حملة تشويه السوريين الهوليودية في الداخل .. والخارج، من يتصدى لها .. وكيف نتصدى !؟

مضطرون للاعتراف بأن النظام الأسدي الكريه الذي حكم سورية منذ سبعينات القرن الماضي كان ناجحا بل متفوقا في بناء شبكة ( استخبارات ) فاسدة مفسدة استخدمها في السيطرة على السوريين ، وتخويفهم ، ومحاولة إفسادهم ، شيبا وشبابا ، رجالا ونساء ، أغنياء وفقراء ، كما حاول من خلالها تشويههم ، وإظهارهم بمظهر الهمجي الذي لا يساس إلا بعصا الاستبداد الغليظة ، وبذل الجهد للاستثمار في ذلك سياسيا وثقافيا واجتماعيا . ومن المؤسف أن نقول بأن هذه المحاولات قد وجدت في عقول الآخرين وقلوبهم في هذا العالم فضاء رحبا للقبول والتصديق ، وذلك لأسباب تاريخية وعقائدية وحضارية سيطول بنا المقام لو أردنا استقصاءها ...

سنضرب مثلين قريبين للذكرى في محاولة النظام الطائفي الكريه في تشويه السوريين ، والنيل من صورتهم ومكانتهم ، حتى قبل قيام هذه الثورة الجميلة المباركة ، الأول من ادعاء ( أسماء الأسد ) أنها ( وردة في صحراء ) في مقال ، مدفوع الأجر، لمجلة ( فوغ الفرنسية ).

ليس غريبا أن ترى ( أنثى ) متفتحة للحياة ، شعرت أنها قد امتلكت في لحظة كل ما تحلم به ( أنثى ) تربت خارج إطار القيم في نفسها ( وردة ). فهذا أمر طبيعي ومسوغ ومقبول ، ولكن الغريب والمستهجن والمثير للاشمئزاز أن تتصور هذه المدعيّة منقطعة الجذور نفسها أو أن تسوّق نفسها على أنها ( وردة في صحراء ) مع استحضار كل التنافر الشعري الاقتراني بين ( الوردة والصحراء) . إن كل امرأة سورية أما كانت أو بنتا ، فلاحة في حقل كانت أو عاملة في مصنع أو طالبة في جامعة أو معلمة في معهد هي (وردة ) منافسة بجدارة . تنسى الأنثى القادمة من بلاد الانكليز أنها لم تقدم من بلاد شكسبير إلى صحراء بل جاءت إلى موطن الورد نفسه بشهادة سيد الأدب الانكليزي شكسبير الذي تغنى يوما في إحدى سونتيتاته بالوردو الدمشقية .

إن تقديم سورية الوطن والإنسان للرأي العام على أنها (صحراء ) بكل تداعيات التشبيه الحضارية ، كان منهجا استباقيا متبعا لتشويه السوريين في عقل (الآخر ) قبل الثورة وقبل المطالبة بالإصلاح أو الرحيل ...

والشاهد الاستباقي الآخر على المنهجية الأسدية في تشويه الشعب السوري هو مقابلة بشار الأسد مع صحيفة وول ستريت جورنال في أواخر شهر / 1 / 2011 . أي قبل اندلاع الثورة بخمسة وأربعين يوما . المقابلة التي يجب على كل سوري أن يقرأها مرارا ليكتشف العقلية الاستعلائية المتغطرسة التي كان ينظر من خلالها هذا ( الرئيس ) إلى الشعب الحر النبيل. ندعو كافة السوريين إلى إعادة قراءة المقابلة ، وان يتأملوا كيف يقدم رئيس جمهورية سيء النية والطوية شعبه ، للرأي العام الخارجي في صورة شعب ( متخلف عصي على التطور والإصلاح يحتاج إلى جيل كامل إضافي ) حتى يستحق ( الإصلاح السياسي ) أو الديمقراطية ...

 وعلى مدى سنوات الثورة السورية الجميلة المباركة ظلت أجهزة الرعب الطائفية القبيحة والمشوَّهة تبذل جهودا منظمة لتشويه الثورة السورية بأهدافها وإنسانها وأدواتها . ولقد وجدت هذه الجهود – مع الأسف - استجابة غير محدودة من النظام العالمي أجمع على ما بينه من خلافات وتناقضات. ومنذ مطلع الثورة كان النظام العالمي يتلقف ادعاءات وكذب الإعلام الطائفي ويرددها بل ويضخمها ويمنحها أشكالا من المصداقية الباطلة ، وظل ذلك كذلك حتى استطاعت أجهزة بشار الأسد الطائفية إنضاج أدواتها الهوليودية المشهورة بجرائمها المعلمة والمرسومة بعناية في أقبية إدارة مشروع التشويه الداخلية . من الحادث المأفون في صورة الرجل الذي انتزع قلب ضحيته ( تحت عنوان الثورة الجميلة ) إلى العناوين والشعارات الطائفية المضادة ، إلى استهداف الأقليات نظريا وعمليا في منهجية ما كان لها أن تمر على خيال سوري ، إلى عمليات الذبح والحرق بإخراج هوليودي مثلث الأبعاد لا يتقنه إلا المختصون .

