ترامب وإيران : العاصفة قادمة
تصاعدتْ وتيرةُ تبادل الاتهامات وتراشقها بين أميركا وإيران، بوتيرة متصاعدة لم نشهدها في أيّ مرحلةٍ من مراحل التاريخ الحديث، مُحذّرةً من أنّ (ترامب) لديهِ العديدُ من الخيارات للتعامل معَ إيران، متوعّداً بعاصفةٍ جديدةٍ ستهبُّ قريباً .. ولكنْ ماذا عن هذه العاصفةِ وخيارات أميركا المتاحة ؟
- أولاً : لا شكَّ بأنَّ هدفَ (ترامب) منع إيران من أنْ تصبح قوة نوويّة، وتجريدها من ترسانتها الصاروخية التي تهدّد الأمن الإقليميّ والدوليّ، إلى جانب تحجيم الدور الوظيفي لإيران، الذي توسّعَ نتيجةَ ضعفِ الإدارة الديمقراطية التي أدارتْ ظهرها للمشروع الإيراني .
تريدُ واشنطن كذلك من الناحية النظريّة، تحويلَ إيران إلى دولة معتدلة، إلى جانب إعادة النظر في الاتفاق النوويّ، وصياغته بحلّة جديدة، بعدَ معالجة أوجه القصور الكبيرة في الاتفاق الإيرانيّ؛ ليكونَ نموذجاً لكوريا الشمالية مستقبلاً.
أمّا الخيارُ المتاحُ حالياً بالنسبة لواشنطن، فيكمنُ في فرض عقوباتٍ جديدةٍ ومبتكرة وفعّالة مثلَ : إدراج الحرس الثوري كمنظمة إرهابية، وخطوط الطيران والبحرية الإيرانية الراعي الرسميّ لنقل السلاح والقوات الإيرانية والمرتزقة إلى الأزمات الإقليمية في سوريا، ولبنان، واليمن ....إلى جانب عقوبات تستهدف مشاريع الطاقة في إيران على اعتبار أنها الشريان الذي يغذي النظام الثوري هناك، إلى جانب دعم المعارضة الإيرانية بأشكالها المختلفة، كأحد أدوات الضغط على الدولة والثورة هناك .
لدى واشنطن كذلك خيارات عديدة "خلاقة ومبتكرة" ممثلة بالهجوم السيبراني، إذْ يُمكنها شلّ نظام القيادة والسيطرة في طهران، والمنشآت النووية على غرار هجمات فيروس ستاكسنت الالكتروني الذي قامت به إسرائيل ضدّ إيران، مما أحدث ضجة عالمية تطلبت تدخل دول عظمى لوقفه، فضلاً عن استخدام هذا الشكل من الحروب لمواجهة أسلحة إيران البيولوجية والجرثومية المغيبة عن الرقابة الدولية، إلى جانب استهداف نظام الأسلحة التقليدية الأخرى، ويمكن أيضًا أنْ تعطل الهياكل الأساسية المدنية الحيوية للدولة الإيرانية كالمطارات المدنية والعسكرية، ومحطات توليد الكهرباء، ومصافي الطاقة والتكرير .
لا شكّ بأنَّ إيران قد طوّرت قدرات دفاعية وهجومية الكترونية، قام بها الجيش الالكتروني الإيراني، لكن قدراته الخاصّة، ستكونُ غيرَ فعّالة أمام القدرات الأميركية، والإسرائيلية الهائلة .
أمّا الخيارُ الآخر "المستبعد "حالياً فهو استخدام القوّة، ولأمريكا عدد من الخيارات العسكريّة بما فيها عمليات اغتيال لرموز النظام؛ وفي مقدمتهم قاسم سليماني، وكبار المسؤولين العسكريين والأمنيين المعنيين بتصدير العنف والإرهاب وتوجيه الخلايا النائمة التي تستهدف الأمن الإقليمي والعالمي، إلى جانب تدمير مراكز القيادة والسيطرة ومصانع الصواريخ، وقواعد تخزينها وإطلاقها، والقصف الجوى لكافة المنشآت النووية؛ كمرحلة متقدمة وبالتشاور المسبق والتنسيق مع الحلفاء الإقليميين والدوليين .
كلُّ هذه الخيارات يمكن لأميركا توظيفها والاستفادة منها لمواجهة إيران، ويُمكنُ كذلك لواشنطن توظيفَ مزيج منها في أيّ وقت من الأوقات، إذا ما افترضنا قرب عاصفة (ترامب) التي توعّد بها في حال تحولت العاصفة الموعودة إلى إعصار من الدرجة الخامسة .
