتها، ويردها إلى جهة واحدة تتعامل معها، وإلى مصدر واحد تتلقى منه تصوراتها ومفاهيمها)(39) ومؤكداً في الوقت نفسه، أن هذا التصور حافظ على حركة التوازن لدى المسلم في تلقيه هذه الحقائق الكبرى، ومن هنا لاحظ سيد قطب (أن التوازن يمثل إحدى خصائص هذا التصور، فهو ينشئ توازناً بين الجانب الذي تتلقاه الكينونة الإنسانية لتدركه، وتسلم به، وينتهي عملها فيها عند هذا التسليم، وبين الجانب الذي تتلقاه لتدركه وتبحث حججه وبراهينه، وتحاول معرفة عالمه وغاياته، وتفكر في مقتضياتها العملية، وتطبقها في حياتها الواقعية)(40)، وقد أشار سيد قطب إلى أن هذا التوازن يبدو في أكثر من شكل، وكلها تلبي حاجات في النفس الإنسانية.
من أشكال التوازن التي عرضها القرآن للتصور الإسلامي يشير سيد قطب إلى (التوازن بين طلاقة المشيئة الإلهية، وثبات السنن الكونية التي تشكل قضية القضاء والقدر، أو الجبر والاختيار)(41)، مؤكداً أهمية هذا التوازن على النفس البشرية لما تضفيه عليها من استقرار (حيث يقف الضمير البشري بين هذه وتلك على أرض ثابتة مستقرة، وهو يعلم طبيعة الأرض وطبيعة الطريق)(42) إضافة إلى هذا الشكل من التوازن الذي يجده سيد قطب يشكل خصيصة أساسية من خصائص التصور الإسلامي، يشير إلى نوع آخر، وشكل مختلف عن سابقه وهو (التوازن بين عالم المجهول وعالم المعلوم)(43) مبيناً هذا التوازن هو الذي ينسجم مع طبيعة النفس البشرية حيث (أن الله أودع فطرة الإنسان الارتياح للمجهول والمعلوم بقسط)(44) وكان لوقفة سيد قطب هذه من قضيتي المعلوم والمجهول، والقضاء والقدر، أهميتها في توضيح طبيعة الإسلام باعتباره تصوراً معيناً للحياة، له خصوصيته وسماته التي تفرده عن سائر التصورات الأخرى، حيث مال إلى (أن طبيعة الإسلام تجاه قضية القضاء والقدر، والمعلوم والمجهول، هي طبيعة الإيجابية الفاعلية)(45). التي يراها تمثل خصيصة ملازمة لهذا التصور في علاقة الإنسان بجميع الحقائق التي أشار إليها سواء كانت متصلة بـ (الله أو الكون أو الحياة أو الإنسان). أما من حيث (الإله) في التصور الإسلامي (فإن المسلم يتعامل مع إله موجود، خالق، مقدر، فعال لما يريد، فإليه يرجع الأمر كله)(46). أما عن حقيقة هذا الإله وبيعته، فيشير سيد قطب (أن الله في الحقيقة التي يصورها الإسلام، لا يطارد البشر ولا يعنتهم، ولا يحب أن يعذبهم، إنما يريد لهم أن يتيقظوا لغاية وجودهم، وأن يرتفعوا إلى مستوى حقيقتهم وأن يحققوا تكريم الله لهم، فإذا تم هذا فهناك الرحمة والسماحة والعفو)(47). ويؤكد سيد قطب على أهمية هذه الصفة الإيجابية، بما تشكله من قيمة شعورية كبيرة ذات أثر في حياة المسلم الواقعية، وفي الوقت نفسه يتوقف على هذا التصور الإيجابي الكثير من أمر العقيدة، ومن تلك الآثار (أن يستقر في الضمير الإنساني الشعور بالطمأنينة لرحمة الله، ويتعادل في الشعور الخوف والرجاء، والفزع والأمن)(48).
هذا من حيث العلاقة بين الإنسان والإله، أما عن العلاقة الإيجابية التي يطبعها التصور الإسلامي في شعور المسلم، من خلال علاقته بالكون والحياة والإنسان، فيرد سيد قطب (أن هذا الشعور الصادر عن الإرادة المطلقة وحدة متكاملة، كل جزء فيها ملحوظ تناسقه مع سائر الأجزاء، فالكون والطبيعة والسماء والأرض خلقت لتكون صديقاً للإنسان ومساعداً له)(49). هذا الشعور يتحقق في النفس الإنسانية من خلال (شعور الإنسان بالسلام بين الكون وظواهره، وبين الحياة والأحياء، من خلال كشف سنن هذا الكون نتيجة الصداقة لا المعركة، باعتبار أن أولى مراحل السلام الروحي، هو السلام مع الكون الذي نعيش فيه(50).
هذه القضايا قد يفهم منها على أنها مجرد قضايا فكرية، أو تصور فلسفي مثالي، ومن أجل أن يبعد سيد قطب عن هذه الخصائص مثل هذه النظرة، ذهب إلى أن هذا التصور (واقعي)، وبذلك عد الواقعية أبرز خصائص التصور الإسلامي لـ (الله والكون والحياة والإنسان)، وحاول تجلية مدلول الواقعية الإسلامية من خلال القرآن الكريم، على أساس أن القرآن الكريم حوى قواعد للتصور من شأنها أن تبين جوانب أساسية ومهمة في الشخصية الإنسانية، وقد كان فضل سيد قطب في هذا الجانب عظيماً، حيث (إن تعريف الواقع الإنساني ظل قاصراً دون الحقيقة حتى فترة متأخرة من هذا العصر، وكان لدراسات الأخوين سيد ومحمد قطب أثرها الكبير في إيضاح الأبعاد الحقيقية لهذا الواقع)(51). بما يمثلانه من وجهة نظر الفكرة الإسلامية، حيث (أن الواقعية من أكثر المصطلحات استخداماً وتشعباً في العصر الحديث، وقد تناولته أغلب المذاهب الفكرية والأدبية)(52).
