إلى السوريين ودون استثناء...
شعب أنيق... حتى في أحزانه..
انظر إلى صور السوريين في محنتهم العابرة عبر وكالات الأنباء ووسائل الاتصال الاجتماعي ـ العفوية منها والمقصودة ـ فألمح كبرياء يطلّ برأسه عند كل دمعة وحسرة وزفرة .
إصرار على الحياة في أبهى معانيها، يغالب سكرات الحزن والأسى، يقارع الموت والدمار ويعلن أحفاد الفينيقيين والكنعانيين والآراميين والعرب العاربة توأما للأزليّة، إزميلا ينحت وجها متحدّي القسمات في صخر الأقدار، شراعا تنحني له الرياح وشاطئا يخبّره الناجون عن عواصف المؤامرة .
الجمال حاضر في مواجهة القبح، الطرافة تهزم أعتى مآسي شكسبير .....والشعر سيّد الحسم وناي الشجن لدى مواطني نزار قباني ومحمد الماغوط وعلي الجندي وممدوح عدوان ورياض صالح الحسين .... وكل من آوى إليهم واستنشق أحضانهم من مظفّر النواب وعبد الوهاب البيّاتي وفؤاد نجم وعبد لله البردوني .
هذه عربة "بندورة " طازجة مثل الصباح ومرصوفة الحبّات على خلفية دمار رمادي شامل، تجعل المتفرّج يعرف أنّ الأحمر لون للحياة أيضا .
هذه أرجوحة طفلة صنعتها ممّا تيسّر من قصار الحبال وأعالي الجدران والأمل .
ذاك زقاق من الشوق لم يفقد هويته، لم تكنس الأيام أوراق ياسمينه ويزيد عطراه عطرا خطوات العاشقين في الهزيع الأخير من الحب والحياة .
تلك "دبكة" توقظ الأرض من غفوتها وتذكّرها بأنّ هنا شعب لا ينام .
وهؤلاء سوريون ينتشرون في أصقاع العالم , ينحنون للعاصفة قليلا لتعيد مشط شعورهم .. ثمّ يعودون إلى التهام الحياة حبا وفنا وإبداعا.
من علّم السوريّ كلّ هذه الأناقة حتى في حفلات التنكّر ؟ من قال له "انهض فأنت أجمل الأحياء" ........ غير هذا الإيمان بالفجر الذي سوف يأتي ويتنفّس .
من علّم الوردة عطرها والياسمين أشواكه والوفاء الوفاء ...؟
قد تكون شهادتي مجروحة في أخوال أطفالي , لكنّها جارحة ـ وبالتأكيد ـ للذين تدخّلوا في شؤون هذا الشعب الذي لا يعرف إلاّ للحب سبيلا .
قد أعود، حتما سأعود، ويعود إليّ الحيّ الذي سكنت بملامح حزينة وبعض النمش والشيب الذي باغته على حين وجع .....لكنّي سأزور مجدّدا معبد "حدد" إله العاصفة، ثمّ "جوبيتير " ثمّ الكنيسة فالجامع الأموي الذي يرقد فيه النبي "يحي " ورأس الحسين ........... والكلّ في مكان واحد ........ هناك.. وفي آخر سوق الحميديّة ... إنها دمشق التي لم تعلّمني إلاّ الوفاء...... واحترام من أبصر الشمس قبلي .
وسوم: العدد 833