لماذا غضبوا في القاهرة من انسحاب أبو تريكة؟!

بدا محمد أبو تريكة، بانسحابه من الاستوديو التحليلي لقناة «بي إن سبورت» كما لو كان يوجه إشارة سلبية، لم يفهمها سوى من يستهدفهم بها فاندفعوا يهاجمونه، وذلك لأسباب بدت غير مفهومة، وإن كانت ذكرتني بما اختزنته الذاكرة من لغة الإشارة الموجهة إلى الخُرس، من زمن الطفولة السحيق!

الأخرس لغة، واصطلاحاً، هو من ولد فاقداً لحاستي السمع (أصم) والنطق (أبكم) وإذ كنت صغيراً عرفت أربعة من هؤلاء، منهم ثلاثة أخوة، رجل وامرأتان، رحمهم الله جميعاً، وكان منا معشر الأطفال من يجد لذة في التحرش بهم، من خلال وضع يده أعلى أنفه وتحريكها، وهو ما يعني تعمد توجيه الإهانة، عندئذ يفقد الأخرس صوابه، ولا ينقذ الطفل إلا الجري بعيداً مخافة أن يتم الفتك به، ومن هنا تولدت مقولات مأثورة في مجتمعاتنا التقليدية التي نشأنا فيها، بتنويعات مختلفة، عن «حك الأنف».

وكان من لا يرى فعل الطفل، تدهشه ردة الفعل، حتى يعتقد أن الرجل الغاضب به جنة، عندما يصل به الغضب مداه، وينتج عن هذا الغضب ضجيجاً مفزعاً، وهو ما ذكرني به رد فعل الأذرع الإعلامية في القاهرة، على تصرف للنجم محمد أبو تريكة، مع أن الظاهر من الفعل أنهم لا ناقة لهم ولا جمل، فالقناة «بي إن سبورتس» ليست مصرية، والمنتخب المصري لم يكن في الملاعب في هذه المباراة، وأبو تريكة ليس منافساً لمقدمي البرامج في القاهرة، وليس في نيته أن يزاحمهم في المجال، لكن على ما يبدو أنه داس لهم على جرح غائر، أو لاعب أنفه، فانفجروا فيه، ومن قناة «دي أم سي مصر» إلى قناة «تن»!

ومنذ ردة الفعل العصبية على مغادرة أبو تريكة، لاستوديو «بي إن سبورتس» ويلح علي سؤال إن كانت لغة الإشارة في مجتمعاتنا التقليدية معتمدة لدى مترجمي لغة الإشارة؟ وفكرت أن أطرح السؤال على الخبير بها ناجي زكارنة في قناة «الجزيرة» ومع أني التقيته إلا أنني نسيت السؤال. ذلك أن العصبية التي بدا عليها القوم وهم يتطاولون على اللاعب السابق، هي التي لفتت انتباهي للفعل نفسه، وليست لي اهتمامات كروية لأتابع نشاط أبو تريكة والاستوديو التحليلي لقناة «بي إن سبورتس» وعند البحث عما جرى راعني أن مواقع مصرية كتبت أن المباراة التي انسحب أبو تريكة من التعليق عليها في الدوري الأوروبي بينما كتبت مواقع أخرى أنها في الدوري الإنكليزي!

ألهذه الدرجة بلغ جهلي الرياضي؟! نعم وأكثر من هذا، فقبل سنوات، وبينما كنت استعد لقطع شارع «26 يوليو» وسط القاهرة عند دار القضاء العالي، وكان الجو حاراً ومشبعاً بالرطوبة، بينما أحد الأشخاص يعطل المرور وتسير سيارته ببطء مبالغ فيه، نظر إلي وألقى السلام، وأدهشني هذه التصرف، وتميزت من الغيظ، ضد هذا الذي يمارس الترف، ويتعامل بطريق المرشحين لعضوية البرلمان، وقد مررنا بالتجربة، وسقطنا بإرادة الناخبين، والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه!

المؤكد أنني لم أرد التحية، وتقريباً خاطبته بحدة لكي يسمح لنا بالمرور، لأنتبه إلى أن الجماهير العريضة في كل المكان، تحيي «الكابتن» وقد احتشدت لذلك، بينما الكابتن لا يهتم إلا بتحية واحد فقط هو العبد لله، ليس لسابق معرفة، لكن من الواضح أنه اعتقد لهذا التجاهل، الذي يبدو مبالغاً فيه، أنني منحاز للفريق المناوئ لفريقه، وأنني مشجع متعصب للزمالك، فعاملني معاملة المؤلفة قلوبهم!

وإذ انتبهت في الوقت الضائع فقد سألت أحد المحتشدين، من الكابتن؟ فإذا به يذكر اسم أحد «الكباتن» الكبار في النادي الأهلي. ولعل من نافلة القول، إنني لم أعرف أبو تريكة إلا بعد موقفه شديد الوطنية بالانحياز لغزة وأهلها في إحدى المباريات، وراعني أنه منذ هذه اللحظة صار مادة للهجوم عليه في بعض البرامج التلفزيونية في عهد مبارك، الذي كان يحاصر غزة، ويضيق على سكانها، ويعز على حكمه أن تنتصر حركات المقاومة على إسرائيل، فماذا لو كان يقف على الجبهة الأخرى نجماً كروياً بحجم أبو تريكة؟!

