البيت المسلم-3

د. خالد أحمد الشنتوت

البيت المسلم

3

إصلاح البيت المسلم

د. خالد أحمد الشنتوت *

[email protected]

كي يغير الله حالنا ويخرجنا من الوهن الذي نعيش فيه منذ مدة طويلة، ينبغي أن نغير أنفسنا، فنخرج عن الأنانية، والفردية، والإقليمية، وحب الدنيا، وغيرها من الأمراض المعشعشة في الفرد المسلم المعاصر، الذكر والأنثى، وإصلاح الفرد المسلم يتطلب أن نبدأ بإصلاح البيت المسلم، لأن الفرد لايوجد بدون أسر، والأسرة  سابقة على الفرد في الوجود ،والبيت يقع ضمن تغيير الأنفس، لأن الفرد المسلم    ( ذكراًوأنثى ) يقدر على هذا التغيير، والبيت هو الخلية الاجتماعية الأساسية، تماماً كما نقول في علم الحياة ( البيولوجيا) أن الخلية الحية هي الوحدة الأساسية في بناء الكائن الحي، سواء كان نباتاً أو حيواناً أو جسد آدمي، كذلك الأسرة هي الخلية الأساسية في تركيب المجتمع، وكلما كان البيت المسلم قوياً قدم لنا جيلاً صالحاً قوياً، وكان المجتمع قوياً كذلك .

ومن المهم أن نعرف أن البيت مجتمع مصغر، فيه أمير ورعية، وفيه شورى وعدالة، وفيه كباروصغار، ورجال ونساء، وفيه يتدرب الفرد المسلم( ذكراً أو أنثى ) على الحياة الاجتماعية السليمة والقوية ... ومن شروط البيت المسلم القوي أن تكون له إمارة، وأميره هو الأب كما سنرى .

 البيت المسلم المعاصر :

ومن المؤلم أن نتحدث عن البيت المسلم المعاصر، لنجد فيه من الأمراض المزمنة، التي تعيقـه عن أداء رسالته في بناء المجتمع المسلم، ومن أمراضه المعاصرة : قـوامـة المرأة خلافاً لما أراد الله عزوجل، وإذا كنا صرحاء مع أنفسنا اعترفنا بذلك، ومنذ أجيال تنشأ كثير من الفتيات المسلمات المعاصرات في بيت تقوم عليه امرأة، فتنغرس لديها هذه الحال، لذلك تتفرعن عندما تتزوج وتسلك شتى السبل كي تسيطرعلى زوجها، ويذعن الزوج ــ أعانه الله ــ بعد أن يرزق منها أطفالاً، كما يشجعه على الإذعان أن معظم البيوت تتفرعن فيها المرأة، ومن جراء ذلك صار تعدد الزوجات من سابع المستحيلات؛ بعد أن كان أمراً عادياً في المجتمع المسلم، ونسمع الآن عن ملايين العوانس في العالم العربي، ناهيك عن العالم الإسلامي، لأن تعدد الزوجات انقرض أو كاد عندما صارت المرأة هي القوامة على الرجل ...

وأول ما يقال عن هذا البيت الذي تفرعنت فيه المرأة، وتسلمت قيادته رغباً ورهباً، كما قال رسول الله r [ لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة]([1])، حتى الأولاد الذكور في هذا البيت سوف تسيطر عليهم زوجاتهم في المستقبل، وهكذا يستمر هذا المرض إلى ما شاء الله .  

ولابد من الإشارة إلى بيوت يسيطرعليها الأب سيطرة ( ديكتاتورية )، لاتراعي منطقاً ولاعقلاً، فقط لأنه رجل يجب أن تكون كلمته هي المسموعة في البيت، وهذا الحال ليس من القوامة في شيء، بل هو تسلط واستبداد، أما القوامة الصحيحة فلا تخرج عن نطاق الشورى، والتفاهم والتعاون، وهناك قضايا يسلمها الأب لزوجته، ولا يتدخل فيها،والأب المسلم والأم المسلمة مفطوران على الشورى، بعيدان عن الاستبداد والفردية، ويتشاوران أمام الأولاد فيكتسب منهم الأولاد هذه الصفة الإسلامية للفرد المسلم ، فالشورى صفة للفرد المسلم ، قبل أن تكون للدولة المسلمة .    

 - قوامة الرجل في البيت المسلم:

 روي عن رسول اللـه  rأنه قال :[ إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم ]([2])، قال العلماء: إذا كان الأمر باتخاذ أمير في السفر، فإنه في الحضر أولى ؛ لأن شئون الحياة في الحضر أكثر وأوسع، والحاجة إلى الأمير أشد مما هي في السفر .