بدءاً يرى سيد قطب (أن الواقع الذي يعده الإسلام حقيقة ليس واقع فرد، ولا واقع شعب، ولا واقع جيل، فهذا هو الواقع الصغير المحدود، الذي تقف عنده مدارك الأفراد الفانين، أما الإسلام فإنه يمد بصره إلى جميع الآفاق، ويهدف إلى تحقيق غاية تشمل الإنسانية، فما يبدو تعارضاً مع الواقع المحدود، قلد لا يبدو كذلك حين تتجاوزه إلى الواقع الشامل، واقع الإنسانية)(53). ومن هنا نرى أن سيد قطب ينظر إلى الواقع الأرضي المعاش والملموس على أنه جزء من الواقع الإنساني الشامل، غير منفصل عنه، من غير أن يتجاهل قدر (الله) وتدبيره، في التناسق بين طبيعة الواقع الأرضي، والكائنات والمخلوقات التي تشغل هذا الواقع وتساهم بقدر في تلوينه معتمداً في ذلك على حقيقة تكريم (الله) للإنسان على أساس (أن الحياة الإنسانية في هذا الكون مقصودة، وليست فلتة عابرة، فالأرض والسماء والكائنات الحية مسخرة للإنسان، وهناك في الوقت نفسه تناسق بين طبيعة الكون وطبيعة الحياة، فتنتفي من الواقعية الإسلامية فكرة المصادفة العمياء، التي لا تقوم على نظام)(54) ومؤكداً في الوقت نفسه على الأثر الإيجابي الذي يتركه هذا التصور على النفس البشرية. حيث إن وضوح حقيقة التصور البشري لواقعية الكون من حولهم، ولوضعهم وعلاقتهم بكل ما فيه من أشياء وأحياء، ذو أهمية بالغة في تكييف مشاعر البشر وتصورهم لكل شؤون الحياة، وإن أبرز جانب في التصور الواقعي الإسلامي للحقائق الكبرى (الله الكون والحياة والإنسان) يجده سيد قطب في الواقعية العملية التي تبرز بشكل واضح من خلال (أن الإسلام بحسب نظرته الكلية إلى الحياة، ودوافعها، دواعيها، وماديتها وروحانياتها لا يكل الفرد إلى عقيدته الروحية في الضمير، بل يعنيه عليها بتحقيق أسبابها في عالم الواقع، فعالم الواقع في الإسلام هو الترجمة العملية لعالم الضمير)(55).
أما عن الطريقة أو الكيفية التي حدد بها سيد قطب مدلول الواقعية في التصور الإسلامي. من خلال ما عرضه القرآن الكريم، وبه أفرد هذا التصور عن سائر التصورات الأخرى. ذهب سيد قطب إلى أن هذا التصور الواقعي الإسلامي الذي رسمه القرآن الكريم للإنسان يتبلور في جانبين، فهو (يتعامل مع الحقائق الموضوعية، ذات الوجود الحقيقي المستيقن، ممثلة بـ (الله والكون والحياة والإنسان)، والأثر الواقعي الإيجابي الناجم عن كل من هذه الحقائق، فيتعامل مع الحقيقة الإلهية ممثلة بآثاره في الكون، يدل خلقه على وجوده، ويتعامل كذلك مع حقيقة الكون الواقعي في أشكاله وأوضاعه من حركات وآثار وقوى وطاقات، والخلائق التي أبدعها الله وقال لها كوني فكانت، لا مع الكون الذي هو (فكرة) أو (مثال) أو (الطبيعة الخالقة). أما فيما يخص حقيقة الإنسان، فإن التصور الإسلامي يتعامل مع الإنسان ذي التركيب الخاص والكينونة الخاصة، له شخصياته وفاعليته، وله تأثيراته وتأثيراته، فهو لا يتعامل مع الإنساني على أنها معنى مجرد، ولا يتخذها الهاً يتوجه إليه بالعبادة)(56).
أما الجانب الآخر الذي يحقق الواقعية الإسلامية في التصور الإسلامي فيجده سيد قطب كامناً في (طبيعة المنهج الذي يقدمه الإسلام للحياة البشرية، وواقعية هذا المنهج مع طبيعة الإنسان، وطبيعة الظروف التي تحيط بحياته في الكون، ومدى طاقات الإنسان الواقعية والحقيقية)(57). ومن جماع هذه الجوانب الأساسية، أكد سيد قطب على حقيقة مهمة هي (أن الإسلام دين للواقع، دين للحياة، دين للحركة، دين تطابق تكاليفه للإنسان فطرة هذا الإنسان، بحيث تعمل جميع الطاقات الإنسانية عملها الذي خلقت من أجله، وفي الوقت ذاته يبلغ الإنسان أقصى كماله الإنساني عن طريق العمل والحركة، ومن ثم تتحقق صفة الواقعية للمنهج الإسلامي الموضوع للحياة البشرية، عندها يتطابق التصور الاعتقادي والمنهج العملي في الدين الإسلامي تطابقاً لا تفاوت فيه)(58). وأخيراً يؤكد سيد قطب أن غاية الدين الإسلامي هي خدمة الإنسان، وتكوين مهمة الإسلام عند ذاك (تطوير الحياة وترقيتها، لا للرضى بواقعها في زمان أو مكان، ولا لمجرد تسجيل ما فيها من كوابح سواء في فترة خاصة، أم في المدى الطويل)(59)
بقيت مسألة مهمة توقف عندها سيد قطب تخص هذا التصور من حيث (الثبات والتطور) هو (أن هذا التصور الرباني غير متطور في ذاته إنما تتطور البشرية في إطاره، وتتقدم في إدراكه والاستجابة له)(60). هذا يعني أن هذا التصور هو الذي عاش في ضمائر وشعور وأذهان المسلمين حين كان يتنزل عليهم القرآن الكريم، وهو تصور ثابت في كل زمان)، ولا يتنكر لمبدأ (الحركة) مؤكداً (أن الحركة في القرآن قانون من قوانين الكون والحياة البشرية، لكنها ليست الحركة المطلقة من كل قيد، فلابد من محور ثابت ومن فلك تدور فيه)(61). أما فيما يخص جانب الحقيقة الإلهية، فقد ذهب سيد قطب إلى (أن للإسلام نظرته المستقلة لخاصية التطور والثبات، وهي الحركة داخل إطار ثابت وحول محور ثابت، وكل ما يتعلق بالحقيقة الإلهية ثابت الحقيقة، والمفهوم وغير قابل للتغير أو التطور)(62). وعلى أساس هذا التصور الإسلامي المستمد من القرآن الكريم يقف سيد قطب موقفاً رافضاً من (نظرية التطور). وقد تكون نظرية التطور والثبات من أكثر النظريات أهمية في العصر الحديث، فقد مال سيد قطب إلى (إن فكرة التطور المطلق لكل الأوضاع والقيم فكرة تناقض الأصل الواضح في بناء الكون، وفي بناء الفطرة الإنسانية، حيث إن في النفس البشرية والحياة الإنسانية أصولاً ثابتة، إنما ينال التغير أشكال الحياة، لا أصول الفطرة الإنسانية، ولا سنن الحياة البشرية)(63).
