محنة اللاجئين .. ومفهوم الولاء والبراء
مفهوم "الولاء والبراء" المشوّش في أذهان الكثيرين بسبب فقهاء السلطان والمقلِّدين، والبعيد كل البعد عن حقيقة هذا المبدأ في الإسلام، بدأ ينخر في إيمان البعض، ويخلق حالة شكّ خطيرة، أجّجتها أزمة اللاجئين السوريين الإنسانية، وتعاطف النسبة الكبرى من الشعوب الغربية "غير المسلمة" - ولا أقول الحكومات - وضغطها على حكوماتها لإيواء اللاجئين وحمايتهم وخدمتهم، على الرغم من اختلاف الدين والدم والثقافة.
وذلك في مقابل شعوب "عربية" و"إسلامية" انسلخ كثير منها من إنسانيته انسلاخاً نتناً، ولم تكتفِ بتشجيع حكوماتها على رفض استقبال اللاجئين، بل تجاوزته إلى الشماتة وإلقاء اللوم على الضحية، التي تجرّأت وتمرّدت على الجلاد! إما حسداً ويأساً من أن تطال همّةَ الشعب السوري الثائر، فتتمرّد على طغاتها، فكان حالها كحال الثعلب الذي:
وإما لأنها ألِفت واستساغت الذلّ والتهميش والوصاية على قرارها ولقمة عيشها، ولا تريد أن يفتح أحدٌ من حول سياج حظائرها باباً قد تنفذ منه رياحٌ عبقة، يستطيبها البعض من القطيع فيتحفّز للتقليد!
بل وتصل الدناءة ببعض أذناب هذه الحكومات المسماة "عربية وإسلامية"، إلى أن تبرّر خذلان اللاجئين السوريين ورفضَ استقبالهم، بالخوف من إدخال عنصر غريب إلى منظومة القطيع المسيّر، والرهبة من الحالة النفسية والعصبية لدى هذا العنصر الحرّ!
كل ما سبق.. أوصل البعضَ إلى حالة الشكّ والريبة بمفهوم "الولاء والبراء"، الذي حاول فقهاء السلطة ترسيخه في الأذهان، ومن خلف ذلك بالإسلام كله لدى البعض - مع الأسف -!
الأمر الذي يقرع ناقوس الخطر.. ويستوجب - عاجلاً - إعادة تفسير هذا المبدأ الإسلامي العظيم، وتجلية مفهومه الذي لا يُتصوَّر أن يفرض موالاة "مسلم" ظالم قاسٍ دنيء حقود، والبراءة من "كافر" عادل منصف رحيم!
وهي مهمة سلسة لا تحتاج من المختصين لوياً لأعناق النصوص، ولا فلسفة انهزامية دفاعية ترقيعية عن مبادئ الإسلام، إنما إلى إعادة قراءة النصّ القرآني بتجرّد، وتنحية التفسيرات البشرية الخارجة عن السياق العام لنصوص القرآن، والعالقة في الأذهان لطول التلقين والاستحواذ.
فروح الإسلام التي تأمر ببرّ "الكافر" غير المحارب والقسطِ إليه، ستوجب ما هو أكثر من البرّ - وهو درجة التعامل الكريم مع الوالدين بالمناسبة - في التعامل مع "الكافر" الحامي لحياة "المسلم" ودينه وعرضه، بلا مقابل مرجوّ!
وإلا فسيكون "إسلام" كاتب هذه السطور، غير "إسلام" من ينكر هذه المعادلة الشفافة الواضحة!
وسوم: العدد 632