نعم لزوال ولاية الفقيه.. لا لسقوط الشعب الإيراني
يقولون في المثل الصيني: «الثعلب النائم يُحصي الدجاج في أحلامه»، وعند بعض الشعوب العربية يسري المثل «الجوعان يحلم بسوق الخبز».
في حِقبة من تلك الحِقب التي اشتدَّ فيها جوع العرب إلى الحرية، فاجأتهم تلك الثورة التي اندلعت في إيران ضد حكم الشاه، وداعبتهم الأحلام في أنها ثورة حقيقية على الفساد والنخبوية والديكتاتورية، تفتح أمام الشعوب العربية آفاق التغيير، وتكون أنموذجا للانقضاض على فساد السلطة يتم تعميمه في الدول الإسلامية والعربية.
بيْد أن قومنا تبدَّدت أحلامهم بعد ظهور الوجه الحقيقي للثورة وأطماعها التوسعية في العالم الإسلامي، ورأوا أنفسهم وجهًا لوجه أمام مشروع إيراني قومي لاستعادة أمجاد الفرس، بركيزة طائفية لضمان التسويق، يطرح نفسه عبر خطاب ديماغوجي للتغلب على الانقسام العربي الفارسي. كانت خيبة أمل كبيرة بمقدار الأمل نفسه، فالأمل الكبير يولّد خيبة أمل كبيرة، كما قال علي عزت بيجوفيتش.
وبعد ما يقرب من أربعين عاما على ثورة الخميني، اندلعت احتجاجات ضربت العديد من المدن الإيرانية، بدأت بمطالب حياتية اقتصادية، سرعان ما تحوّلت إلى التنديد بحكم الملالي وفساد النظام السياسي. لم تكن الانتفاضة مُستبعَدة مع نظام أهْدر مُقدَّرات الشعب وخيرات البلاد في مغامراتِ تصدير الثورة خارج الحدود، وترك الجماهير الإيرانية صريعة الفقر وضعف الإصلاحات الداخلية، من أجل دعم وتمويل الحلفاء والأذرعُ والجيوب الطائفية في العالم الإسلامي.
لكن الأمر الذي يُصيب بالدهشة حقا، هو موقف العديد من الشخصيات السياسية والإعلامية والكيانات الإصلاحية إزاء انتفاضة الشعب ضد الجور والظلم، حيث عبّر هؤلاء عن رفض ذلك الحراك الشعبي بحجة أنه يزعزع استقرار إيران والمنطقة، ولا يخدم سوى المصالح الأمريكية والصهيونية، ويُضعف محورالمقاومة، وله انعكاسات خطيرة على القضية الفلسطينية، هكذا قالوا.
كثيرا ما يتناول ابن المقفع صفات العاقل، فمن ذلك قوله «لا يجعل اتقاءه لغير المُخوّف، ولا رجاءه فيغير المُدرك»، وكل لبيب من بني قومي بالإشارة يفهم.
أشد ما أثار دهشتي أن بعض مؤيدي ثورات الربيع العربي، التي انطلقت ضد الأنظمة الديكتاتورية الجائرة، يرفضون ثورة الشعب الإيراني ضد نظام لا يختلف عن تلك الأنظمة بل هو أشد، وذلك بحجة الدعوة إلى الاستقرار، وبئست الرؤية وبئس الدافع.
أليس من حق الشعب الإيراني أن يخلع نظام الملالي الفاسد الذي نهب أمواله وصرفها في تمويل الحرس الثوري وحزب الله اللبناني والحوثيين ومليشيات
الحشد العراقية؟ أليس من حقه أن يخلع نظاما انشغل بأطماعه التوسعية عن رعاية شعب صار له ترتيبه العالمي المتقدم في تهريب وإدمان المخدرات، ويعيش 60% منه في فقر مدقع؟ أليس من حقه خلع عمائم غررت به باسم الدين وأغرقته في العداوة والشقاق مع الشعوب المجاورة؟ أليس من حقه الثورة على قيادة لم تحافظ على وحدة أراضي الشعب الإيراني، وسامت القوميات المختلفة سوء العذاب مندفعة بنظرة فوقية للقومية الفارسية؟
تتحدثون عن استقرار المنطقة باعتباره مرهونا ببقاء الولي الفقيه، فهل نسيتم أن حكم العمائم هو الذي جعل من العراق محافظة إيرانية بعد تسهيل دخول الأمريكان إليها وتبادل الأدوار معهم؟ وهل نسيتم أن نظام ولاية الفقيه هو الذي دفع قوات الحرس الثوري الإيراني وميلشيات حزب الله لذبح الشعب السوري ووأد ثورته على بشار الأسد حليف إيران الأول؟ نسيتم ملايين اللاجئين وملايين القتلى، كان من ورائهم الدعم الإيراني لبشار؟ وهل نسيتم دعم الملالي للانقلاب الحوثي في اليمن، الذي أدى إلى اندلاع حرب لا تلوح لها نهاية في الأفق القريب، خلّفت الدمار والفقر والأوبئة؟ وهل نسيتم دعمها للقلاقل والفتن والاضطرابات عبر جيوبها في المنطقة العربية؟ ما لكم كيف تحكمون؟
مرحى بالثورة على الولي الفقيه من أجل تعايش سلمي بين السنة والشيعة وجميع الطوائف والقوميات والعرقيات داخل إيران، ومن أجل وحدة الشعب الإيراني واستقراره.