في مخيمات اللجوء في دول الجوار الأردني واللبناني والتركي يرصد الأخوة المضيفون الكثير من الوقائع يرتكبها جنود مجندون كانت مهماتهم الأساسية التي تكلفهم بها أجهزة الشر الأسدية هي الوقيعة بين اللاجئين ، وإفساد حياتهم في مواقع لجوئهم ، وتحريضهم على مضيفيهم حكومات وشعوبا ، وبالمقابل ارتكاب السوآى باسم اللاجئين والمستضعفين لتشويه صورتهم وتحريض مضيفيهم عليهم .

لا ننسى ونحن نذكر أبرز الشواهد على منهجية الأسد في تشويه الشعب السوري والمجتمع السوري اتهامه في مقابلته لطلاب الدراسات العليا في كلية العلوم السياسية الملايين من أبناء المجتمع السوري بأنهم إرهابيون أو حاضنة لإرهابيين مما يدلل حسب تعبيره على خلل مجتمعي وخلل أخلاقي !!!

التحرش الجنسي حلقة أخيرة في مسلسل التشويه

ثم ما أن طرقت الهجرة أبواب المجتمعات الأوربية حتى تبعتهم شولات العقارب إلى هناك . لم يكن مصادفة عبثية أن يقال إن أحد منفذي تفجيرات باريس الآثمة قد سبق رصد اسمه في أفواج اللاجئين في اليونان. ولم يكن مصادفة أن يجد الأمن الفرنسي على ضفاف التفجير الآثم جواز سفر ( لمشارك سوري ) ، ولم يكن بعيدا عن كل ذلك تصريح بشار الأسد نفسه في 30 / 11 / 2015 لصحفية تشيكية: ( إن اللاجئين طيبون ولكن يندس بينهم إرهابيون بكل تأكيد ) . نعم لا يمتنع ولا يستبعد أن يدس بشار الأسد بينهم جنوده وعملاءه من الإرهابيين .

ثم جاءت عملية ( التحرش ) الأخيرة في ألمانيا . العملية التي تم الاستثمار فيها وتوظيفها بالطريقة الهوليودية نفسها التي ما تزال تتبع على الأرض السورية . الذي لم ينتبه إليه الكثيرون في تقارير الشرطة الألمانية أمام مئات الشكاوى وتشابهها وتواترها في أكثر من بلدية ألمانية تأكيد بعض هذه التقارير ( إن الأمر يشبه الجريمة المنظمة ) . وإذا كان الأمر يشبه الجريمة المنظمة فمن الطبيعي أن يسأل العاقل نفسه : من الذي نظمها ؟؟؟

تذكرنا عملية الاستثمار الخائبة في قضايا التحرش الجنسي ، التي مع الأسف سارع الإعلام العالمي إلى التعامل معها والنفخ فيها ، بشخصية العربي في الإعلام الهوليودي الصهيوني المقيت ( العربي وعقاله – والجنس ) منذ ستينات القرن الماضي . ثم ( العربي وكوفيته – والإرهاب ) منذ تصاعد أمر المقاومة الفلسطينية على أرض فلسطين . 

إن الحقيقة الواقعة التي يجب أن نواجهها بعقل علمي موضوعي هو أننا أمام حملة أسدية لتشويه السوريين في مهاجرهم كما كنا أمام حملة لتشويههم في وطنهم . وإذا كانت أجهزة الأسد الأمنية قد نجحت في ذلك في داخل الوطن إلى حد كبير فهل ستترك لهم الفرصة لينجحوا في ذلك في الخارج أيضا ...؟!

ومع التقدير الايجابي للحس العالي الذي حدا ببعض الرجال أصحاب المكانة إلى توجيه خطاب تذكيري للمهاجرين بخلفيتهم الحضارية والثقافية ، ودعوتهم إلى الاعتصام بأفضل ما تربوا عليه ...فإننا نؤكد أنه كان من الظلم والسذاجة أن يسارع البعض إلى السير في الركاب الأسدي بتصديق الادعاءات والحطب في حبالها ، والانسياق في لطمية جلد الذات والعدوان على النفس .

وكان من الظلم والتخلف عن أداء المسئولية أن لا يبادر أولو الأحلام والنهى من السوريين إلى وضع الرواية الأسدية المطعمة بإعلام عالمي متصهين موضع النقد والتمحيص ...

