العلاَّمة الداعية الدكتور: حسن هويدي
العلاَّمة الداعية الدكتور: حسن هويدي
يرحمه الله
د. حسن هويدي رحمه الله |
شريف قاسم |
أرفق رابط فلاش عن الدكتور حسن هويدي يرحمه الله
http://dc02.arabsh.com/i/00508/kopuxct9x4id.swf
حقيقة ... يتردد القلم كثيرا حين يشرع بالكتابة عن أبي محمد الدكتور حسن هويدي ( يرحمه الله ) . حسن هويدي الكاتب والعالم والطبيب والمجاهد والحكيم والشاعر ... وهو أهل لئن تطوق جيدَه جميع الأوصاف الربانية والإنسانية ، وهو بحق كما قال عنه بعض الإخوة الأحبة يوم وفاته : ( يا أبا محمد و أنت صنو الروح ، و ملء القلب و الفؤاد ، يا طبيباً كان جبلاً من العلم و الفقه و اللغة ، بزّ فيها كلها المختصين ، يا من كنت طبيب الأرواح قبل الأجساد ... يا فجر الجمعة الحزينة ( السابع عشر من ربيع الأول 1430هـ الموافق لـ 13 آذار 2009م ) ، أبيتَ إلا أن يكون في ساعاتك الأولى ذلك النعي الحزين بأمر من الله . أقول : أهي أحاديث دروس القرآن ، التي كان موعدنا فيها مع الأستاذ المعلم تحليقاً في عالم رباني مغدق .. ؟ أم هي حكايات السفر مع أبي محمد ، و كان فيها التعلم والاقتداء بالمعلم بدروس في الصبر و التواضع ، و البذل و الحرص على الحلال ، و الإمساك بخلق المثابرة والعمل و السهر من أجل فائدة الدعوة و العمل للإسلام ، مهما احلولكت الظروف و تعبت الأجساد ؛ فالأجساد و الحياة عنده ليست رصيداً للتمتع بزينتها وقوتها ، بل هي رصيد يصرف في سبيل الله . أم هي حكاية عمل لله قاد فيها دعوة الله في سورية ، شغل فيها نهاره ، و أسهد من أجلها ليله ، و أفرغ في طياتها وسعه وجهده ، محاولاً أبداً تقديم النصح لها و لإخوانه ، كي يستقيم لها الطريق ، و يَشعّ في النهاية وعد الفجر، الذي ما انفك أبو محمد يبشر به إخوانه ، رغم الخطوب و الأحوال غير الملائمة المحيطة بنا جميعاً : فإنا لله و إنا إليه راجعون ) .
مما لاشك فيه أن الدكتور حسن هويدي ( يرحمه الله ) كان أمة وحده ، في عمق إيمانه ويقينه بالله ، في صبره ونظرته الثاقبة التي تتخطَّى الحدود ، وبقلبه الذي يرى مالايراه المبصرون ، في دعوته إلى الله ، والذي يقرأ كتاباته التي آثر أن تكون من جوامع الكلم يرى مدى تبحره في العلوم الشرعية والكونية ، وله من الكتب المطبوعة :
1 _ الوجود الحق .
2 _ من نفحات الهدى .
3 _ محاذير الاختلاط .
4 _ الشورى في الإسلام .
5 _ مفهومات في ضوء العلم " تحت الطبع " .
