معالم الإصلاح في خطبة الوداع

الشيخ عبد العزيز رجب

بثلاث لغات ( العربية – الإنجليزية- الإيطالية)

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد

خطبة الوداع كانت آخر الوصايا الجامعة للنبي صلى الله عليه وسلم التي وجهها لأمته (حج النبي صلى الله عليه وسلم سنة (10هـ ) ، وتوفي صلى الله عليه وسلم في ربيع الأول سنة (11هـ)، وقد حج مع النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك العام حوالي 100 ألف مسلم، ، فأراد النبي بخطبته تلك الجامعة أن يلخص لهم مبادئ الإسلام وأسسه، وأن يرسي مرتكزات أي إصلاح الفرد والأسرة للمجتمع.

أولاً: تحديد المرجعية العليا للمجتمع المسلم:

وذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً، أمراً بيناً: كتاب الله وسنة نبيه" .فالمرجعية الإسلامية هي أيديولوجية المجتمع المسلم.

 وقد بيَّنت آيات القرآن الكريم ، قال تعالى: { وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون } [ العنكبوت : 47 ]،

ثانياً: صياغة الفرد النموذج:

وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: { أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي فضل على عجمي إلا بالتقوى } ، وقوله: ( فإن الشيطان قد يئس من أن يعبد بأرضكم هذه أبداً، ولكنه إن يطع فيما سوى ذلك فقد رضي به مما تحقرون من أعمالكم فاحذروه على دينكم ) .

إن المجتمعات المسلمة في حاجة ماسة إلى بناء الفرد على أساس الإسلام ومبادئه وأخلاقياته.

ثالثاً: بناء الأسرة الصالحة:

وذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ( أيها الناس، فإن لكم على نسائكم حقاً، ولهن عليكم حقاً، لكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، وعليهن ألا يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تهجروهن في المضاجع، وتضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن انتهين فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف، واستوصوا بالنساء خيراً، فإنهن عندكم عوان - أي أسيرات - لا يملكن لأنفسهن شيئاً، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمات الله ) .

رابعاً: إقامة المجتمع القوي المتماسك:

1- الأخوة: في قوله صلى الله عليه وسلم: ( واعلموا أن كل مسلم أخ للمسلم وأن المسلمين إخوة ) .

2- المساواة: في قوله: ( إن ربكم واحد: كلكم لآدم وآدم من تراب ) .

3- الوحدة والترابط: ونبذ التفرق والاختلاف: في قوله: ( فلا ترجعوا بعدي كفاراً ) وفي رواية : ( ضلالاً يضرب بعضكم رقاب بعض ) .

4- حرمة الدماء والأموال: في قوله: ( إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ) .

5- العلاقة بين الحاكم والمحكوم، فقد أقامته الخطبة على دعامتين:

الأولى: طاعة أولي الأمر بالمعروف: وذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ( يا أيها الناس، اسمعوا وأطيعوا، وإن أمِّر عليكم عبد حبشي مجدع ما أقام فيكم كتاب الله)

الثانية: تقديم القدوة والنموذج من قبل الحاكم لرعيته: قوله: ( وربا الجاهلية موضوع، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب ، وربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضع من ربانا ربا عباس بن عبدالمطلب فإنه موضوع كله ) .

إن هذه الأسس الأربعة: تحديد المرجعية، وبناء الفرد، وتكوين الأسرة، وإقامة المجتمع القوي، بتفاصيلها وجزئياتها التي تؤخذ من الكتاب والسنة هي السبيل لأي نهضة، أو إصلاح لأحوال المجتمعات التي تدين بالإسلام، للوصول إلى المجتمع المسلم الواحد، الذي يقوم بأداء مهمته المتمثلة في قيادة البشرية الحائرة، إلى ربها، والأخذ بيدها إلى حياة سعيدة تحقيقاً لأستاذية العالم والشهادة على الناس : { وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس } [ البقرة:143 ] .

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

وسوم: العدد 838