فالهجوم عليه سابق على مواقفه بعد الثورة، بيد أنه وقد أصبح بعيداً فإن الأذرع الإعلامية لا تهاجمه إلا في مناسبات بعينها، كأن يصدر حكم بوضعه على قوائم الإرهاب، أو بمصادرة أمواله، أو لتبرير عدم السماح له بالعودة للقاهرة لتشييع جنازة والده، وإن كان طبيعياً أن يفتح نشأت الديهي في قناة «تن» النار عليه في أغسطس/آب من العام الماضي، لأن أبو تريكة وضع اصبعه على أنفه، فظن القوم في الإمارات أنه يقصدهم، فكان طبيعياً أن يحتشد الديهي دفاعاً عن أولياء أمره، و»تن» ومع أنها تنطلق من القاهرة، إلا أنها قناة إماراتية شحماً ولحماً!

أبو تريكة كتب تغريدة مجهلة عن سقوط الأقنعة، الذي هو أمر مهم في سبيل تحرير فلسطين والمسجد الأقصى، وأن قضية فلسطين قضية وعي شعوب لا اتفاقات حكام أو معاهدات دول، وختمها بقوله: «التطبيع خيانة». ورفع الديهي عقيرته بالهجوم عليه، وقال إنه يقصد الإمارات؟ كيف فهم وفهموا ذلك؟ إنه التحرش بالخُرس الذي يمارسه أبو تريكة!

حياة الإنسان رخيصة

لقد اعتذر أبو تريكة عن الاستمرار في استوديو «بي إن سبورتس» اعتراضاً على استكمال المباراة مع تعرض مشجع لأزمة صحية، وقال في حيثيات قراره إن حياة الإنسان صارت رخيصة، فبدا كلامه إشارة من الأنف فهمها القوم في القاهرة فكان الهجوم، الذي بدا لي غير مبرر فأدهشني فسألت ما بال القوم؟!

لقد صرخ الديهي وهو يقول إن ما حدث من أبو تريكة ما هو إلا أسلوب اخواني رخيص لا علاقة له بالأخلاق فهو نوع من التمثيل الرخيص، قبل أن يسبه «يا منافق يا عديم المروءة» وقال عمرو أديب إنه تصرف «أوفر» ووضع السم في العسل وهو يعالج الأمر بشكل أكثر ذكاء، عندما قال إن أبو تريكة أحرج من معه، لأنه بهذا الشكل أوحى أنهم بلا قلب أو رحمة!

فعمرو يدرك أن أبو تريكة شعبيته هائلة في مصر، وقد اعترف بهذا في برنامجه، وهو أمر لا ينكره الديهي، فقال إن من لا يعجبه موقفه إلى الجحيم، (قال مفردة عامية ركيكة) لكن ليس لدى المذكور ما يخسره، فهو يخاطب مشاهد واحد في أبو ظبي (المالك) ومشاهد واحد في القاهرة، هو من يرسل الرسائل عبر سامسونغ!

لقد سألت أهل الذكر، لماذا هذا الغضب ضد تصرف أبو تريكة انسحب أو لم ينسحب؟ وكانت الإجابة لأن حديثه عن حياة الناس، وأزمات الملاعب، ذكرتهم بمذبحة بور سعيد التي راح ضحيتها عشرات المشجعين بعد الثورة، وفي ظل حكم المجلس العسكري، والاجماع منعقد على أنها جريمة تمت مع سبق الإصرار والترصد، وقد نسبها البعض للهو الخفي، أو الطرف الثالث، لكن أبو تريكة، تصرف على نحو لا تخطئ العين دلالته، عندما رفض مصافحة المشير محمد حسين طنطاوي، فلما تحدث عن حياة البشر، اعتبروا حديثه رسالة تستهدف الأب الروحي للجنرال عبد الفتاح السيسي، وللمرحلة التي كان فيها المجلس العسكري حاكماً، وكان الجنرال عضواً في مجلس الحكم.

علمنا منطق القوم!

أرض – جو:

تتفوق «الجزيرة» مباشر على نفسها في تغطية المشهد السوداني، بنقل المظاهرات والمظاهرات المضادة، وعرض آراء كافة الأطراف. ومن أبو ظبي ستنطلق قناة منافسة، لو نجحت «العربية» في منافسة «الجزيرة» ستنجح مباشر أبو ظبي في مواجهة مباشر الدوحة.

نجاح القنوات التلفزيونية لا يقوم على الشكل، فالعصر الذهبي للجزيرة، كان وهي تبث من علبة كبريت، حسب وصف مبارك، ولو كان الابهار بالشكل يفيد لكانت «سكاي نيوز» عربية و»روسيا اليوم» و»دي أم سي» على القمة!

وسوم: العدد 952