صلاة التراويح وعدد ركعاتها
صلاة التراويح وعدد ركعاتها (1)
عبد الله سراج الدين (2)
اختلف الائمة العلماء في عدد ركعات صلاة التراويح
قال الامام الترمذي في " سننه": واختلف اهل العلم في قيام رمضان – اي صلاة التراويح- فراى بعضهم ان يصلي احدى واربعين ركعة مع الوتر وهذا قول اهل المدينة المنورة والعمل على هذا عندهم بالمدينة المنورة
قال الترمذي واكثر اهل العلم على ما روي عن عمر وعلي وغيرهما من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم عشرين ركعة وهو قول الثوري وابن المبارك والشافعي.... وقال الشافعي هكذا ادركت ببلدنا مكة يصلون عشرين ركعة .... قال احمد روي في هذا – اي عدد صلاة التراويح الوان- اي اثار مختلفة في العدد- ولم يقضي فيهم بشيء ، وقال اسحق بل نختار احدى واربعين ركعة على ما روي عن ابي بن كعب اه . كلام الترمذي في سننه .
وذهب بعض العلماء من المحدثين وغيرهم الى ان عدد ركعات صلاة التراويح هي ثماني ركعات واستدلوا على ذلك بما في البخاري وغيره عن عائشة رضي الله عنها انها سئلت كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فقالت ( ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على احدى عشرة ركعة يصلي اربع فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي اربع فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثا). اي الوتر فقلت يا رسول الله تنام قبل ان توتر فقال( يا عائشة ان عيني تنامان ولا ينام قلبي ) .
حجة من قال ان صلاة التراويح عشرون ركعة
ان ادلة جمهور العلماء والائمة الحنفية والشافعية والمالكية والحنبلية على ان التراويح عشرون ركعة هي كثيرة منها:
1- روى البيهقي في (معرفة السنن والاثار) عن السائب بن يزيد قال ( كنا نقوم في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعشرين ركعة والوتر) ... قال النووي في (الخلاصة) اسناده صحيح كما نقله القاري في ( المرقاة) وابن الهمام في (فتح القدير) .
2- روى الامام مالك في ( الموطأ) عن يزيد بن رومان انه قال ( كان الناس يقومون في زمن عمر بن الخطاب في رمضان بثلاث وعشرين ركعة ) اي مع الوتر.... واسناده قوي كما نبه على قوته في (بذل المجهود)
3- روى ابن ابي شيبة عن يحى بن سعيد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( امر رجلا يصلي بهم عشرين ركعة )واسناده قوي .
4- روى ابن ابي شيبة في ( مصنفه) عن عبدالعزيز بن رفيع قال كان ابي بن كعب رضي الله عنه يصلي بالناس في رمضان بالمدينة عشرين ركعة يوتر بثلاث ) اسناده قوي
5- روى ابن ابي شيبة عن عطاء قال( ادركت الناس وهم يصلون ثلاثا وعشرين ركعة بالوتر ) اسناده حسن
6- روى البيهقي عن ابي الخصيب قال ( كان يؤمنا سويد بن غفلة رضي الله عنه في رمضان فيصلي خمس ترويحات عشرين ركعة) واسناده حسن
7- روى ابن ابي شيبة عن نافع قال( كان ابن ابي مليكة يصلي بنا في شهر رمضان عشرين ركعة) اسناده صحيح.
8- روى ابن ابي شيبة عن سعد بن عبيد، ان علي بن ربيعة كان يصلي بهم في رمضان خمس ترويحات- اي : عشرين ركعة – ويوتر بثلاث.
