احتباس حراري واجتماعي

د. أحمد الخميسي . كاتب مصري

[email protected]

هل هناك علاقة بين ارتفاع سعر اللحم والحر الخانق ؟

. للوهلة الأولى سيبدو أنه ما من علاقة. فأية علاقة قد تقوم بين ارتفاع أسعار الجبن والخضروات والمواصلات وبين الحر الذي يخنقنا ؟! . لكن نظرة ثانية تبين عكس ذلك ، وتظهر أن ثمة علاقة ، بل وعلاقة وثيقة بين الاحتباس الاجتماعي والاحتباس الحراري ، وأن السبب في الحالتين واحد . وقد أخذ العلماء يتحدثون عن " تغير المناخ " بصفته التحدي الأول للبشرية بعدما أهلك الحر الاستثنائي العديد من البشر في الهند وباكستان وغيرها، وقالوا إن مصدر ذلك الحر المذهل هو " الاحتباس الحراري " أي ارتفاع درجة الحرارة نتيجة تغيير في سيلان الطاقة الحرارية من الأرض وإليها . وأرجعوا ذلك إلي تلوث الجو بالغازات - خاصة ثاني أكسيد الكربون -التي يشتد بها مفعول أشعة الشمس. ونتيجة لذلك أخذت تهب الأعاصير في أماكن لم تكن تهب عليها من قبل، وبدأت جبال ثلوج القطب في الانهيار، والصخور الكبرى في الانزلاق ، والفيضانات في التدفق هنا وهناك، وكلها ظواهر نشهدها بأنفسنا هذه الأيام . ويؤكد العلماء أن انبعاث ثاني أكسيد الكربون الناجم من مصانع الطاقة والسيارات والصناعات هو السبب الرئيسي للاحتباس الحراري، ويتوقع العلماء أن يزيد انبعاث ذلك الغاز في نهاية القرن بثلاثة وثلاثين مليار طن سنويا عن المعدل الحالي ، مما يعني حلول حقبة موت كبير !

وتجزم كل هيئات البيئة أن أمريكا هي أكبر منتج لذلك الغاز الذي يلفحنا بسخونته يوميا

. ولا يخطر للإنسان الذي اعتاد أن يدافع عن حجرته أولا ، ثم بيته ، ثم أهل شارعه ، ثم منطقته ، ثم وطنه ، أن يدافع عن الجو وأن يكتب بيانا إلي وكالة حماية البيئة يطالبها فيها بوقف الحر الخانق بإلزام أمريكا تخفيض انبعاث الغازات من عندها وهي التي تساهم وحدها بنسبة تصل إلي ربع انبعاث الغاز في العالم . وقد رفض الرئيس جورج بوش ( أبو الحروب ) التوقيع على اتفاقية كيوتو للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري ، كما رفض إجراء أي تعديل قانوني داخل بلاده لضبط انبعاث الغازات والحد منها . ويعود ذلك إلي أن أي التزام بالحد من الغازات سيؤدي إلي خفض الناتج الاقتصادي الأمريكي بنحو أربعمائة مليار دولار بعد ثلاثة أعوام ، مما يعني أن يقل دخل كل مواطن أمريكي بنحو ألف وثلاثمائة دولار سنويا! ويخيل لأمريكا وهي تدمر القارب الذي يجمع البشرية كلها أنها تفسح مكانا لوسادة في القارب تضع رأسها عليها ! ويحركها في ذلك بضيق أفق وأنانية دافع وحيد هو الربح، وهو الدافع ذاته الذي يجعلها تفرض علينا كل شروط صندوق النقد والبنك الدوليين بدعوى الإصلاح الاقتصادي لتضعنا أسرى لطقس الاحتباس اجتماعي الذي يغلي بسخونة الأسعار ، بحيث صرنا رهينة " الإحتباسين " بسبب اللهاث وراء اعتصار الأرباح .

وقد بدأت علاقة مصر بصندوق النقد في منتصف السبعينات حين بدأ الصندوق في مايو

1974 في تكييف الاقتصاد المصري مرحلة " الانفتاح "، حين تدخل الصندوق بالقروض لسداد عجز الميزانية ، ثم طلب إعادة هيكلة الأسعار عامة ، وألزمنا بسياسة تقوم على تفضيل الزراعة على الصناعة ، والقطاع الخاص على العام ، والأجنبي على الوطني ، والأنشطة التجارية على الإنتاجية ، وتغليب قوى السوق على التخطيط ، فوجدنا أنفسنا بعد ربع القرن ونحن في مواجهة " احتباس اجتماعي " تعيش في ظله نصف القاهرة - باعتراف جريدة الأهرام في 2 مايو هذا العام – في عشوائيات ، وبسببه يحيا 14 مليون مواطن تحت خط الفقر حسب تقدير وزير التخطيط في حديث للأهرام 22 أبريل 2005 ، بينما تقدر الدراسات – وفق بيانات الحكومة - أن عدد العاطلين يصل إلي مليوني نسمة ، وتؤكد دراسات أخرى أن عددهم بلغ ستة ملايين ، هم بطبيعة الحال من الفقراء ! أما عن حجم الأمية – حسب تقرير التنمية البشري الصادر عن معهد التخطيط القومي عام 2004 فقد وصل إلي واحد وعشرين مليون شخص !

للوهلة الأولى لا يبدو أن هناك علاقة بين ارتفاع سعر اللحم، والحر الخانق، لكن نظرة ثانية تبين عكس ذلك، وتظهر وجها واحدا في الحالتين، يتسلى برغيف الخبز وضوء الشمس.