شهر رمضان شهر الهدى والفرقان
صبغة أخلاقية : ( ومن أحسن من الله صبغة )
يبقى للصيام و للصوم في أي معنى لكل منهما ... الأثر الكبير في تغليب القيم الإنسانية في حياة الناس على نوازع نفسية تُحدث بين الناس العديد من المشاكل ، وتولد بينهم البغضاء ، وربما تقودهم إلى الخصام والقتال لسبب أو لآخر . ففي هذا الشهر المبارك لايمتنع الصائم عن الطعام والشراب وغيرهما من المباحات المادية ، وإنما يمتنع الصائم عن مسببات المشاكل بين الناس ، وهي الأخلاق الذميمة التي ابتلي الناس بها في هذا الزمان . فالغيبة والنميمة والكذب وشهادة الزور والاستهزاء والهمز واللمز ... وإلى آخر معجم كلمات هذه الصفات البغيضة ، والتي لايرضاها أيُّ إنسان ، وهي تندرج في سجل الأخلاق الفاسدة المفسدة في المجتمع ، وهي أمراض لها أثرها على جسد الأمة إذا ما استشرت واستفحلت بين أبنائها . فالصوم وهو ركن من أركان الإسلام العظيم يعالج هذه الأمراض ، وما هي فائدة الصوم إن لم يلجم لسان الصائم عن المآثم التي ذكرنا بعضها ، فالله سبحانه وتعالى ليس بحاجة إلى صيام الناس ، وإنما أمر به لصيانة مجتمعاتهم من المنغصات لسعادتهم . إنه الصوم الذي يدعو إلى مكارم الأخلاق ، الأخلاق التي تميز الإنسان السوي عن غيره من الذين أطلقوا ألسنتهم بالسوء على أبناء مجتمعهم . فللأخلاق شأنها العالي ومكانتها الرفيعة ، ولذا فقد شهد المولى تبارك وتعالى بها لرسوله صلى الله عليه وسلم : ( وإنك لعلى خُلُقٍ عظيم ) ، ولعل أقرب الناس من مجلسه صلى الله عليه وسلم أحسن الناس أخلاقا . فلن تغرنا هذه الثروة الهائلة من المخترعات التي جلبت للناس المنافع ، إذا فسدت الأخلاق ، وشاعت آثار المفاسد التي ترتبت على هجر مكارم الأخلاق .
وتختلف صورة المجتمع الذي يأخذ بالأخلاق الفاضلة عن صورة المجتمع الذي وجد النكد والقلق والمشاكل لعدم أخذه بتلك الأخلاق العاليات . أي لايكفي أن تكون هويتنا الورقية إسلامية ، وهويتنا في المعاملات لاتمت إلى سمو ديننا الإسلامي بصلة . فالأخلاق قيم ومُثل ورقيٌ ، فمن افتقدها فقد ابتعد عن الإسلام الذي أنزله الله رحمة للعالمين ، وتزكية لنفوس الخلق ، فجاءت من تعاليمه البرامج السامية لمواجهة أي انحراف في حياة الناس . وهنا نُدعَى إلى الالتفات إلى علمائنا الأفاضل ومؤسساتنا التربوية والتعليمية ووسائل الإعلام بكل أنواعها وأولياء أمور الأبناء والبنات وإلى كل مَن يهمه أمر أسرته ومجتمعه أن يجند نفسه للدعوة الجادة إلى الأخذ بالأخلاق الفاضلة ، والتحذير من الانحرافات المشينة ، والنهي عن كل تعاطي مايضر بصحة الإنسان الجسدية والنفسية . فطوبى لمَن ارتقى الصوم بنفسه فزكاها ، فحسنت أخلاقُه ، وكان من المتقين ومن الصابرين ومن الذين ينال شفاعة الصوم يوم القيامة وحسب الصائم فضلا ومكانة وفوزا أنه يدخل الجنة من باب الريان خالدا فيها أبدا ، فعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إنّ في الجنّة باباً يقال له الرّيان، يدخل منه الصّائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال أين الصّائمون، فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق، فلن يدخل منه أحد) رواه البخاري .إن الصيام موسم تربية للنفس وتزكية لها مما يبعد عن حقيقته في التقرب إلى الله سبحانه وتعالى ، فقد اقترن قبول الصيام بالبعد عن جميع السيئات ، والصيام ليس أن يدع الصائم طعامه وشرابه وحسب ، ولكن أن يدع الأخلاق السيئة ، والمعاملات المشينة ن والتثصرفات غير اللائقة بقدسية الصيام . فالصائم المقبول صيامُه هو مَن أمضى نهاره صائما وليله قائما بين يدي الله سبحجانه وتعالى ، وهو من يمضى ساعات ليله ونهاره بتلاوة القرآن الكريم وبالصلاة وبكل أنواع التقرب إلى الله . فلا يكذب ولا يظلم ولا يغش ولا يشهد شهادة الزور ولا يلغو ولا يرفث ... وحسبنا هنا أن نتذاكر بعض ماورد عن نبينا عليه الصلاة والسلام في الصيام المقبول من خلال هذه الأحاديث الشريفة :
*( قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ) أخرجه البخاري .
* ومن حديث آخر : ( فليس الصيام من الطعام والشراب وإنما الصيام من اللغو والرفث ).
*وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش ورب قائم حظه من قيامه السهر ) .
*أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قال الله تبارك وتعالى : كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به ، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ، فإن سابه أحد أو قاتله أحد فليقل إني امرؤ صائم ، فوالذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ، للصائم فرحتان : فرحة عند إفطاره وفرحة عند لقاء ربه ) رواه البخاري ومسلم .
*وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الصيام جنة ما لم يخرقه ) قيل : وبم يخرقه ؟ قال : ( بكذب أو بغيبة )
*وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الصيام جنة من النار ، فمن أصبح صائماً فلا يجهل يومئذ ، وإن امرؤ جهل عليه فلا يشتمه ولا يسبه وليقل إني صائم ، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ) أخرجه النسائي .
* وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ليس الصيام من الطعام والشراب إنما الصيام من اللغو والرفث ) رواه البيهقي .
ولعل فيما أورده الإمام أحمد عبرة وموعظة : (إن امرأتين صامتا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فكادتا أن تموتا من العطش فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأعرض ثم ذكرتا له فدعاهما فأمرهما أن تتقيأا فقاءّتا ملء قدح قيحاً ودماً وصديداً ولحماً عبيطاً ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن هاتين صامتا عما أحل الله لهما وأفطرتا على ما حرم الله عليهما جلست إحداهما إلى الأخرى فجعلتا تأكلان لحوم الناس ) .
وسوم: العدد 927