مرحى بالثورة على الولي الفقيه من أجل قطع الصلة بين «قُم» وشيعة العرب واندماجهم في الحياة العامة في بلادهم تحت مظلة المواطنة بدون الارتباط بمرجعيات خارجية تُقنعهم بالمظلومية وتسوِّل لهم التمرد.
مرحى بالثورة على الولي الفقيه من أجل تجفيف منابع الأذرع الإيرانية التي تعيث في الأمة فسادا مُستلهمة مبادئ الثورة الخمينية. مرحى بالثورة على الولي الفقيه من أجل قمع ذلك المشروع الفارسي الصفوي والحيلولة بينه وبين السيطرة على دول المنطقة. وعجبا لمن يتحدث عن الانعكاسات السلبية على محور المقاومة؟ أي مقاومة هذه؟ أعن القضية الفلسطينية تتحدثون؟ وماذا فعل الملالي لفلسطين سوى الجعجعة وإطلاق الشعارات الزائفة؟ ليس هناك أكثر استغلالا للقضية الفلسطينية من الساسة الإيرانيين، الخميني بعد اندلاع ثورته قال: «لا قيمة لكل سياساتنا إذا لم تكن لنا يد في القضية الفلسطينية»، كلام جميل، وماذا
بعده؟ ماذا قدموا للقضيةالفلسطينية على أرض الواقع؟
دعوا باحثا مخضرما إيراني الأصل يحدثنا عن ذلك، هو تريتا بارسي الذي قال في كتاب «حلف المصالح المشتركة»: «توفير إيران الدعم الكلامي كان أسهل من توفير الدعم العملي، ونادرا ما أُتبعت الشعارات الإيرانية بأفعال ملموسة حتى بعد اندلاع الانتفاضة الثانية. احتل الإيرانيون موقع الصدارة في إلقاء الخطب الرنانة التي تتحدث عن القضية الفلسطينية، لكنهم نادرا ما التزموا
بالمعايير التي وصفوها في تصريحاتهم».
إن اتباع إيران سياسة الجعجعة حيال القضية الفلسطينية أمر يدركه الشارع الإيراني نفسه بوضوح، حتى أنه سرت في أوساطه طُرفة بهذا الصدد تقول: «لماذا لم تعد توجد أحجار لرجم الزانية؟ فكان الرد في الطرفة: وِفقا لأوامر المرشد الأعلى: تم شحن كل الأحجار إلى فلسطين كمساهمة من إيران في الانتفاضة».نعم هي دعمت المقاومة في بعض الأوقات، لكنه دعم مشروط بالتوافق مع التوجهات الإيرانية شئنا أم أبينا، وعندما رفضت حماس التماهي معها في ملفي اليمن وسوريا، أطلقت إعلامها للنيل من الحركة. غير معقول أن يُرحب البعض ببقاء الولي الفقيه انطلاقا من خلافه مع السعودية وحلفائها.
وغير معقول أن يُرحب البعض ببقاء نظام الملالي لأنه مُستهدف من قبل الأمريكان والصهاينة. فالذي ينبغي أن تُوزن به الأمور: ما هو جدوى وجود هذا النظام للشعب الإيراني؟ وما هي أخطاره على الأمة؟
إيران جزء لا يتجزأ من العالم الإسلامي، واستقرارها أمرٌ يهم الأمة بأسرها، لكن حكم الملالي بعيد كل البعد عن تحقيق هذا الاستقرار، وإذا سوّغنا للشعب الإيراني الثورة على نظام الشاه القمعي، فلماذا نعارض ثورته على نظام قمعي توسعي جلب الويلات على هذا الشعب والأمة بأسرها؟ إن كان المؤمن لا يُلدغ من جحر مرتين، فإلى متى نرضى بأن نُلدغ من كل جحر يقابلنا، ونضرب بالتجارب وخبرات السنين عرض الحائط؟
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
وسوم: العدد 754