(3)
القرآن والشعر
تناول النقاد قديماً وحديثاً قضية الشعر والقرآن الكريم، حتى شكلت هذه القضية من الدراسات النقدية والبلاغة القرآنية نسبة كبيرة، وجاءت وقفات النقاد هذه على جانبين، حاولوا في الجانب الأول رصد العلاقة بين القرآن الكريم والشعر من الناحية الفنية، معتمدين في ذلك على الآيات القرآنية والشعر العربي، وتناولوا قضية نفي الشعر من القرآن، ورد التهمة التي وجهت إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم) والقرآن الكريم كما أشارت إلى ذلك الآيات القرآنية، وكان من أثر هذا الاتجاه أن ظهرت كتب إعجاز القرآن التي قامت على جوانب من هذه القضية(64)، أما الجانب الآخر، فقد درس فيه النقاد العلاقة بين القرآن الكريم والشعر، أو ما تسمى العلاقة بين الأدب والدين، وقد تنوعت مواقف النقاد من هذه القضية فكانت في ثلاثة مواقف: (مواقف ترفض تجاوزات الشعراء ومبالغتهم، وتفحشهم في الغزل، وقد تسقط الشاعر وشعره إذا وجدت في شعره شيئاً من ذلك، ومواقف تترخص في مبالغات الشاعر وتجاوزاته وغزله الفاحش، وتفصل في تقويم شعره بين معتقده وفنه، وتدين اعتداءه على العقيدة وقيمها، ومواقف تصنف الشعر من باب الشر، وترى أنه لا يصلح للخير ولا يجود فيه)(65). وكان من أثر هذه المواقف التي اختص بها الجانب الثاني أن (أخذت مقولة ضعف الشعر تتردد هنا وهناك في أقوال القدماء والمحدثين حتى غدت مبلغ العقيدة الراسخة التي لا تقدر على نقضها أية حقيقة أخرى مهما كانت شواهدها وأدلتها)(66).
كان لسيد قطب من هذه القضية وقفات أشار إليها في أكثر من أثر صدر له، حيث تناولها بمنظار الناقد الأدبي حيناً، وبمنظار المفسر حيناً آخر، وتناولها أخيراً داعية لمنهج الأدب الإسلامي عند تناوله طبيعة القرآن الكريم والعقيدة الإسلامية، وهو في الغالب يميل مع الاتجاه الأول، فلم تأخذ قضية أثر القرآن على الشعر العربي من اهتمامه بالقدر الذي أخذت منه علاقة القرآن بالشعر، ومنهج الشعر الإسلامي، وخصائصه الفنية والموضوعية، (ومع أن الحس الإسلامي كان مرافقاً للتراث النقدي، إلا أن النقاد القدامى لم يتعرضوا إلى بحث العلاقة الإيجابية بين الشعر والدين على نحو فكري، من خلال التحدث عن الشعر الذي يصدر عن التصور الإسلامي أو يحمل قضية إسلامية)(67). وهذا ما أكد عليه سيد قطب. تكمن أهمية وقفات سيد قطب من هذه القضية، أنه درسها ضمن سياق النص القرآني جملة، ولم يكتف بمعالجتها باجتزاء الآية التي ورد فيها ذكر الشعر، وذلك بطبيعته عائد إلى (منهج سيد قطب في كتبه التصوير الفني في القرآن، ومشاهد القيامة في القرآن، وفي ظلال القرآن، وهو تحليل النصوص لاشتقاق القواعد والأسس العامة)(68)، ومن هنا تنوعت وقفاته من هذه القضية تبعاً لتناسق الآيات المعنية بالشعر مع الإطار الفكري والشعوري والفني الذي يطبع السورة بشكل عام، من خلال تركيزه على الوحدة الموضوعية في السورة القرآنية جملة. بدءاً يتوقف سيد قطب عند مسألة الشبهة التي أشار إليها القرآن الكريم نفسه في قوله تعالى: (بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر)(69) وفي قوله كذلك: (فذكّر فما أنت بنعمت ربك بكاهن ولا مجنون)(70). فيقف ابتداء عند هذه القضية من الناحية التاريخية، مبيناً (أن كبراء قريش لما كانوا لا يريدون أن يعترفوا أن هذه الرسالة هي من عند الله، احتاجوا أن يعللوا مصدره المتفوق على البشر، فقالوا أنه من إيحاء الجن أو بمساعدتهم)(71). مشيراً في الوقت نفسه إلى (أن شعراء قريش لم يكونوا من الغفلة بحيث لا يفرقون بين القرآن والشعر، إنما كان هذا طرقاً من حرب الدعاية التي شنوها على الدين الجديد في أوساط الجماهير، معتمدين في ذلك على جمال النسق القرآني المؤثر الذي قد يجعل من الجماهير تخلط بين القرآن وبين الشعر إذا وجهت هذا التوجيه)(72). فسيد قطب يرى ابتداء أن العلاقة بين القرآن الكريم والشعر موجودة، ولو لم تكن تلك العلاقة قريبة من تصور مشركي قريش لما لجأوا إلى الشعر أساساً في تعليل إدعائهم، فالذي حملهم على هذا الإدعاء (أن هذا القول كان يدخل إلى قلوب الناس، ويهز مشاعرهم، ويغلبهم على إرادتهم من حيث لا يملكون له رداً)(73). تلك العلاقة يردها سيد قطب إلى النسق القرآني من جانب، والقيم الفكرية والشعورية التي احتواها القرآن الكريم من جانب آخر، فمن حيث النسق القرآني ذهب سيد قطب إلى (أن القرآن الكريم راع خيالهم بما فيه من تصوير بارع، وسحر وجدانهم بما فيه من منطق ساحر، وأخذ أسماعهم بما فيه من إيقاع جميل، وتلك خصائص الشعر الأساسية)(74) أي أن عناصر الشعر الأساسية تكمن في الخيال والإيقاع والمعنى.
لفتت ظاهرة العلاقة بين القرآن والشعر من حيث النسق، انتباه سيد قطب فذهب إلى (أن النسق القرآني جمع بين مزايا النثر ومزايا الشعر جميعاً، فقد أعفى القرآن الكريم التعبير من قيود القافية الموحدة والتفعيلات التامة، وأخذ في الوقت نفسه من خصائص الشعر، الموسيقى الداخلية، والفواصل المتقاربة في الوزن التي تغني عن التفاعيل، والتقفية التي تغني عن القوافي، إضافة إلى التصوير والمنطق الوجداني)(75). ومن هنا نجد سيد قطب يعطي حكمه في النسق الذي ورد به القرآن الكريم بعد أن نفى أن يكون شعراً فهو (نثر ممتاز مبدع من النثر الفني الجميل)(76)، هذا يعني أن مسألة العلاقة بين القرآن الكريم والشعر لم تكن مسألة خيال ومعنى فحسب، بل اشتمال القرآن الكريم على قيم فنية تحسب في مجال الشعر، وحقيقة أن وقفات سيد قطب في هذا المجال وقفات أصيلة وجادة، لاسيما في مجال الفاصلة في القرآن(77).
