بين تخفيض المساعدات الأممية للمهجرين، وانتحار شبيحة الميليشيات الأسدية جوعا ويأسا !!

إذا كنتُ، كنتَ، كنتِ، كنا، ممن لا يستفيد من مساعدات برنامج الغذاء العالمي، التي كانت توزع على المهجّرين، بالفعل الأسدي- والتواطؤ الأممي في سورية؛ فبالتأكيد أنا وأنت وهو وهي لن نستشعر خطورة حجب هذه المساعدات عن المستفيدين منها. حجبها كلها، أو تقليصها إلى الربع أو الثلث، أو النصف..

فالطفل الذي كان فطوره نصف رغيف خبز، مع كأس من الشاي المحلى بمعلقة صغيرة من السكر، سيكتفي بعد اليوم بربع رغيف مع كأس من الماء الساخن أو البارد حيث لا فرق !!

أعلم أن بعض أصحاب الجدل سيجيبونني: خبز وماء أكل العلماء!! ولكن الحقيقة أن القضية المطروحة في هذا السياق أخطر من أن تمر عَلماء..

إن تخفيض برنامج الأغذية العالمي مساعداته للسوريين حتى النصف، قرار لا يجوز أن يمر أمام أعيننا مثل ذباب طار فذب!!

وهو قرار سياسي بامتياز قبل أن يكون قرارا إنسانيا، أو إغاثيا، أو اقتصاديا..

هو خطوة على الطريق الذي يتعاون عليه الفريق الدولي الإقليمي الذي تسبب بالنزوح والهجرة ثم ارتد عليهما..

وعلى المطوقين من الذين "يتحملون فيتجملون" أن يدرسوا الإجراء الأممي في أبعاده كافة، السياسة أولا بل الإنسانية أولا ؛ بل لم أعد أعرف كيف أرتب الأولويات، وكل واحد منها مهم وخطير..

أدركوا الطفل الصغير لا يجوع بين أظهر المتخمين. لا تقلصوا عليه كأس الشاي المحلى، وملعقة الرز المسلوق، هذه أولوية، لا تمكنوا بشار الأسد من رقاب الذين ثاروا، فتركوا الأهل والدار والكرم ومصدر الرزق؛ والتحقوا بما ظنوه دوحة للحرية والكرامة وهذه أخرى..

المهجرون في مخيماتهم هم ركائز الثورة، وحاملو عبئها، والشهود على مصداقيتها، وعفويتها ، فلا تغفلوا عنهم فتضيعوها..

هم ليسوا مادة للمساومة، ولكنهم أصحاب الثورة الحقيقيون، فلا تجعلوهم الحلقةّ الأضعف فيها.

كان من أهداف أن "حافظ وبشار الأسد" قد دمرا الأراضي المزروعة في الجزيرة السورية، على مدى أربعة عقود، أن يؤمنوا للمزارع اللبنانية، والخواجات اللبنانيين، من المستمتعين برفاهية "الشوكولامو" مليون عامل جزراوي يصلون عِيرة إلى لبنان، أيام القطاف حين العناقيد تدلى كثريات الذهب..

لا يمكن بل لا يعقل، بل لا يجوز أن تمر عملية تخفيض برنامج الأغذية العالمي، وبالقسوة التي تم فيها؛ دون أن يبادر الذين تولوا أمر الناس، إلى مبادرة ، دراسة وموقف وإجراء ومحاولة للتدارك والتلافي "هل لذناباها من تلاف؟؟!!" أي لعاقبتها من تدراك

مما أحفظ عن ألسنة العلماء فيما رووا؛ قالوا وبينا هو منهمك؛ مع تلامذته في تحرير مسألة: طرقت - أم البنين والبنات- طرقت عليه الباب بعنف، وصاحت: نفد الدقيق!! أجابها من مجلسه: "قاتلك الله لقد أطرت من رأسي أربعين مسألة"

لو كنت سأفكر بخبز الغداء ما كتبتُ هذا ضحا…!!

وفي السياق، وأنا أتابع قدر ما أستطيع الأخبار، ثلاثة من ميليشيات بشار الأسد ينتحرون خلال شهر واحد بسبب الجوع!! أحدهم قتل ابنته ثماني سنوات، وابنه ست سنوات ثم انتحر، هؤلاء المنتحرون؛ متطوعو ميليشيات وشبيحة أيضا، ربما يكون لكل واحد فينا قراءته للحدث ودلالته، ومع ذلك يشعر بشار الأسد أنه انتصر..

ويجرجر فيصل المقداد خصيتيه في المحافل ويقول لهم: إن سورية سبقت بمائة خطوة على طريق الخطوة خطوة، بمعنى أنهم ينتظرون التسع والتسعين..

بشار الأسد بالأمس يقول أعيدوا تأهيل سورية لاستقبال العائدين، ربما هو مطالب بتأهيلها لعيش الباقين..

السوري الذي تعثرت عليه الهجرة يجد في الانتحار بديلا

كتبت أكثر من مرة إن مقولة بدر شاكر السياب في رائعته الأشهر "وفي العراق جوع" مجرد قوله "وفي العراق جوع"؟ هو قصيدة حبلى بالتناقضات فكيف يجتمع العراق وأرض السواد والجوع؟؟ فكيف حين أقول وفي الشام جوع..

وفي الشام جوع ويرتع الجراد..!!

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1039