لا توجد حرب عادلة أو التدخل العسكري في ليبيا
لا توجد حرب عادلة
أو التدخل العسكري في ليبيا
تقديم وترجمة حمّودان عبدالواحد
تزفتان تودوروف
تقديم
يعبّر المفكر الفرنسي تزفيتان تودوروفTzvetan Todorov في هذا المقال الذي نشرته صحيفة " ليبيراسيون " الفرنسية يوم 22 مارس 2011 عن موقفه من إجماع الأحزاب السياسية في فرنسا والمعلقين من صحفيّين ومختصّين في الدراسات الجيوستراتيجية وبعض المثقفين ... ، لصالح التدخل العسكري في ليبيا ، ويُذكّر الجميعَ بأنّ " النظام العالمي الممثل بمجلس الأمن في هيئة الأمم المتحدة يُقِرّ بنفوذ القوة على حساب القانون " ، وأنّ المصادقة عليه تظل رهانا على شرعية قابلة للنقاش والاعتراض.
ومنذ كتابة هذا المقال وحتى اللحظة التي أترجمه فيها ، ومجرى الأحداث في ليبيا بسير في الإتجاه المأساوي الذي حذر منه هذا الفيلسوف الكبير، المعروف بصواب رؤاه وعمق تحاليله ومواقفه الانسانية المنسجمة... لكن للأسف الشديد ، لا يسمع أصحابُ اتخاذ القرارات في الدول الغربية ، وبالخصوص في فرنسا ، من رؤساء وحكومات ومؤسسات رسمية ... لهذا النوع من المثقفين الذين لا يعملون لحساب أحد ، ويفضلون لعدّة أسباب الإصغاء لأصوات أخرى تخطط وتفكّر وفق فلسفة براغماتية تقول : المصالح قبل كلّ شيء ، ولا مكان للعواطف والمبادىء والأخلاقيات...
-- -----------
الترجمة
أحدث التدخلُ العسكري في ليبيا موجة عارمة من التأييدات في فرنسا ، رافقتها تصريحاتٌ تقول بأنّنا قد نجحنا في تحقيق صفقة كبيرة. ولم يَعُد الزعيم العدوّ يُذكر إلا عن طريق عبارات نقدية قوية وأوصاف سلبية ، فهو تارة " الشيطان أو المارد " ، وتارة أخرى " الجلاد " ، وأيضا " سفاك الدماء " دون إهمال الإحالة إلى أصوله أي " البدوي المراوغ المحتال ". كما استُعمِلت " الأوفيميزمات " ، هذه العبارات التي تحاول التخفيف من حدّة الأشياء وضخامة الأحداث والوقائع : لا نقول يجب أن نقتل دون رادع أخلاقي أو ندم ، بل " يجب أن نتحمل مسؤولياتنا " ، ولا نقول " نحاول تقليص عدد الموتى " ، بل " يجب أن نتصرف دون تحطيم أو دمار كبير ". وسمعنا ، بالإضافة إلى هذا ، مقارنات عبثية واعتباطية تبرّر دخولَ الحرب : إذا لم نتدخل في ليبيا سيكون هذا بمثابة إعادة أخطاء مرتكبة في إسبانيا سنة 1936 ، وفي ميونيخ في 1938 ، وفي رواندا عام 1994 ...
ووُجّهت أصابعُ الإتهام إلى كلّ الذين يتردّدون : ألمانيا لم تكن في المستوى ، وأوربا عبّرت عن برودة مدهشة ، إنْ لم نقل عن جُبْنها العادي. أما الدول النامية فهي مخطئة لأنها أرادت أن تتجنب الأخطار كما لو كان المؤيدون للحرب في العاصمة الفرنسية يخاطرون كثيرا بأنفسهم أو مصالحهم.
صحيح أنّ التدخل العسكري في ليبيا ، على خلاف الحرب في العراق ، حضي بموافقة من مجلس الأمن في هيئة الأمم المتحدة. لكن، هل من " شرعيةٍ " لهذا التدخل تحت غطاء الصفة القانونية ؟ الأصل في هذا القرار يوجد في مفهوم خرج إلى حيز الوجود حديثا يقول ب" مسؤولية حماية المدنيّين في بلد ما ضدّ اعتداءات المسؤولين عليهم ". والحالة هذه ، وبما أنّ هذه الحماية تعني التدخلَ العسكري لدولة أخرى وليست المساعدة الإنسانية ، فإنّه من الصعب أن نعتبرها مختلفة عن " حق التدخل في شؤون الدول الأخرى " الذي خوّله الغربُ لنفسه منذ سنوات. إذا أعطت كلّ دولة لنفسها حق التدخل عند جيرانها كي تدافعَ عن الحقوق المهضومة لأقلية ما ، فإنّ حروبا عديدة ستندلع من جرّاء الأولى. يكفي لفهم هذا أن ننظر إلى حالة الشيشا نيّين في روسيا ، والتبت في الصين ، والشيعة في البلاد السنية وأهل السنة في بلاد الشيعة ، والفلسطينيّين في الأراضي المحتلة...