وسنعمد إلى سورة (النجم) حيث توقف عندها سيد قطب محللاً أصولها الفنية من خلال الموازنة بينها وبين الشعر(78)، وهي من السور المكية التي انشغل بها المسلمون بمجادلة الكفار حول حقيقة النبوة وحقيقة القرآن (والنجم إذا هوى، ما ضلّ صاحبكم وما غوى، وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيّ يوحى علَّمه شديدُ القِوى ذو مِرّةٍ فاستوى وهو بالأُفُقِ الأعلى ثم دَنا فتدلَّى فكانَ قابَ قوسينِ أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى ما كَذَبَ الفؤادُ ما رأى افتمارونهُ على ما يَرَى لقدْ رآهُ نزلةً أخرى عِندَ سِدرةِ المُنتهى عندها جَنّةُ المأوى إذْ يغشى السِدرةَ ما يغشى ما زاغَ البصرُ وما طغى لقد رأى من آيات ربِّه الكبرى أفرأيتمُ اللات والعزَّى ومناة الثالثة الأُخرى ألكمُ الذَكرُ ولهُ الأُنثى تلكَ إذاً قِسمةٌ ضَيزى)(79).
يرى سيد قطب في هذا المقطع (أن الفواصل متساوية في الوزن تقريباً، متحدة في حروف التقفية تماماً، وذلك إيقاع موسيقي متحد تبعاً لتساوي الفواصل في الوزن واتحاد حروف التقفية من جانب، وتبعاً لتآلف الحروف في الكلمات، وتناسق الكلمات في الجمل من جانب آخر)(80) مع تنبهه إلى أن هذه الفواصل وردت على نظام يختلف عن نظام الشعر العربي القائم على الشطرين، أما من ناحية الإيقاع الموسيقي الذي طبع هذا المقطع فيرى سيد قطب (أن الإيقاع الموسيقي هنا متوسط الزمن لتوسط الجملة الموسيقية في الطول، متحد لتوحد الأسلوب الموسيقي، مسترسل الروي إتساقاً مع جو الحديث الذي يشبه التسلسل القصصي)(81).
هذا النظام الذي ورد به التعبير القرآني في غاية الدقة والحساسية، وأن أية إمالة أو تقديم أو حذف تؤدي إلى خلخلة النسق العام، فيتوقف سيد قطب عند لفظتي (الثالثة) (الأخرى) من قوله تعالى: (أفرأيتمُ اللاتَ والعُزَّى ومَناةَ الثالثةَ الأُخرى)(82) مبيناً أهميتها في السياق من حيث (لو أننا قلنا، أفرأيتم اللاة والعزى ومناة الثالثة، لاختلفت القافية وتأثر الإيقاع العام، ولو قلنا: أفرأيتم اللاة والعزى ومناة الأخرى، لاختل الوزن)(83)، إلا أن سيد قطب ينفي في الوقت نفسه من أن تكون كلمة (الثالثة) أو (الأخرى) زائدة لمجرد الوزن والقافية، بل إنه عدَّها ضرورة في السياق ليس في هذا الموضع فحسب، وهي (أن تأتي اللفظة لتؤدي معنى في السياق، وتؤدي في الوقت نفسه تناسباً في الإيقاع، دون أن يطغى أحدهما على الآخر، أو يخضع لنظام الضرورات)(84)، ومع أن سيد قطب يرى أن الشعر قد يكون موسيقي الإيقاع، رائع الأخيلة، جميل الصور والظلال، ولكنه لا يختلط أبداً بالقرآن ولا يشتبه به مبيناً (أن هناك فارقاً أساسياً فاصلاً بين القرآن والشعر، إن هذا القرآن يقرر منهجاً متكاملاً للحياة يقوم على حق ثابت، ونظرة موحدة، ويصدر عن تصور للوجود الإلهي ثابت، وللكون والحياة كذلك، والشعر في انفعالات، ويصدر عن تصور للوجود الإلهي ثابت، وللكون والحياة كذلك، والشعر في انفعالات متوالية، وعواطف جياشة، قلما تثبت على نظرة واحدة للحياة في حالات الرضا والغضب، والانطلاق والانكماش، والحب والكره، والتأثرات المتغيرة على كل حال)(85).
هذا من حيث تهمة الشعر التي وجهت إلى الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم). أما فيما يختص الكهنة والسحر والجنون التي تشكل الإدعاء الآخر الموجه إلى الرسول، والعلاقة بينهما، فقد رده سيد قطب إلى (ما كان شائعاً من أن الكهان يتلقون عن الشياطين، وأن الشيطان يتخبط بعض الناس، فيصابون بالجنون، فالشيطان هو العامل المشترك بين الوصفين)(86). وهنا يرى سيد قطب أن سورة (الحاقة) بكاملها تكفلت نفي الشعر والكهانة عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) والقرآن الكريم، ولم يكتف بأن توقف عند الآيات التي ورد فيها نفي الشعر فحسب، بل ذهب أبعد من ذلك محللاً هذه السورة من جميع جوانبها.
فمن الناحية الموضوعية لاحظ (أن هذه السورة سيقت على وضع خاص بها لتقرير حقيقة القرآن، فهي من السور التي تمثل مشهداً كاملاً من مشاهد القيامة واليوم الآخر، فهي بذلك تعالج موضوعاً غريباً عن العرب وتنبههم إلى عالم آخر جديد غير العالم الذي كانت تقف عنده مداركهم البشرية، وتمنحهم تصوراً أشمل للوجود، أما من الناحية الفنية، فإن ابتداء السورة بهذه اللفظة له أثره، من الناحتين المعنوية والتصويرية، فمن الناحية المعنوية فإن لفظ (الحاقة) يتناسب مع ما سيعقبه من ذكر التكذيب بها من قوم (عاد) و(ثمود) فهي الحاقة التي تحق إحقاقاً للعمل الإلهي، وتقريراً للجزاء على الخير الشر، أما من الناحية التصويرية فإن للفظ الحاقة جرساً خاصاً أشبه شيء برفع الثقل ثم استقراره استقراراً مكيناً، رفعه في مدة الحاء والألف، واستقراره في تشديد القاف بعدها والانتهاء بالتاء المربوطة التي يوقف عليها بالهاء الساكتة)(87). وبعد أن انتهى سيد قطب مما أوحته لفظة (الحاقة) نظر في محيط أوسع من محيط الألفاظ المفردة من خلال النظر في سياق السورة بشكل عام، حيث لمح صوراً متعددة لمعنى واحد (فالجو كله في هذه الآيات جو تهويل وترويع، وتعظيم وتضخيم، يوقع في الحس الشعوري بالقدرة الإلهية من جهة، وبضآلة الكائن الإنساني بالقياس إلى هذه القدرة من جهة أخرى فضلاً عن أن السورة بجملتها تلقي في الحس البشري بكل قوة، أن أمر العقيدة والدين جد خالص حازم، لا هزل فيه، ولا مجال فيه للهزل، جدّ في الدنيا وجدّ في الآخرة)(88).