اسناده صحيح ، كما نبه على ذلك كله في ( بذل المجهود شرح سنن ابي داود)
9- روى محمد بن نصر في باب عدد الركعات التي يقوم بها الامام للناس في رمضان عن زيد بن وهب قال كان عبدالله بن مسعود رضي الله عنه يصلي بنا في شهر رمضان ينصرف وعليه ليل قال الاعمش كان ابن مسعود رضي الله عنه يصلي عشرين ركعو ويوتر بثلاث
10- وروى محمد بن نصر ايضا في الباب المتقدم عن عبدالله بن قيس عن شتير- وكان من اصحاب عبدالله بن مسعود رضي الله عنه المعدودين انه كان يصلي بهم في رمضان عشرين ركعة ويوتر بثلاث
فهذه الاحاديث والاثار باجتماع بعضها الى بعض وتقوية بعضها لبعض تثبت بها حجة صحيحة وادلة صريحة على ان صلاة التراويح هي عشرين ركعة وذلك من وجوه متعددة :
1- هذه الاثار بجميعها تدل على ان عدد العشرين له اصل في عمل الجماهير من الصحابة والتابعين الذين تقدم ذكرهم وان صلاة التراويح عشرون ركعة ليس قولا ضعيفا بل جرى عليه جماهير الصحابة والتابعين كما دلت عليه الاثار السابقة
2- ان هؤلاء الائمة من الصحابة والتابعين الذين تقدم ذكرهم ليسوا بمبتدعين ولكنهم متبعون سنن النبي صلى الله عليه وسلم فمن المحال دينا وشرعا ان يصلوا في رمضان بعشرين ركعة ويؤموا الناس وتتبعهم الجماهير من الناس يقتدون بهم من المحال ان يكون ذلك من تلقاء انفسهم دون ان يكون لهم دليل ثابت عنه صلى الله عليه وسلم بعدد العشرين.
3- اتظن ان عمر بن الخطاب وابن مسعود وابي ابن كعب رضي الله عنهم ومن بعدهم من التابعين الذين تقدم ذكرهم اتظن انهم تركوا العمل بالحديث الذي يدل على ان صلاة التراويح ثمانية وصلوها عشرون ركعة من غير دليل ثابت عنه صلى الله عليه وسلم كلا وحاشاهم من ذلك بل لا بد وان لهم من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ما يثبت هذا العدد العشرين ولو لم تصل الينا روايته بالاتصال والاسناد الصحيح .
4- يؤيد ما ذكرناه ما روى الطبراني وابن ابي شيبة والبيهقي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما انه صلى الله عليه وسلم كان يصلي في رمضان عشرين ركعة سوى الوتر واسناده ضعيف ولكن الاثار المتقدمة تؤيده وتنهض به .
5- ان تمسك سيدنا عمر رضي الله عنه بالسنة ومخالفته للبدعة هو امر معروف به مشهور عنه فقد صح عنه انه لما قبل الحجر الاسود قال قد علمت انك لا تضر ولا تنفع اما والله لولا اني رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك . فلولا انه ثبت لديه عدد العشرين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان اقدم على ذلك ولما حمل الناس عليه .
6- ان سكوت الصحابة رضي الله عنهم واقرارهم لحمل عمر رضي الله عنه الناس على صلاة التراويح عشرين ركعة دليل على ثبوت هذا الامر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيما والسيدة الصديقة ابنة الصديق رضي الله عنها فان سكوتها وعدم اعتراضها دليل الموافقة على حقية فعل عمر رضي الله عنه اذ لو كان فعل عمر رضي الله عنه غير موافق لسنة النبي صلى الله عليه وسلم لاعترضته الصديقة رضي الله عنها فانه ليس جبارا يخشى من نقده واعتراضه كما يدل عليه موقفه مع المراة فقد روى الحافظ ابو يعلى باسناده عن مسروق قال ركب عمر بن الخطاب رضي الله عنه منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال ايها الناس ما اكثاركم في صداق النساء وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه والصدقات- اي المهور- فيما بينهم اربعمائة درهم فما دون ذلك ولو كان الاكثار في ذلك تقوى عند الله او كرامة لم تسبقوهم اليه فلا اعرفن ما زاد رجلا في صداق امراة على اربعمائة درهم ثم نزل فاعترضته امراة من قريش فقالت يا امير المؤمنين نهيت الناس ان يزيدوا على مهر النساء على اربعمائة درهم فقال نعم فقالت اما سمعت ما انزل الله في القران قال واي ذلك فقالت اما سمعت الله تعالى يقول" واتيتم احداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا...." الاية فقال عمر رضي الله عنه اللهم غفرا كل الناس افقه منكك يا عمر وفي رواية فقال رضي الله عنه امراة اصابت ورجل اخطأ ثم رجع فركب المنبر فقال ايها الناس اني كنت نهيتكم ان تزيدوا النساء في صدقاتهن على اربعمائة درهم فمن شاء ان يعطي من ماله ما احب فليفعل. اسناده جيد قوي.
