الأسد يحصد الجهاد الذي زرعه
الأسد يحصد الجهاد الذي زرعه
ديفيد غاردنر
فايننشال تايمز
نظام الأسد، عدو القاعدة والتطرف السني، المبني على أساس أربعة عقود من حكم الطائفة الشيعية المبتدعة، مجتمع الأقلية العلوية، كان على الرغم دائما ما يتمتع بالمرونة في اختيار الأسلحة التي يستخدمها
مسار للتقارير والدراسات - 14 نيسان 2013
قبل عشرة أعوام بالضبط، نظر دبلوماسي أمريكي بارز من نافذة مكتبه في دمشق وشاهد رجال الشرطة السرية السوريين وقد أنشؤوا بكل وقاحة مركز تجنيد الجهاديين مقابل السفارة الأمريكية تماما.
نظام بشار الأسد، الذي قام بإصلاح أموره مع واشنطن بعد 11 سبتمبر عن طريق إطلاع وكالة المخابرات الأمريكية على ملفات المتطرفين الإسلاميين، قرر الآن جمع المتطوعين الجهاديين عبر العالم العربي وتوجيههم إلى العراق لتجعل الغزو والاحتلال الأمريكي البريطاني ينزف.
نظام الأسد، عدو القاعدة والتطرف السني، المبني على أساس أربعة عقود من حكم الطائفة الشيعية المبتدعة، مجتمع الأقلية العلوية، كان على الرغم دائما ما يتمتع بالمرونة في اختيار الأسلحة التي يستخدمها.
في هذا الأسبوع، أعلنت القاعدة أن جبهة النصرة – الجبهة الجهادية السنية التي تقود الحرب ضد القوات الموالية في شمال سوريا – قد اندمجت معها، وقد تم الطعن في هذه الأخبار، على الأقل من قِبل جبهة النصرة نفسها.
لكن بطاركة النظام قاموا على أي حال في عدة أوقات بتحليل المعنى الكامل لرد الفعل السلبي. لا يحتاج الجهاديون ذوي المسار الممهد من دمشق إلى العراق أية مساعدة، أو اندماج مع أحد بالفعل، ليجدوا طريقهم للعودة، وإن الانحلال التكتيكي لدى جنود الأسد بدا دائما مسؤولية استراتيجية.
أنباءٌ سيئة لعشيرة الأسد ونظامه المنهار، وليست بالضرورة أنباءا جيدة للسوريين ومستقبل بلدهم المدمر على مدى سنتين من الحرب.
رسالة الثلاثاء، المُرسلة من قِبل جبهة القاعدة في العراق، عن كون "جبهة النصرة هي مجرد فرع من فروع الدولة الإسلامية في العراق"، وهو ما تحدثت به الولايات المتحدة كثيرا، رسالة مخيفة، سواء كانت صحيحة أم لا، كما أن نفيَ زعيم جبهة النصرة بالكاد يمكن تصديقه، بدليل أنه تعهد بالولاء لأيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة عالميا.
قام تنظيم القاعدة بنشر جذور له في سوريا، متسامحةٍ مع المجتمع التقليدي بفسيفسائه الدينية، وإن كان السنة هم الغالبية، فإن الثورة للتحرر من الاستبداد من الممكن أن تتحول إلى حرب بين أعداء الأسد من العلمانيين والمتدينين المتطرفين.
ذكريات ما حدث في العراق تلوح في أفق سوريا بشكل كبير. حيث أن مجزرة أبو مصعب الزرقاوي – آخر زعيم للقاعدة في غرب العراق – أطلقت المذابح العرقية الطائفية بين السنة والشيعة (الأغلبية في العراق)، وسحقت بينهما الأقلية المسيحية، حتى تحولت بعض العشائر السنية ضد الجهاديين.
الروابط القبلية الواسعة عبر الحدود (منطقة الجزيرة) بين نهري دجلة والفرات، تمثل وحدة طبيعية جغرافية بين كلا البلدين، وقد ساهمت بدرجة كبيرة بتحصين سوريا ضد إغراء وإغواد الجهاد، ولكن في الظروف الحالية، لا يبدو هذا كافيا.
وكبداية، فإن جبهة النصرة تبدو وكأنها تعلمت من الزرقاوي - الذي تعرض للملامة حتى من أسامة بن لادن وخلفه وزعيم القاعدة أيمن الظواهري - أن التعصب والطائفية الوحشية هي هزيمة للذات. وقد كان في مصلحة جبهة النصرة، أنها قامت بمحاولات للحد من الانفلات الأمني الذي بات متوطنا في سوريا.
وعلى الرغم من أنها تقوم بتفجير السيارات التي تقتل المدنيين دون تمييز، إلا أنها لا تقوم بإعدامات تعسفية. وعلى العكس من ذلك فإن قوى نظام الأسد الغاشمة الجامحة - التي دمرت مساحات كبيرة من المدن والبلدات السورية لتؤكد على حقها في الحكم الوراثي – واضحة أمام الجميع لمن يرغب في رؤيتها.
الأهم من هذا كله أن جبهة النصرة تتمتع بهيبة النجاح. فقد قامت خلال الأشهر التسعة الماضية، من كفاحها ضد قوات الأسد، بزج هذه القوات في موقف دفاعي توجهه وحدات الثوار باستيلائها على الأراضي والقواعد والأسلحة. ومع وجود الموارد الوفيرة من الخليج إلى الجيش والعاملين في سوريا فإن جبهة النصرة صارت جاذبة للثوار المتطوعين. ويجب تغيير هذه الحالة طالما يظل بالإمكان احتواء الثوار المتطرفين، يمكن تقدير جبهة النصرة بأعداد تقريبية، ولكن معظم المراقبين للصراع عن قرب يعتقدون أنها تمثل أقل من عُشر قوة الثوار.
هنالك طريقة واحدة فقط لعكس هذه الحالة، على الرغم من خطورتها، وهي أن تُوجَه الموارد من تدريبات وأسلحة ثقيلة كمضادات الدبابات ومضادات الطائرات إلى الثوار الرئيسيين. بالإضافة إلى منع دخول المتطوعين الجهاديين (الواضح للغاية) إلى سوريا. الدعم الحالي للجهاديين في سوريا هو - إلى حد كبير - نتيجة السياسة الغربية التي تدعم بعقود سرية المعارضة والحلفاء في الخليج كالسعودية وقطر، الذين يطمحون إلى التفوق السني أكثر من حرية السوريين.