هذا من حيث الغرض الديني، أما الغرض الفني، فقد توقف سيد قطب عند مشهدي (عاد) و(ثمود) ومشهد الطوفان موضحاً التناسق بين هذه المشاهد الثلاث، حيث لاحظ (أن هناك نوعاً من التناسق الفني العجيب بين الحاقة والقارعة، والطاغية والعاتية والرابية، والدكّة الواحدة والواقعة، تناسق اللفظ والجرس، وتناسق المناظر التي تخيّل للحس أنها جميعاً ثائرة فائرة طاغية)(89)، ثم يأتي بعد هذه المشاهد الصاخبة العنيفة التي شملت الحياة الكونية، مشهد العرض يوم القيامة، من قوله تعالى: (وانشقتِ السَّماءُ فهي يومئذٍ واهية)(90) إلى قوله تعالى (لا يأكلُهُ إلا الخاطئون)(91)، ويرى سيد قطب أن مشهد العرض ورد هنا مجسّماً مخيّلاً في أشد المواضع التي يحرص فيها القرآن على التجريد والتنزيه، إلا أن طريقة التعبير بالتصوير اختارت التجسيم في هذا لموضع لإثارة الحس وإشراك الخيال، والتأثير الوجداني الحار، ومع هول هذا المشهد الذي يفوق تصوّر البشر، وإدراكهم المحدود، إلا أن سيد قطب يجده مختلفاً في صورته عن المشاهد السابقة له من حيث هو هول رابض ساكن. من بين هذه المشاهد التي أخذ سيد قطب بتحليلها وهي مشهد الأخذ في الدنيا والآخرة، ومشاهد التدمير الكونية الشاملة، ومشاهد النفوس المكشوفة العارية، ومشاهد الفرحة الطائرة والحسرة الغامرة، بعد هذه المشاهد كلها يجيء التقرير الجازم (فلا أُقسم بما تُبصرونَ ومالا تُبصرون إنه لقولُ رسولٍ كريمٍ وما هو بقولِ شاعرٍ قليلاً ما تُؤمنونَ ولا بقولِ كاهنٍ قليلاً ما تَذَكّرون)(92).
وينبه سيد قطب إلى ما سوف تتركه هذه المشاهد على نفسية العرب والمسلمين والمشركين على حد سواء أثناء نزول هذا النص عليهم أول الأمر، فهو عالم غريب جديد لم يألفوه من قبل، يلمح ذلك من قوله تعالى (أفلا أُقسمُ بما تُبصرونَ ومالا تُبصرون)(93) مبيناً (أن مثل هذه الإشارة تفتح القلب، وتنبه الوعي إلى أن هناك وراء مدّ البصر، ووراء حدود الإدراك جوانب وعوالم وأسراراً أخرى من شأنها أن توسع آفاق التصور الإنساني للكون والحقيقة)(94)
أما سورة الشعراء فيجدها سيد قطب أنها اشتملت مجموعة من القضايا التي تخص الشعر، فتضمنت أولاً نفي إدعاء المشركين بأن القرآن من وحي الشيطان على طريقة القرآن، وكشفت في الوقت نفسه عن طبيعة كل من الشيطان وعمله، وطبيعة الشعر ومنهجه، وأشارت كذلك إلى منهج القرآن الكريم، ومنهج محمد (صلى الله عليه وسلم) في الدعوة فضلاً عن بيانها موقف الإسلام من الشعر.
من حيث المنهج يرى سيد قطب أن طبيعة القرآن ومنهج الرسول في الدعوة يختلفان عن منهج الشعر والشعراء من حيث (إن هذا القرآن يستقيم على منهج واضح، ويدعو إلى غاية محددة، ويسير في طريق مستقيم إلى هذه الغاية، وإن الرسول يصبر على دعوة يريد تحقيقها في عالم الواقع، ويثبت على عقيدة، ويدأب على منهج لا عوج فيه، مفتوح العين مفتوح القلب يقظ العقل، خلافاً للشعر والشعراء، فالشعر في أعلى صوره أشواق إنسانية تسمو إلى الجمال والكمال، مشوبة بقصور الإنسان وتصوره المحدود، والشعراء أسرى الانفعالات والعواطف المتقلبة، تتحكم فيهم مشاعرهم، وتقودهم إلى التعبير عنها كيفما كانت، تحت وقع أي مؤثر من المؤثرات)(95). ويقف سيد قطب عند قوله تعالى: )والشعراءِ يتبعُهُمُ الغاوونَ ألم ترَ أنهم في كلِّ وادٍ يَهيمونَ وأنَّهم يَقولونَ مالا يفعلون((96) مبيناً أن الأمر هنا لا يتعلق بمسألة الصدق والكذب لدى الشعراء، وأن القرآن الكريم لا يريد أن يصف الشعراء في هذا الموضع بالكذب، بل الأمر أبعد وأعمق من ذلك، فهي تتعلق بمسألة الواقع ودنيا الناس من جانب، وطبيعة الشعر في التعامل مع الواقع من جانب آخر (فالشعراء أصحاب أمزجة لا يثبتون على حال، فهم يخلقون عوالم من الوهم يعيشون فيها، ويتخيلون أفعالاً ونتائج، ثم يخالونها حقيقة واقعة يتأثرون بها، فيقل اهتمامهم بواقع الأشياء، ومن ثمة يقولون أشياء كثيرة لا يفعلونها، لأنهم عاشوها في تلك العوالم الموهومة ليس لها واقع ولا حقيقة في دنيا الناس)(97). هذا يعني أن هذا النوع من الشعر الذي لا يتجاوز حدود الشاعر الذاتية يكون فيه الشاعر صادقاً مع ذاته ونفسه فيما يحس ويشعر، إلا أن هذا الصدق لا يحقق الأثر الإيجابي الملموس في حياة الناس إنما يؤثر الشاعر أن يعيش مع أحلامه وروءاه التي لا تنشئ سوى التصورات والأخيلة. من هذا الجانب يستدل سيد قطب على أن طبيعة الشعر تكون قاصرة عن أن تلم بالواقع جملة لاسيما إذا خلا الشعر من أساس فكري قائم وفق منهج واضح، وغاية معلومة مدركة، وهنا مقدار التباين عظيماً بين طبيعة الإسلام وطبيعة الشعر من حيث (إن الإسلام يمثل منهج حياة كامل معد للتنفيذ في واقع الحياة، وهو حركة ضخمة في الضمائر المكنونة، وفي أوضاع الحياة الظاهرة، وطبيعة الإسلام قائمة على مواجهة حقائق الواقع، فإذا كانت هذه الحقائق لا تتفق مع منهج الإسلام دفع الناس إلى تغيرها وتحقيق المنهج الذي يريد)(98). والشعراء الإسلاميون يتمثل فيهم هذا النموذج من الناس فهم الذين عناهم تعالى بقوله (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحاتِ وذكروا الله كثيراً وانتصروا من بعدِ ما ظُلموا)(99). وهنا يرى سيد قطب أن الشعراء الإسلاميين (هم الذين آمنوا فامتلأت نفوسهم بعقيدة، واستقامت حياتهم على منهج وعملوا الصالحات فاتجهت طاقاتهم إلى العمل الخير الجميل)(100). من خلال ما تقدم يصل سيد قطب إلى مسألة مهمة ممثلة بموقف الإسلام من الشعر والفن مؤكداً (أن الإٌسلام لا يحارب الشعر والفن لذاته، إنما يحارب المنهج الذي يسير عليه الشعر والفن، منهج الأهواء والانفعالات التي لا ضابط لها، ولا يكره الإسلام الشعر حين تستقر الروح على منهج الإسلام، فتنضح بتأثيراتها الإسلامية وتعمل على تحقيق هذه المشاعر النبيلة في دنيا الواقع)(101)، وهذا يعني أن للشعر والفن الإسلامي منهجاً خاصاً به، واضح السمات مميز المعالم، من حيث المصدر، والشكل الذي يؤدي به ذلك الفن، والغاية الموجودة من وراء التعبير، فضلاً عن الوسيلة التي يمكن من خلالها إيصال الفكرة والإحساس معاً إلى الجماهير.
