حكاية القضاء في سوريا اليوم
مدونة نيويورك تايمز:
حكاية القضاء في سوريا اليوم
ترجمة وتحرير مسار للتقارير والدراسات - 17 نيسان 2013
ماثيو ألكنز - مدونة صحيفة نيويورك تايمز
حلب - قال رئيس المحكمة العليا في مجلس القضاء الموحد، حليق الذقن ذو الشعر الأشيب، مروان القيد "نحن نقاتل بشار الأسد فقط في هذه المحكمة"، ثم نظر إلى سيجارته وابتسم من وراء مكتبه المليء بالوثائق القانونية وأضاف: "ولكن في سلطة الشريعة الإسلامية، هم أيضا يقاتلون الكفار، ونحن في عيونهم كفار".
اجتمعت مجموعة مروان القيد من القضاة والمحامين المؤيدين للثوار الشهر الماضي مع السلطة الشرعية، وهي محكمة إسلامية منافسة تدعى "حياة الشريعة". وقام بتجديد مبنى المحكمة المدنية في حلب، مكان عملهم السابق تحت حكم نظام الأسد، الذي أصيب بأضرار بالغة خلال القتال في الفترة الأخيرة. ولكن عندما كان القيد على وشك الانتقال إلى مكتبه القديم، جاءت مجموعة من المقاتلين المدججين بالسلاح من السلطة الشرعية وقاموا باعتقال عدد من زملائه بحجة استيلائهم على المبنى بشكل غير قانوني. وقد تم الإفراج عنهم في وقت لاحق، لكن المبنى لا يزال خاليا بينما تتصارع المحكمتان حول من منهما يجب أن تحتله.
وبدخول حرب سوريا الأهلية عامها الثالث، يناضل الثوار ليعرفوا كيف سيحكمون المساحات الواسعة التي سيطروا عليها. ففي حلب، التي تفتقر للقيادة الموحدة وتمزقها الفصائل، لم تكن المهمة سهلة: لدى هذه المدينة نظامي قانون متنافسين، كل منهما يسيطر على تضاريسه الخاصة وبدعم من ميليشيات مختلفة.
وبسبب مواجهته ضرورة وضع نظام قانوني إسلامي جديد ليحل محل النظام العلماني لنظام الأسد اختار القيد وزملاؤه نظاما مُحدثا وضعته الجامعة العربية، وهو في جوهره نموذج حديث من الشريعة أو الفقه الإسلامي الذي يعتمد على القرآن والسنة. وفي المقابل، فإن السلطة الشرعية التي يقودها بعض علماء المسلمين يستند القاضي في أحكامه فيها إلى نفسه، وإلى بعض التفسيرات التقليدية من القانون القرآني مع بعض التشاورات مع المحامين.
وأشار القيد إلى أن السلطة الشرعية مدعومة من قِبَل الفصيلة الجهادية القوية "جبهة النصرة"، والتي وضعتها حكومة الولايات المتحدة في القائمة السوداء بسبب علاقتها المزعومة بتنظيم القاعدة. قال القيد: "إنهم مقاتلون جيدون، لكنه هدفهم هو إقامة دولة إسلامية".
عندما أثرت سؤالي عن جبهة النصرة لأبو سليمان، العضو في المحكمة الرئيسية للسلطة الشرعية، قال إن هؤلاء المقاتلين "ضيوف" وسيغادرون قريبا. قال لي مقهقها "نحن لسنا تنظيم القاعدة، بالطبع نحن نريد نظاما إسلاميا، والجميع متفق على ذلك، لكنه يجب أن يكون نظاما معتدلا، حيث تستطيع كل الجماعات في البلاد أن تتعايش".
يجب أن لا تكون هنالك مبالغات في الاختلافات الأيديولوجية بين مجلس القضاء الموحد، والسلطة الشرعية، وأهميتهما. بالرغم من كل شيء إلا أن كلا النظامين يُقِران سيادة أحكام الشريعة الإسلامية، وتحديد العلاقة الدقيقة بين الدولة والدين لا يبدو أولوية للعديد من المقاتلين في حلب.
عبد القادر الصالح (المعروف باسم حجي مارع) هو قائد بارز في لواء التوحيد القوي والذي يضم مجموعة من الثوار المحليين الذين يتعهدون بالولاء للجيش الحر الذي يبدو ظاهريا علماني الميول، ومع ذلك فهو يدعم كلا المحكمتين المتنافستين. وعندما سألته عن ذلك، قلل من الاختلافات بينهما وقال "ليس هناك حكومة الآن. وكما أن هناك العديد من مجموعات الثوار فإن هناك أيضا محاكم مختلفة".
الانقسام الأكثر أهمية بين المحكمتين هو اقتصادي اجتماعي، وهو انعكاس للديناميكية الواسعة للحرب الأهلية، التي يقودها إلى حد كبير مسلمون سنة من أصول ريفية عانوا عقدا من الإهمال في ظل حكومة الأسد.
أعضاء السلطة الشرعية إما قدموا من الريف أو لهم علاقات تربطهم بالطبقة الوسطى الصغيرة في المدن، وتجار سنيين محافظين اجتماعيا. أما أعضاء المجلس القضائي الموحد فهم جميعهم من الطبقة المهنية الحضرية، وقد تميزوا عن غيرهم بعلاقاتهم مع الحكومة قبل الحرب.
وبالتالي ليس بالضرورة أن يكون السؤال عما إذا سيلعب الإسلام دورا محوريا في سوريا ما بعد الحرب، فقد تم بالفعل حسم هذه القضية بالإجماع من قِبَل الثوار ذوي الطابع السني المتدين. وبدلا من ذلك، فالقضية الأساسية هي ما إذا كان سيتم تحديد علاقة الإسلام بالدولة من قبل المهنيين الحضريين مثل القيد أو من قِبل الريفيين مثل سليمان. وبغض النظر عن أي مناقشات لاهوتية غارقة في المثالية، فإن الرهانات الحقيقية ستكون حول المجموعة التي ستحصل على فوائد أكثر من النظام الجديد.