والبيت مجتمع صغير، ثلاثة أو أكثر، ولابد له من أمير، والأب أميره، وليــست الأم لأن اللـه عـزوجــل يقــول :{الرجال قوامون على النساء بما فضل اللـه بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم }[ النساء :34 ] . والزوجة المسلمة تتقرب إلى اللـه عزوجل بطاعة زوجها، فعن أبي هريرة t أن رسول اللـه r قال : (( لو كنــت آمر اً أحداً أن يســجد لأحد لأمرت الزوجة أن تســـجد لــزوجها )) [ أخرجه الترمذي برقم  1159، وصححه ] والسجود تمام الطاعة، أي أن الزوجة لا تخالف زوجها، وتطيعه في غير معصية اللـه عزوجل .

وقوامة الأب في الأسرة من القيم الإسلامية الأساسية، ويجب على الأم المسلمة أن تكون قدوة حسنة لبناتها، فتغرس في نفوسهن فضيلة الانقياد للزوج عندما يصبحن أمهات في المستقبل . وقوامة الرجل في الأسرة صفة أساسية من صفات الأسرة المسلمة، الأسرة المتزنة التي تقدم للأمة جيلاً صالحاً، لذا يجب على البيت المسلم أن يربي بناته على قوا[3]مة الرجل، وهذه بعض المعالم علها تساعده في هذه المهمة .

          1- إذا طلب الأطفال من أمهم أمراً ما ( كالذهاب إلى الحديقة مثلاً )، فلا بد أن  تتريث في اتخاذ القرار بمفردها، وعليها أن تقول لهم : نستأذن أباكم عندما يعود إلى البيت، فهو أميرنا، وإذا سمح لنا نذهب كما تريدون، ومع تكرار التلقين تنغرس هذه القيمة المزدوجة عند الأطفال وهي :-

أ - طاعة الأولاد لأبيهم، وعدم الخروج من المنزل إلا بإذنه ومعرفته .

ب - طاعة الزوجة لزوجها، وترسيخ مبدأ قوامة الرجل عند البنات في الأسرة .

          2- تطلب إحدى صديقات الأم منها زيارة صديقة ثالثة لهما فتجيبها الأم على مسمع من أولادها وبناتها سأطلب من زوجي إذناً فإن وافق لي ذهبت معك، وعندما تطلب هذا الإذن يفضل أن يكون أمام الأولاد، فإذا سكت لا تلح عليه، وتعتذر  لصديقتها أمام أطفالها ( بالهاتف) بأن زوجها لم يسمح لها . وتحرص الأم على أن لا تخرج من البيت بدون إذن زوجها .

          3- عندما يأمر الأب أفراد الأسرة بأمر ما، تسارع الأم إلى تنفيذ الأمر، لتكون قدوة صالحة أمام أطفالها، وحثهم على سرعة التنفيذ، وعندما يشعر الأطفال بذلك يتربون على معنى قوامة الرجل في الأسرة .

          4- تلقن البنات في البيت المسلم هذه القيم الإسلامية مثل الآية الكريمة{ الرجال قوامون على النساء } والأحاديث الشريفة التي تؤمر الزوجة بطاعة زوجها .

 وهكذا يتضح لدى الأولاد أن أسرتهم ( مجتمعهم الصغير ) له أمير واحد ( وهو الأب )، وأن طاعة هذا الأمير واجبة، وتتقرب أمهم إلى اللـه بهذه الطاعة، فيقلد الأولاد والبنات أمهم، ويتقربون إلى اللـه بطاعة والدهم .

ويأمر الأب الأولاد والبنات بطاعة أمهم، ويبين لهم ثواب اللـه على ذلك، وكلما سمع الأم تطلب شيئاً من أحد الأولاد؛ يبادر الأب إلى القول: أطع أمك واحرص على رضاها فيرضى اللـه عليك . وهذا تدريب على طاعة أوامر الأمير فيما بعد .

ولنا عودة إلى الموضوع عندما نتحدث عن الطاعة في البيت المسلم أساس البيعة في المجتمع المسلم ..


 

               

كتوراه في التربية

[1] - فتح الباري في شرح  صحيح البخاري ( 7/732) وغيره .

([2]) سنن أبي داود (3/2496)، وجامع الأصول (5/18) وقال الأرناؤوط إسناده حسن .