من حيث الطريقة التي يؤدي بها الفن الإسلامي مال سيد قطب إلى (أن الخطب الوعظية ليست هي سبيل الأدب أو الفن، فهذه وسيلة بدائية وليست عملاً فنياً بطبيعة الحال، فالأديب عندما يراعي القيم الإسلامية ويدعو إلى ترسيخها في الحياة إنما يفعل ذلك بأسلوب الأديب الفنان، وهو الأسلوب الإيحائي غير المباشر)(102)، وهذا له علاقة بدرجة الانفعال مع التجربة الشعورية بشكل عام، سواء أكان الأديب إسلامياً أم غير ذلك، والذي سيترك أثره على طريقة الأداء في الفن، وهذه من القضايا الأصيلة التي بحثها سيد قطب، وكنا قد تناولنا في المبحث الأول من الفصل الأول موقف سيد قطب من هذه القضية من خلال تقسيمه الحقيقة إلى حقيقة شعورية تستثير النفس والإحساس الداخلي للأديب، وحقيقة حسية لا يتجاوز إدراكها منطقة العقل، وكلاهما تخلف الأثر نفسه لدى المتلقي، وأوضحنا في الفصل الثاني من هذه الدراسة محاولات سيد قطب في تجلية هذه الرؤية النقدية في ميدان النقد التطبيقي لفنون الأدب وخاصة الشعر، من خلال الاعتماد على طريقة الأداء النفسي وما توحيه الألفاظ من صور وظلال نفسية، أما في مجال الأدب الإسلامي فقد توقفنا طويلاً عند جهد سيد قطب في هذه القضية ممثلة بالطريقة التي عرض بها القرآن الكريم حقائق العقيدة الإسلامية، ورصده العلاقة بين الفن والدين في القصة القرآنية، وكانت لوقفات سيد قطب هذه أثرها الكبير في التمهيد للنشوء نظرية في الأدب الإسلامي تتناول الأدب من جانبيه الفني والموضوعي.
أما فيما يخص المصدر الذي يستقي منه الأديب المسلم خلفيته الفكرية والفنية معاً، فقد ذهب سيد قطب إلى (أن القرآن الكريم عرض تصوراً شاملاً لله والكون والحياة والإنسان، فضلاً عن أنه وجه العقول والقلوب إلى بدائع هذا الكون، وإلى خفايا النفس الإنسانية، هذا التصور هو الذخيرة الموضوعية للفن الإسلامي، وضم كذلك نماذجاً من الأغراض الفنية وطرقاً للأداء الفني، وهذه جميعاً هي مادة الشعر والفن، فيكون القرآن الكريم هو الذخيرة الموحية للفن الإسلامي)(103)، أما عن الشكل الفني الذي يتحقق به الفن الإسلامي فإن سيد قطب يرى أن هذا الفن يتحقق في أشكال مختلفة مبيناً أو أولى الأشكال تمثل في شعر الشعراء الذين دافعوا عن العقيدة وصاحبها إبان المعركة مع الشرك والمشركين على عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلا أن سيد قطب أكد في الوقت نفسه (أن الفن الإسلامي ومنه الشعر لكي يحقق بهديه الفكري والفني ليس من الضروري أن يكون دفاعاً ولا دفعاً، ولا أن يكون دعوة مباشرة للإسلام ولا تمجيداً له أو لأيام الإسلام ورجاله، وحسب الفن أن ينبع من تصور الإسلام للحياة في أي جانب من جوانبها ليكون فناً أو شعراً يرضاه الإسلام)(104).
إن سيد قطب لم يقصر الفن الإسلامي على الشعر فقط، حيث إن درجة الانفعال سيكون سبباً في استحداث الفنون الأدبية وتغييرها، وهذا يعني (أن الجانب الفني في نظرية الأدب الإسلامي هو الجانب المتغير، وهو الذي يغتني بما يتوصل إليه الإبداع الفني، والمجال الذي تتمذهب فيه نظرية الأدب الإسلامي هو مجال الفكر أو الخط التصوري العام من الكون والحياة والإنسان)(105). وينبه سيد قطب إلى قضية مهمة، وهي من القضايا المستحدثة في الأدب الإسلامي، تلك هي مسألة (الأدب الموجه). ومما لاشك فيه (أن النقد العربي القديم لم يعرف المذهبية الفكرية، ولم يعن بالدعوة إلى الالتزام والتوجيه، لأن هذه القضايا كانت غائبة عن عصره تماماً، ولا يضيره هذا فالنقد في العالم كله لم يعرف المذهبيات الفكرية قبل العصر الحديث)(106)، وكان طبيعياً أن يتطرق سيد قطب إلى هذه القضية وهو في محيط التنظير للأدب الإسلامي حيث (يعد سيد قطب على رأس المفكرين الإسلاميين المهتمين بهذا الجانب في العصر الحديث)(107).
