مصر على طريق سورية واليمن برعاية أمريكية
لم يكن الاستهتار الأمريكي بشعوب العالم حدثاً جديداً، أو معلومة غريبة، وقد تجلى ذلك الاستهتار زمن ثورات الربيع العربي، إذ كان واضحاً للجميع، عدم الاكتراث لأعداد الضحايا الذين يسقطون في الدول المنتفضة، بحجج واهية، وتبريرات ساذجة..
لكنّ الجديد ربما في السياسة الخارجية الأمريكية هي الصراحة أو فلنقل الوقاحة في إعلانها لاستهتارها بدماء الأبرياء، وذلك بإعلان الخارجية الأمريكية في 30 من حزيران الماضي أن ليس هناك ضرورة لإقامة منطقة آمنة في سوريا، وذلك رداً على الإلحاح التركي لضرورة قيام تلك المنطقة حفاظاً على وحدة سورية، ومنعاً لقيام كيان قومي فاصل بين الحدود السورية التركية، ليكون الإعلان الأمريكي دليلاً واضحاً على الرغبة الأمريكية في استمرار الأزمة السورية، وإطالة أمد الحرب الطاحنة هناك، وتكريساً لمبدأ "الفوضى الخلاقة"، تماماً كما تسعى لتكريسها في بلاد الربيع العربي الأخرى، ومصر ليست استثناءً..
ففي مطلع عام 2005 أدلت وزيرة الخارجية الأميركية "كونداليزا رايس" بحديث صحفي مع جريدة واشنطن بوست الأميركية, أذاعت حينها عن نية الولايات المتحدة بنشر الديمقراطية بالعالم العربي والبدء بتشكيل ما يُعرف بـ "الشرق الأوسط الجديد", كل ذلك عبر نشر "الفوضى الخلاقة" في الشرق الأوسط عبر الإدارة الأميركية، وقد كانت الثورات العربية بيئة خصبة لتحقيق تلك الآمال الأمريكية في المنطقة..
فبعد أن تمكّنت الإدارة الأمريكية من تحقيق مرادها الفوضوي في سورية وليبيا، وذلك بدعم غير مباشر للقوى المناهضة لتطلعات الشعوب، ما سمح لتلك القوى بالبقاء والاستمرار، لاستنزاف تلك البلاد، عمدت إلى نقل تلك الحالة إلى اليمن، وأجبرت أهلها المسالمين الآمنين في الدخول في أتون حرب هم في غنىً عنها من خلال الأدوات الأمريكية في تلك المنطقة، وبتنسيق مع إيران، الشريك الفعلي للإدارة الأمريكية في كل مصائب البلاد التي طالتها يدها الغادرة، فلم يجد اليمنيون من خيار إلا الدخول في تلك الفوضى دفاعاً عن النفس، ودفعاً لما هو أسوأ..
ويبدو أن الدور الآن لنشر تلك الفوضى هو مصر، وذلك من خلال أدوات أمريكا هناك، من رأس هرم السلطة الانقلابية حتى أصغر ضابط في الفروع الأمنية أو العسكرية فيما بات يعرف بالدولة العميقة، إذ إنّ سلمية الثوار هناك حتى هذه اللحظة أحبطت أو أخّرت المخططات الغربية في تلك البلاد، وهو ما دفعهم للتخطيط لاستفزاز المصريين، وحشرهم في خيارات ضيقة، لم يتوقعوا يوماً أن يكونوا في تلك الزاوية، فقد باتت البدائل أمام الشعب المصري قليلة، وربما معدومة، ولم يعد لهم من خيار إلا الانزلاق نحو الفوضى والعمل المسلح، وهو ما أشار له بيان جماعة الإخوان في مصر تعليقاً على حدث الإعدام الميداني لعدد كبير من قادتهم الأربعاء الأول من تموز الحالي...
إنّ إعدام قيادات الإخوان في مصر لم يكن له هدفٌ إلا جرّ البلاد إلى أتون حرب شبيهة بتلك في سورية واليمن، فقد ترك المجرمون عامدين أدلة جرمهم استفزازاً لمشاعر المصريين وتحدياً لصبرهم، فتارة أبلغوا أهالي الضحايا بأنه تم اعتقال ذويهم، ثم تبيّن مقتلهم فيما بعد، ليسلموا أهلهم الجثث وعليها آثار أخذ البصمات الدالة على أن تصفيتهم تمت بعد اعتقالهم، وقد تم السماح لوسائل الإعلام ببث هذه المشاهد وبصورة مباشرة إمعاناً في تأجيج الشارع، وإثباتاً للجميع بأن الإعدام كان مقصوداً، بهدف دفع الشارع المصري إلى مزيد من التصعيد وربما حتى رفع السلاح، ليكسب مؤيدو عسكرة الثورة مزيداً من الأنصار على حساب مؤيدي سلمية الثورة مهم بلغ الإجرام..
كل ذلك يحدث وسط صمت أمريكي غربي مريب، فرغم أنّ كل الإشارات تدل على أنّ لأحداث الأربعاء ما بعدها، إلا أنّ ردود الفعل الغربية لا توحي بأنّ هناك رغبة في وأد الأحداث في مهدها، بل هناك شعور عام، بأنّ من يخطط لهذه الأحداث أدمغة غربية مبدعة في إحداث الأزمات وخلق التوترات، وصولاً إلى الفوضى التي دعت لها "رايس"، وقد توّج ذلك الشعور تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" بعد أحداث سيناء وإعدام القيادات الإخوانية إذ قال إنّ إسرائيل شريكة لمصر ودول بالمنطقة في مكافحة ما سماه "الإرهاب"..
لن يتمكن الغرب اليوم بعد كل ما جرى في سورية ويجري اليوم في مصر، من الاختباء وراء ادعاءات حماية حقوق الإنسان، ونشر الديمقراطية الزائفة في بلادنا، فقد وقفوا بكل وضوح مع الطغاة، ودعموهم في السر والخفاء، بل وأسسوا لكيانات غريبة على شعوبنا تزعم حمل الإسلام، وتخدم المصالح الغربية محلياً ودولياً، توزع الإرهاب على الشعوب الثائرة باسم الدين، لتعطي للغرب وأدواته في المنطقة أمثال السيسي وبشار الذريعة للاستمرار في نحر الشعوب والتضييق على حرياتها، خدمة للمصالح الغربية التي من أجلها تدوس على الكرامة الإنسانية وتبيد شعوباً بأكملها..
حفظ الله مصر وأهلها وسورية وأهلها وكذا اليمن وليبيا وكل بلاد المسلمين من مخططات الصليبيين والصفويين ومن ورائهم الصهاينة الحاقدين...