لقد جاءت تقارير الأمن الألماني ، وإن متأخرة بعض الشيء ، لتكشف ما أطلقت عليه ( الجريمة المنظمة ) ، ولتضع الواقعة في أعناق الفاعلين الحقيقيين حسب وقائع الحال ، وليس حسب منطق القيل والقال ...

( التحرش الجنسي ) وإن كان داء عالميا منتشرا في كل المجتمعات ، فإنه لم يشكل ظاهرة منتشرة في المجتمع السوري في أي مرحلة من مراحل التاريخ الاجتماعي . وإن كان أحد لا يستطيع أن ينفي وقوع الجريمة في أي من المجتمعات الإنسانية إلا إن الذي كنا وما زلنا ننتظره من كل العقلاء أن يرفضوا حسبان الجريمة الفردية ، والتي يجب أن تظل فردية ، على المهاجرين واللاجئين بشكل عام ، والسوريين منهم بشكل خاص.

سنظل نؤكد أن ( مشروع تشويه السوريين وثورتهم في الداخل والخارج ) هو مشروع تعمل عليه قوى أسدية وعالمية بطريقة مركزية متسلحة بالخبث والشر وتوظف في مشروعها كل أدوات الشر ، ونظل نواجهها بفهوم فردية ومبادرات فردية . قديما قالت العرب لايفل الحديد إلا الحديد . ولا يواجه المشروع إلا المشروع . ومن هنا فإن المطلوب من قيادات المعارضة المركزية على كل المستويات أن تفكر بطريقة استراتيجية لمواجهة مشروع الشر والدفاع عن سمعة سورية وثورتها وإنسانها ..

وهذا المطلب لا يعفي النخب السورية في كل موقع وموطن أن تبادر إلى صياغة المبادرات الواقية والمحصنة والمرشدة لاحتواء الأشقاء اللاجئين ومساندتهم ومساعدتهم على إبراز أفضل ما تربوا عليه في مجتمعهم الحضاري الأصيل .

وينشأ ناشئ الفتيان منا ...على ما كان عوده أبوه

المبادرات المحلية يمكن أن تؤدي دورا أكثر عملية ، وأكثر قربا من الواقع ، وأكثر التصاقا بالإنسان لمساعدته على تجاوز مرحلة الانتقال من مجتمع إلى مجتمع ومن وطن إلى وطن بوعي وأمن وسلام . يجب أن تتسلح هذه النخب بالوعي الذي يعينها على رد الكيد على الكائدين وبالثقة التي يمكنها من احتواء القادمين الجدد إلى عوالمهم الجديدة بما يجعلهم وفودا ورسلا حضاريين .

وبالمقابل فإن المطلوب من الإنسان السوري بشكل عام أن يتوقف عن إشاعة قالة السوء . واستخدام الرواية عن زعموا . والتوافق على نشر المعروف وإشاعته وإذاعته

أيها السوريون أينما كنتم وحيثما حللتم لا تنسوا أن تكونوا في مظهركم ومخبركم كما أوصاكم نبيكم : كأنكم شامة بين الناس .

الخلاصة :

لقد أثبتنا في هذه الدراسة أن إحدى استراتيجيات الحكم الأسدي في سورية على مدى نصف قرن هي تشويه صورة الشعب السوري حضاريا وثقافيا على كل المستويات الدولية والإقليمية . ولما انطلقت الثورة السورية المباركة بالغ بشار الأسد في اعتماد هذا النهج فاستعان بأدوات التشويه المتطرفة التي أراد منها حرف المعركة عن حقيقتها ، واتبع وسائل هوليودية واضحة في تشويه الثورة والتخويف منها على مستوى الداخل السوري ، وحين انطلقت أمواج اللاجئين إلى خارج الوطن أتبعهم بشار الأسد جنوده من الفاسدين المفسدين ليتابع مشروع تشويه صورتهم حيثما حلوا أو نزلوا بتوظيف من إدارة شر مركزية تقود المشروع وتعمل عليه. وكانت واقعة التحرش الجنسي التي وقعت في ألمانيا أخيرا حلقة من حلقات مشروع التشويه بكل تداعياته وتبعاته .

 تقترح هذه الدراسة مواجهة مشروع بشار الأسد في تشويه صورة السوريين بمشروع وطني لرد كيد الكائدين والدفاع عن صورة السوريين ودعم ثقتهم بذاتهم وتاريخهم ودورهم الحضاري .

وتقترح هذه الدراسة أن تقوم النخب السورية في كل البلدان التي تستقبل اللاجئين السوريين بدورهم في استقبال إخوانهم ومساعدتهم على التأقلم والاندماج الإيجابي ليكون وفود اللاجئين رسلا حضاريين قادرين على تصحيح الصورة المشوهة التي أعطتها زمرة الأسد عنهم .

تنادي هذه الدراسة على الضمير الفردي الحضاري لكل سوري حيثما حل ونزل : وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه.

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 651