يرى سيد قطب (أن الأدب المنبثق من التصور الإسلامي أدب موجه، بحكم أن الإسلام حركة تطوير مستمرة للحياة، ومهمته تحسين الواقع والإيحاء الدائم بالحركة الخالقة المنشئة لصورة متجددة في الحياة، وحين يتم التكيف الشعوري في النفس الإنسانية بالتصوير الإسلامي، فإن هذا التكيف يبدو في كل ما يصدر عن هذه النفس، لا على وجه الإلزام والإرغام ولكن على وجه التعبير الذاتي عن هذه النفس، والفن صورة من صور التعبير عن النفس)(108)، وأخيراً يتوقف سيد قطب عند الخصائص الفكرية والشعورية المنبثقة عن هذا التصور، والتي تمثل بمجموعها الخصائص العامة للأدب الإسلامي مشيراً إلى (أن النظرية الإسلامية لا تؤمن بسلبية الإنسان ولا بضآلة الدور الذي يؤديه لتطوير الحياة، ومن ثم فالأدب الإسلامي لا يهتف بالكائن البشري في ضعفه وهبوطه ولا يملأ فراغ مشاعره بأطياف اللذائذ الحسية، إنما يملأ فراغ حياته بالأهداف التي تطور الحياة)(109) أما فيما يخص موقف الأدب الإسلامي من لحظات الضعف البشري فقد مال سيد قطب إلى (أن الأدب الإسلامي قد لا يحفل كثيراً بتصوير لحظات الضعف البشري، ولا يتوسع في عرضها، ولا يحاول أن يزين هذه اللحظات بحجة أن هذا الضعف واقع فلا ضرورة لإخفائه وإنكاره)(110). وقد رد سيد قطب هذا الاتجاه في الأدب الإسلامي إلى طبيعة الإسلام نفسه ومهمته القائمة على تغليب القوة على الضعف، وعلى الصدق في تصوير المقدرات الكامنة والظاهرة في الإنسان مبيناً أن (ليس من وظيفة الأدب في الإسلام تزوير الشخصية الإنسانية أو الواقع الحيوي، وإبراز الحياة في صورة مثالية لا وجود لها، وأن الغاية من ترجمة المشاعر الإنسانية إلى صورة تعبيرية ليس الهدف فيها مجرد التغيير فحسب، ولكن ما وراءه من حركة وتطوير)(111).
وهكذا يتبين جلياً أن وقفة سيد قطب إزاء الأدب الإسلامي وقفة أصيلة وإسهامة جادة لما تحمله في ثناياها من قضايا مستحدثة تناولت جانبي الأدب الفني –سواء في مجال القصة القرآنية أم قضايا الشعر- والموضوعي من خلال تحديده مصطلح الأدب الإسلامي وفق ما أملته عليه ظروف المرحلة التي عاشها، فضلاً عن توضيحه السمات الأساسية لخصائص التصور الإسلامي التي تمثل فكرة الإسلام عن الله والكون والحياة والإنسان، كما عرضها القرآن الكريم، ومحاولته توضيح هذا الجانب باعتباره يمثل الخلفية الفكرية والثقافية التي تلون تجربة المسلم الشعورية وتميزها عن غيرها وتطبعها بطابعها الخاص، وكثير من هذه القضايا تضاف إلى رصيد سيد قطب في عالم النقد الأدبي لاسيما محاولته التنظير للأدب الإسلامي.
المصادر:
1 – إعجاز القرآن والبلاغة النبوية، مصطفى صادق الرافعي. دار الكتاب العربي، بيروت، ط9/ 1973.
2 – التصوير الفني في القرآن، سيد قطب، دار الشروق، ط1/د.ت.
3 – خصائص التصور الإسلامي ومقوماته، سيد قطب، ط3/ 1968 د.ت.
4 – السلام العالمي والإسلام، سيد قطب، مكتبة وهبة، ط5/ 1966.
5 – الشعر في إطار العصر الثوري/ د. عز الدين إسماعيل، دار العودة، بيروت، 1976.
6 – صراع المذهب والعقيدة في القرآن الكريم، عبد الكريم غلاب، بيروت، دار الكتاب اللبناني، 1973.
7 – العدالة الاجتماعية في الإسلام، سيد قطب، دار الكتاب العربي، ط1/ 1949.
8 – الفاصلة في القرآن، د. محمد الحسناوي، المكتب الإسلامي، بيروت ط2/ 1986.
9 – في الأدب والأدب الإسلامي، د. محمد الحسناوي، المكتب الإسلامي، بيروت ط2/ 1986.
10 – في التاريخ فكرة ومنهاج، سيد قطب، الدار السعودية للنشر، د.ت.
11 – في ظلال القرآن، سيد قطب، دار إحياء الكتاب، ط6/ 1978
12 – قضايا الشعر في النقد العربي، د. إبراهيم عبد الرحمن محمد، دار العودة، بيروت، ط2/ 1981.
13 – كتب وشخصيات، سيد قطب، دار الرسالة، ط1/ 1946.
14 – معالم في الطريق، سيد قطب، مكتبة وهبة، ط1/ 1965.
15 – مقدمة لنظرية الأدب الإسلامي، د. عبد الباسط بدر، دار المنارة، جدة، ط1/ 1985.
16 – مقومات التصور الإسلامي، سيد قطب، دار الشروق، ط1/ 1986.
17 – الملامح العامة لنظرية الأدب الإسلامي، د. شلتاغ عبود، دار المعرفة، ط1/ 1992.
18 – من قضايا الأدب الإسلامي، صالح آدم بيلو، دار المنارة، جدة، ط1/ 1985.
19 – النقد الأدبي أصوله ومناهجه، سيد قطب، دار الشروق، د.ت.
20 – الواقعية الإسلامية في الأدب والنقد، د. أحمد بسام الساعي، دار المنارة، جدة، ط1/ 1985.
الهوامش
(1) خصائص التصور الإسلامي ومقوماته، القسم الأول، سيد قطب، ط3/1968 د. ت ص25
(2) صراع المذاهب والعقيدة في القرآن الكريم، عبد الكريم غلاب، بيروت، دار الكتاب اللبناني، 1973، ص6.
(3) صراع المذاهب والعقيدة في القرآن الكريم: 7
(4) في ظلال القرآن: سيد قطب، دار إحياء الكتاب، بيروت، ط6/1978، ج1/3، 4
(5) المصدر نفسه: 1/6، 8.
(6) في ظلال القرآن: 1/8
(8) ينظر، مقدمة لنظرية الأدب الإسلامي، د. عبد الباسط بدر، دار المنارة، جدة، ط1/1985، ص 81-91.