6 ــــ ديوان شعري مخطوط
وهو يرحمه الله شاعر مطبوع وله الكثير من القصائد المتألقة ، نأمل أن تُطبع في ديوان بأقرب وقت ـ إن شاء الله ـ ولقد كان همُّ أبي محمد يرحمه الله الدَّارَ الآخرة ، وما أعدَّ الله فيها للأبرار الأخيار ، فهي دار الخلود ، ولاقيمة لديه لدنيا الأموال والمناصب والجاه ، فكنتَ تشعر وأنت تجالسه كأنك أمام صحابي جليل ، يرى كأن أهل الجنة يتزاورون ويسعدون ، وكأن أهل النار يتعاوون ويشقون ، لقد عرف فلزم ،فنسأل الله الكريم أن يكون فقيدنا الغالي الآن مع النبيِّن والصِّديقين والشهداء والصالحين ، ولعلَّ وصيته ( يرحمه الله ) تنبئك عن مكانة الرجل الربانية ، يقول في وصيته : (بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه ) .رواه البخاري ومسلم . وصيتي : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور ، وأوصي أهلي جميعا أن يتقوا الله ، ويصلحوا ذات بينهم ، ويطيعوا الله ورسوله ، ويوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا ، وأوصيهم بما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما أوصى به إبراهيم ويعقوب عليهما السلام : ( يا بنيََ إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) .
وأوصي بما يلي :
1- أوصي أن يحضرني عند الوفاة ، إن أمكن ، من تتوسمون بهم الصلاح ، يذكرونني بحسن الظن بربي عز وجل وبرجاء رحمته ومغفرته ، كما يذكرونني بكلمة التوحيد ، ليكون آخر كلامي من الدنيا : لا إله إلا الله محمد رسول الله .
2- وأوصي إذا خرجت روحي إلى بارئها أن يغمض عيني من حضرني ، ويدعو لي بالخير ، فإن الملائكة يؤمنَِون على ما تقولون وتدعون عند الميت .
3- وأوصي الجميع بأن لا يُلطم علي خدٌ ، ولا يشق جيب ولا يناح ، فقد تبرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصالقة والحالقة والشاقة .
4- وأوصي الجميع بمسامحتي ، ولا أذكرُ أن لأحد عليَ دينا حتى كتابة هذه الوصية ( عدا بعض ما يخص بعض رواتبي بين تقديم وتأخير ، فيجب أن يضبط حسب القيود التابعة لذلك بحيث لا يبقى بذمتي شيء إن شاء الله ) .
5- وأرجو أن يتولى تغسيلي وتكفيني من يتوسم به الصلاح وأن يعجََل بدفني وأن يكون ثمن كفني من مالي الذي تركت .
6- وأوصي بأن ادفن في البلد الذي متُُ فيه ، وأرجو أن يجعل الله وفاتي في المدينة بجوار الحبيب صلى الله عليه وسلم .
7- وأوصي من يضعني في اللحد أن يقول : ( بسم الله وعلى ملة رسول الله ) وأوصي أن يمكث الحضور بعد دفني قليلا وأن يسألوا الله لي التثبيت والمغفرة والرحمة .
8- وأوصي أن لا يبنى قبري باسمنت ولا جبص ولا رخام ولا يُرفع عليه بناء .
9- وأوصي أبنائي و بناتي ببرَِ والدتهم ، وأن يتعاونوا جميعا على البر والتقوى ، وأن يبتعدوا عن المنازعة والاختلاف ، وأن يحرصوا على صلة أرحامهم ، ويستوصوا بأصهارهم خيرا ، وأن لا يحرموني من الدعاء وقراءة القرآن ، وجزى الله الجميع عني كل خير .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ) . وقد كتبها في شهر شعبان عام 1426هـ .