7- ان امر عمر رضي الله عنه للناس ان يصلوا التراويح عشرين ركعة هو قول لا مجال للرأي والاجتهاد فيه فلا بد وان له دليلا من المرفوع الى النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في " الاختيار " عن ابي يوسف رحمه الله تعالى قال سألت ابا حنيفة رحمه الله تعالى عن التراويح وما فعله عمر رضي الله عنه فقال التراويح سنة مؤكدة ولم يتخرصه عمر رضي الله عنه من تلقاء نفسه ولم يكن فيه مبتدعا ولم يأمر به الا عن اصل لديه وعهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
8- اذا صلينا صلاة التراويح عشرين ركعة لا نكون خالفنا فعل النبي صلى الله عليه وسلم وسنته بل نكون حققنا العمل بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وطبقناها على الوجه الذي فهمه الصحابة من سنة التراويح فان عمر بن الخطاب وابن مسعود وابي ابن كعب رضي الله عنهم قد صلوها عشرين ركعة وهم في ذلك متبعون لسنته صلى الله عليه وسلم الثابتة عندهم فاذا صليناها نحن كذلك فقد عملنا بالسنة وفقا لما ثبت عند هؤلاء الصحابة من عدد العشرين .
9- اذا صلينا صلاة التراويح عشرين ركعة نكون قد حققنا العمل بسنة التراويح على الوجه الذي امرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال " اقتدوا باللذين من بعدي ابي بكر وعمر" رواه الترمذي وقوله صلى الله عليه وسلم " فانه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ واياكم ومحدثات الامور فان كل بدعة ضلالة"
وبهذا يعلم ان ابا بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ليسوا بمبتدعة بل هم ائمة متبعة ونحن اذا صليناها عشرين ركعة نكون وفقنا الى اتباع الحق الثابت عنه صلى الله عليه وسلم على الوجه الذي فهمه عمر رضي الله عنه وثبت لديه وحمل عليه الناس فقد روى الترمذي وصححه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" ان الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه "
وقال ابن عمر رضي الله عنهما ما نزل بالناس امر قط فقالوا فيه وقال فيه عمر الا نزل القران فيه على نحو ما قاله عمر رضي الله عنه .
فيقال لمن انكر عدد العشرين وزعم ان الحق خلاف ما امر به عمر رضي الله عنه بل الحق هو عدد العشرين كما امر عمر رضي الله عنه بذلك واقره الصحابة لان الله تعالى جعل الحق على لسانه وقلبه بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم
10- ولا يعارض في هذا ما جاء في الموطأ من ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان قد امر ان يصلي التراويح مع الوتر احدى عشرة ركعة فان هذا محمول على انه كان امر بذلك في مبدأ الامر كما ثبت في حديث عائشة رضي الله عنها الذي تقدم ثم بعد ذلك امر ان يصلوا التراويح عشرين ركعة لما ثبت عنده وعند غيره من انه صلى الله عليه وسلم صلاها عشرين بدليل استقرار امرهم عليه .
يدل على ذلك ان الامام مالك رضي الله عنه الذي روى عدد الثمانية وعدد العشرين لم يأخذ برواية الثمانية بل اخذ برواية عدد العشرين كما جاء في مختصر خليل قال ثم جعلت ست وثلاثين قال الشارح وهو اختيار مالك في "المدونة" قائلا هو الذي لم يزل عليه عمل الناس اي في المدينة المنورة
واخيرا نقول ان الذي تقدم ذكرهم من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم قد اثبتوا عدد العشرين وكذلك الائمة الاربعة ومن يلوذ بهم جميع هؤلاء امناء اتقياء ورعون متبعون غير مبتدعين فاستجهالهم والطعن فيهم او تخوينهم في النقل يؤدي الى الطعن في صميم الشريعة واحكامها لانهم نقلة الشريعة ورجال سندها .
(1) المرجع : كتاب الصلاة في الاسلام عبدالله سراج الدين – مكتبة دار الفلاح –حلب – اقيول.. ص 146-159
(2) عبدالله سراج الدين هو من كبار علماء حلب وهو علامة ومحدث وهو ابن الشيخ المحدث محمد نجيب سراج الدين الحسيني ، والشيخ عبدالله سراج الدين علم من اعلام علماء العالم الاسلامي وهو اخ في الله لسيدي الوالد الشيخ احمد الحصري " معرة النعمان" وللشيخ عبدالله سراج الدين كتب قيمة من تأليفه . قال هذا الكلام عبدالمعز الحصري كتعريف موجز عن الشيخ رحمه الله ورحم والديه ووالدينا والمسلمين. وتم طباعة هذه من قبل الفقير الى الله جميل صالح ابو حسان تبرعا بجهده لخدمة الاسلام والمسلمين والحمد لله رب العالمين.