(9) معالم في الطريق: سيد قطب، مكتبة وهبة، ك1/1965، ص 54.
(10) في التاريخ فكرة ومنهاج: سيد قطب، الدار السعودية للنشر، د.ت، ص29.
(11) كتب وشخصيات: 327، خصائص التصور الإسلامي ومقوماته، 129.
(12) العدالة الاجتماعية في الإسلام، سيد قطب، دار الكتاب العربي، ط1/1949، ص249.
(13) رحلتي مع الأدب الإسلامي، نجيب الكيلاني، مؤسسة الرسالة، ط1/1988، ص217.
(14) من قضايا الأدب الإسلامي، صالح آدم بيلو، دار المنارة، جدة، ط1/1985، ص8.
(15) النقد الأدبي أصوله ومناهجه، سيد قطب، الشروق، د.ت، ص8
(16) في التاريخ فكرة ومنهاج: 11.
(18) في التاريخ فكرة ومنهاج: 28.
(19) المذاهب الأدبية من الكلاسيكية إلى العبثية، د. نبيل راغب، ط1/1978، ص12
(20) ينظر، مقدمة لنظرية الأدب الإسلامي: 15 – 33.
(21) الشعر في إطار العصر الثوري، د. عز الدين إسماعيل، دار العودة، بيروت، 1976، ص19
(22) معالم في الطريق: 194.
(23) مقدمة لنظرية الأدب الإسلامي: 89.
(24) مقومات التصور الإسلامي، سيد قطب، القسم للثاني، الشروق، ط1/1986، ص38.
(25) مقدمة لنظرية الأدب الإسلامي: 9.
(26) التصوير الفني في القرآن، سيد قطب، المقتطف، مج94، ج2/1939، ص206.
(27) معالم في الطريق: 18، 19.
(28) في ظلال القرآن: 27/ 36.
(29) العدالة الاجتماعية في الإسلام، 22.
(30) ينظر، خصائص التصور الإسلامي ومقوماته: 3.
(31) في ظلال القرآن: 27/38.
(32) خصائص التصور الإسلامي ومقوماته: 50.
(33) في ظلال القرآن: 1/74.
(34) خصائص التصور الإسلامي ومقوماته: 83.
(35) في ظلال القرآن: 3/240.
(36) المصدر نفسه: 3/240.
(37) خصائص التصور الإسلامي ومقوماته: 108.
(38) خصائص التصور الإسلامي ومقوماته: 109.
(39) المصدر نفسه: 126.
(40) المصدر نفسه: 134.
(41) ينظر، المصدر نفسه، 137، 141.
(42) المصدر نفسه: 140.
(43) المصدر نفسه: 134.
(44) المصدر نفسه: 135.
(45) خصائص التصور الإسلامي ومقوماته: 141.
(46) المصدر نفسه: 173.
(47) في ظلال القرآن: 29/ 12.
(48) المصدر نفسه: 28/ 50.
(49) مقومات التصور الإسلامي: 86.
(50) السلام العالمي والإسلام: سيد قطب، مكتبة وهبة، ط2/1966، ص346
(51) الواقعية الإسلامية في الأدب والنقد، د. أحمد بسام الساعي، دار المنارة، جدة، ط1/1985، ص10
(52) ينظر المصدر نفسه: 12.
(53) العدالة الاجتماعية في الإسلام: 33.
(54) السلام العالمي والإسلام: 18.
(55) السلام العالمي والإسلام: 62.
(56) ينظر، خصائص التصور الإسلامي ومقوماته: 190 – 197.
(57) المصدر نفسه: 206.
(58) المصدر نفسه: 210، 211.
(59) معالم في الطريق: 203.
(60) خصائص التصور الإسلامي ومقوماته: 46.
(61) المصدر نفسه: 83.
(62) المصدر نفسه: 85.
(63) المصدر نفسه: 91.
(64) ينظر، إعجاز القرآن والبلاغة النبوية، مصطفى صادق الرافعي، دار الكتاب العربي، بيروت، ط9/ 1973، ص 139 – 188.
(65) مقدمة لنظرية الأدب الإسلامي: 115.
(66) قضايا الشعر في النقد العربي، د. إبراهيم عبد الرحمن محمد، دار العودة، بيروت، ط2/ 1981، ص175.
(67) مقدمة لنظرية الأدب الإسلامي: 150.
(68) في الأدب والأدب الإسلامي، د. محمد الحسناوي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2/ 1986، ص309
(69) الأنبياء: الآية 5
(70) الطور: الآية 29.
(71) في ظلال القرآن: 27/ 42.
(72) المصدر نفسه: 19.
(73) المصدر نفسه.
(74) التصوير الفني في القرآن، سيد قطب، الشروق، د.ت، ص 84.
(75) المصدر نفسه: 84.
(76) المصدر نفسه: 85.
(77) ينظر، الفاصلة في القرآن، د. محمد الحسناوي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2/1986، ص 65، 69، 87
(78) ينظر، في ظلال القرآن: 27/ 50
(79) النجم: الآيات: 1 – 22.
(80) التصوير الفني في القرآن: 86.
(81) المصدر نفسه: 86.
(82) النجم: الآيات: 19، 20
(83) التصوير الفني في القرآن: 86.
(84) المصدر نفسه: 86.
(85) في ظلال القرآن: 29/ 90
(86) المصدر نفسه: 27/ 42.
(87) ينظر، المصدر نفسه: 29/ 76، 78.
(88) في ظلال القرآن: 29/ 71.
(89) المصدر نفسه: 29/ 78.
(90) الحاقة: الآية 16.
(91) الحاقة: الآية 37.
(92) الحاقة: الآيات: 38 – 42.
(93) الحاقة: الآيات 38، 39.
(94) في ظلال القرآن: 29/ 86.
(95) المصدر نفسه: 19/ 11.
(96) الشعراء: الآيات 224- 226.
(97) في ظلال القرآن: 19/ 120.
(98) في ظلال القرآن: 19/ 120.
(99) الشعراء: الآية 227.
(100) في ظلال القرآن: 19/ 121.
(101) المصدر نفسه: 19/ 120.
(102) في ظلال القرآن: 19/ 121.
(103) المصدر نفسه: 19/ 121.
(104) المصدر نفسه: 19/ 121.
(105) الملامح العامة لنظرية الأدب الإسلامي، د. شلتاغ عبود، دار المعرفة، ط1/ 1992، ص 172
(106) مقدمة لنظرية الأدب الإسلامي: 154.
(107) رحلتي مع الأدب الإسلامي: 16.
(108) في ظلال القرآن: 19/122.
(109) المصدر نفسه: 19/ 122.
(110) في ظلال القرآن: 19/ 122.
(111) المصدر نفسه: 19/ 122.