أجل أوصى فأحسن ، ورحل فأبكى العيون ، وأدمى القلوب ، رحل وهو في العربة فاشرأبت ديرالزور خاصة والبلاد الشامية عامة تستطلع النَّبأ ، وحين تيقنت من أمر وفاته ــ يرحمه الله ــ طوت باكية شاكية لله مُرَّ الأيام ، وقسوة الفراق ، رحل فانتحبت أفغانستان ولم تنس زيارته لها أيام الجهاد ، رحل فذهل الكثيرون في بلدان الأرض من شرقها إلى غربها ، وفاضت عيونهم بسخين الدموع ، رحل وما زالت روابي المدينة المنورة ومكة المكرمة تذكره ، وتبكي روحه الطاهره ، لم يُثقل على أحد في أي أمر كان ، يقول أحد الإخوة الذين رافقوه : ( ومع أنه لو أراد، لكان ضيفا مرحبا به عند كثيرين من أهل الخير والضيافة في مواسم الحج. لكنه أبى أن يرزأ أحداً في مركب أو مأوى أو نفقة. فكان يصعد "عرفة" في سيارة أحد معارفه السوريين البسطاء فجر اليوم التاسع من ذي الحجة. وحيث وجد مكانا بين مئات الآلاف نصب خيمة صغيرة، يقسمها بساتر من قماش إلى قسمين، يشغل نصفه هو ومن يرافقه من أصحابه، ويشغل النصف الآخر نسوةٌ تكون زوجه أم محمد إحداهن. وعندما يقترب وقت العصر ينشط في الدعاء هو ومن معه ويبقى في ذكر الله إلى قبيل الغروب ) . ويقول آخر : ( وإذا كان هذا الداعية المجاهد قد غاب عنا بجسده ليلحق بالرفيق الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء (ان شاء الله تعالى) فإن سيرته العطرة ستظل مشعلاً يضيء للأجيال اللاحقة طريق الهداية والنور طريق الثبات والصبر على القيم والمبادئ النبيلة والأخلاق القويمة التي أرسى أسسَها نبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم وهاجر من أجلها وضحى في سبيلها بالغالي والنفيس حتى أتاه اليقين، فقد هاجر الفقيد الراحل من بلده سوريا منذ عقود مضت مؤثراً حياة التنقل والشتات في أصقاع الأرض مرفوع الرأس منتصب الهامة عالي الجبين على حياة الذل والخنوع والتثاقل إلى الحياة الدنيا حتى وافته المنية وهو في هجرته هذه ليقع أجره بإذن الله على ربه سبحانه وتعالى {ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله...} النساء:100
كان همه الذي لا يفارقه طيلة حياته هو شؤون المسلمين، وما ألمَّ بهم من كوارث ونكبات على أيدي أعدائهم فكان يرحمه الله يتفاعل مع كل قضية من قضاياهم فترى آثارها بادية على وجهه لا يهدأ له بال ولا يقر له قرار ساعياً قدر استطاعته للتخفيف من آثارها على إخوانه في العقيدة والدين. وكانت للقضية الفلسطينية مكانة خاصة في قلبه ووجدانه فهو يعتبرها كغيره من المخلصين الصادقين، قضية أمة بأكملها لاقضية شعب فقط وان التفريط بها خيانة للأمة ومقدساته. لقد أمضى الليالي باكيا متضرعا إلى الله أن يلطف بأبناء غزة أيام العدوان عليها من قِبل الصهاينة الأشرار لعنهم الله ، بمباركة من بعض الحكام في المنطقة ، وجميع الدول الاستعمارية الغاشمة . وكان يقول في شكواه ونجواه مع الله : اللهم لانملك إلا الدعاء ، وأنت أرحم الراحمين ...
إن الحديث عن أبي محمد ذو شجون ، ولقد مضى بهدوء ، مقبلا على الله سبحانه وتعالى ، والحديث في سيرته العطرة محببة ، ولا تكفي مثل هذه الكلمات ، ولعل الله ييسر لتلك السيرة العطرة مَن يبحر في الآفاق التي تألق فيها فقيدنا الغالي في العلوم الشرعية والكونية ، وفي حكمته وورعه . وفي حرارة الأشواق التي سمت به ــ يرحمه الله ــ حبا لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، ولعل قصيدته الرائعة (( قرة العين )) تضع القارئ الحصيف أمام أوسع بوابات الأشواق والأذواق التي كان يعيشها فقيد سوريا خاصة ، والعالم الإسلامي عامة ، ولعلنا نقف على قصائد أخرى من شعره ( في فترة قريبة بعون الله ) ، لنرى مافي صدره الكبير من همٍّ على أمته ، ومن شوق إلى لقاء ربه .