في الحقيقة ، يجب على هذه الدول أن تحضى بقرار من هيئة الأمم يسمح لها بحق التدخل ، لكن المشكلة أنّ هذه الهيئة لها خاصية هي في نفس الوقت " خطيئتها الأصلية " : تملك دولُ الأعضاء الدائمة فيها حق الفيتو فيما يخص كل قراراتها ، الشيء الذي يجعلها تكون فوق القانون الذي من المفروض على هذه الأعضاء تمثيله والسهر على تطبيقه. فلا الأعضاء الدائمة ولا الدول التي تساندها يمكن لها أن تتعَرّضَ لتنديد. الأخطر من هذا أنّ هذه الدول – لكي تتفادى الفيتو – تتدخل ، كما حصل في الكوسوفو أو العراق ، بدون سماح من الأمم المتحدة. كانت حصيلة الغزو المسلح للعراق تحت الذريعة المغشوشة لحضور سلاح الدمار الشامل هي مئات آلاف القتلى ، ومع ذلك لم تتعرّض الدولُ التي قادت هذا الغزو لأية عقوبة رسمية ، حتى لو كانت صغيرة أو رمزية. إنّ النظام العالمي الذي يُجَسّدُه مجلسُ الأمن في هيئة الأمم المتحدة يُقِرّ سلطة القوة لا سلطة القانون.
لكن هذه المرّة ، يقال بأنّ الأمر يتعلق بالدفاع عن المبادىء وليس عن المصالح. هل هذا أكيد ؟ تضامنت فرنسا منذ زمان طويل مع الديكتاتوريّين الحاكمين في الدول المجاورة مثل تونس ومصر ، وهي باختيارها اليوم الوقوف إلى جانب الثوار في ليبيا ، تأمل أن تعيدَ الاعتبار إلى نفوذها وصورتها العظيمة. وفي نفس الوقت ، تقوم بالبرهنة على فاعلية أسلحتها ، مما يجعلها تكون في موضع قوة في المفاوضات المستقبلية. على المستوى الداخلي ، ترفع الحربُ المكتسَبة دائما من شعبية الحكام ، خصوصا حين تكون مُعلنة باسم الخير. ونفس الاعتبارات نجدها في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا.
واستُغِلّ هنا الموقفُ الذي اتخذته الجامعةُ العربية قبل أن تبدأ هذه الأخيرة في تغيير رأيها ، وإنّه لمن الناذر أن تحضى آراء هذه المؤسسة بالاهتمام والتقدير من طرف الغرب. غير أنّ نظرة فاحصة للواقع تكشف أنّ الدول التي تجمعها هذه المنظمة لها العديد من المصالح في قضية ليبيا. فالعربية السعودية وحلفاؤها مستعدّون لتأييد الغربيّين ضدّ الخصم المنافس الليبي ، لأن هذا يسمح لهم بقمع حركات التنديد في بلدهم. السعوديون ، كما هو معروف ، لا يومنون بالمؤسسات الديموقراطية في بلدهم ، وقد تدخّلوا عسكريا في البحرين وشجّعوا القمعَ في اليمن : لقد اختاروا " حماية " الحكام ضد شعوبهم في الدول المجاورة لهم .
ماذا يجب أن نفعل أمام الكولونيل القذافي الذي يقتل شعبَه ؟ ألا يجب أن نهنأ أنفسَنا بمَنْعه من هذا ، كيفما كانت التبريرات المصرّح بها أو المخبّأة لهذا التدخل العسكري ؟ العنصر السلبي هنا هو أنّ الحرب وسيلة تعتمد على القوة ، وأنّ استعمال هذه القوة يدفع إلى نسيان الهدف المتبَع. وحدها ألعاب الفيديوهات تُمَكّن من تحطيم الأسلحة دون المس بالبشر الذين يوجدون في محيطها. ففي الحروب الحقيقية ، حتى " الضربات الجراحية " الدقيقة لا تستطيع تجنب " الخسائر الجانبيّة " أي الموتى والتدمير والآلام الناتجة عن ذلك. من هنا ، نجدُ أنفسَنا أمام حسابات غير مؤكدة : هل ستكون الضحايا والخسائر نوعا ما أقل مِمّا كانت ستكون عليه لو لم يحصل التدخل العسكري ؟ ألم تكن هناك وسيلة أخرى لمنع مذبحة المدنيّين ؟ ألن تكون الحربُ ، بمجرد اندلاعها ، مقادة بمنطقها الخاص عوض أن تخضع للقرار الأممي في حَرْفيّته ؟ ألن نقوم بالإبتعاد عن التطلعات الديموقراطية للشعب بجعلها مشروطة بالدول التي مثلت الاستعمار سابقا ؟
لا توجد حرب نظيفة أو عادلة ، وإنما حروب ضرورية ولا مفرّ منها كما كانت الحرب العالمية الثانية التي قادها الحلفاء. لكن الأمر مختلف اليوم ، وقبل أن نبدأ بترتيل نشيد المجد لهذه المغامرة التي فاقت بحق كلّ الأخريات ، رُبّما يجدر بنا أن نتأمل دروسًا كان كويا Goya قد وقف عليها ، منذ مئتي سنة ، فيما يخصّ حرباً أخرى كانت جيوشُ نابليون قد قادتها ضدّ الإسبان باسم الخير أي حقوق الإنسان.
إنّ جرائم القتل المقترفة باسم الديموقراطية غير مقبولة ولا تقِلّ شرّا ومرارة عن تلك التي يكون سببُها الدين ، أو الإخلاص للقائد أو للحزب. كل هذه التبريرات تقود ، الواحدة كما الأخرى ، إلى شيء واحد ، هو نفسه في كلّ الأحوال : الكوارث والفواجع والمآسي التي تنتج عن الحرب.