من المؤكد بأنَّ المعركة ضدّ إيران أمر بالغ الأهمية للدول العربية ولإسرائيل - حسب الفهم الأميركي – لسبب آخر أيضاً، وهو العلاقات الوثيقة بين بيونغ يانغ - وطهران، ومن المؤكّد أنّ الفشل في وقف إيران سيؤدي إلى الفشل في وقف كوريا الشمالية، والثابت كذلك نقلت بيونج يانغ تكنولوجيا نووية وصاروخية إلى إيران ممّا أدى إلى ظهور نماذج للصواريخ الكورية كشهاب، وسيمرغ ، وذو الفقار ...المماثلة في العروض ، والمناورات العسكرية الإيرانية .
بموازاة ذلك ربّما كانتْ تصاعدت وتيرةُ الردود من طهران، وكانَ آخرها التصريحات التي أطلقها قائد حرس الثورة الإيرانية اللواء (محمد علي جعفريّ) خلال جلسة للمجلس الاستراتيجي في حرس الثورة الإسلامية الذي توعّد بأنَّ الحرسَ الثوريّ سيضعُ الجيشَ الأمريكيّ في أنحاء العالم على نفس المقاس مع (داعش ) في حال كانت الأخبار الحمقاء للإدارة الأمريكية صحيحة حول اعتبار "حرس الثورة الإسلامية تنظيماً إرهابياً"، مؤكداً أن إيران تعتبرُ تنفيذ قانون "كاتسا" هو بمثابة الخروج أحادي الجانب لأمريكا من الاتفاق النووي، وأضافَ: "كما أعلنّا في السّابق، فإذا نفّذت الولايات المتحدة لقانون الحظر على إيران، فعليها أن تنقل قواعدها العسكرية الى مسافة 2000 كيلومتر لمدى الصواريخ الإيرانية". ولفت اللواء جعفري إلى أنّه إذا كان هدف الأمريكيين النهائي من هكذا قرار هو التفاوضُ معَ إيران حول قضايا المنطقة، فهم يسلكون طريقاً خاطئاً تماماً، مضيفاً : "الجمهورية الإسلامية الإيرانية تعتبرُ أنَّ حلّ القضايا الإقليمية ليستْ مطروحة ً على طاولة المفاوضات، فلا توجدُ أيُّ مناقشاتٍ مطروحةٍ على هذه الطاولة كما أنَّه لا يوجدُ أيّ طرف لهذه المفاوضات"، وقالَ : "هذا الحظرُ يُكمل الصورة بالنسبة لنا عن الاتفاق النووي حيثُ تفيدُ التجربة أن المفاوضات مع الولايات المتحدة هي أداة للضغط والعداوة، وليس لحل المسائل والتعاطي مع الدول".
في مقابل ذلك خرجتْ بعضُ التحليلات في وسائل الإعلام الإيرانية بأن أميركا تخطّط من خلال التصعيد، وفرض المزيد من العقوبات التمهيد لاندلاع ثورة قادمة بقلب إيران، والرهان إلى أنها ستنفجرُ قريباً.... بتأييد أوربي أميركي كامل ورعاية فرنسية، واعتبار ذلك مجرّد هراء ونسج خيال؛ لأنّ الرهانَ يبقى على وحدة الشعب الإيراني لمواجهة هذا المخطط الشيطاني .
الفعلُ وردُّ الفعل يتصاعد، والعالم كل يوم يراقب "العنتريات" الإيرانية التي أشبعتنا شتماً وصراخاً، ولاشكَّ بأنَّ ساعة الحقيقة قد دقّت مع قرب التخلص من تنظيم الدولة "داعش"؛ لأنَّ وجود داعش هو الذي يعطي قادة إيران وغيرهم المسوّغ والحافز لاستجلاب المرتزقة والميليشيات الطائفية، وانتهاء هذه المهمة معناه تمهيد الأرضية ؛ لإنهاء الوجود الإيرانيّ على أرض سوريا أولاً ومنع ابتلاع العراق والمنطقة ثانياً، هذا ما عدا عن ضرورة إنهاء برنامج إيران الصاروخي والنووي ودعمها للإرهاب والفوضى ....
ونحنُ بالمقابل ننتظرُ بصبر فارغ ترجمة تعهدات ترامب "التويترية " التي ملأت الدنيا ضجيجاً وتحليلاً مع حلول منتصف أكتوبر، وألا تكون مجرد فقاعة ومناورة سياسية، بحجة رمي الكرة في ملعب الكونغرس الأميركي لتكونَ ذريعةً لا تغنِ ولا تسمنُ من جوع ٍ .
د. نبيل العتوم
رئيس وحدة الدراسات الإيرانية
مركز أميه للبحوث والدراسات الإستراتيجية
وسوم: العدد 741