ِسيكولوجية الجماعات الإسلامية..!

صالح خريسات

ترتكز الجماعات الإسلامية، في علاقاتها مع العالم الغربي، ومع أنظمة الحكم السياسية ، على استقطاب جماهير الشباب، في سن الفتوة، وتنظيمهم في صفوفها . ثم تبدأ معهم، مسيرة الإعداد و التأهيل، بوسائلها المتعددة ، وأهمها، تعليمهم الارتباط بالجماعات الإسلامية، حيثما كانت ، ارتباطاً واعياً ، منظماً، متيناً، مبنياً على عاطفة صادقة ، وثقة بالنفس عظيمة .

 وتهدف هذه الوسيلة، إلى تحقيق لذة الشعور، بقوة الجماعة، لدى جيل الشباب، إلى جانب الشعور، بقوة الذات التي تستمد قوتها، من الله، فإذا انفرط عقد الجماعة، أو منعت من الاجتماع، لأسباب أمنية، لم يفقد أفرادها، مقوماتهم الذاتية، و لكنهم مع ذلك، يعودون إلى التجمع من جديد، على أساس عقيدتهم، لعلمهم بأن عباداتهم، منفردين، لا تكون كاملة، ما داموا قادرين على التجمع، فيد الله مع الجماعة، و الصلاة مع الجماعة، فضلها أكبر. بل إن بعض العبادات، قائمة على التجمع، كالحج مثلاً، و صلاة الجمعة، و صلاة العيد ، وغيرها .

 وتعمل الجماعات الإسلامية، على تربية الفتى، على الاعتزاز بالله أولاً، ثم رفض الذل، و الضيم، والهوان، مهما كان مصدره، فالله أكبر من كل كبيرة، وأعظم من كل عظيم، بيده رقاب الجبابرة، يقصمهم متى شاء، وبيده الموت، و الحياة، و الرزق، و الملك، و الجاه، و السلطان، فمن اعتز بغير الله ذل ، و المسلم القوي، خير من المسلم الضعيف ، فلا ظلم، ولا استعلاء، و لا استغلال، ولا استعباد ، ولا تفريق بين الطبقات ، و الكل تحت لواء الله ، والله لا يرضى لعباده الظلم، ولا يحب الظالمين .

 و الجماعات الإسلامية، لا تقف عند حدود الأرض، أو الحزب، الذي تعمل فيه، فهي تعمم التعامل مع البشرية جمعاء، و هي مع كل الجماعات الإسلامية، أينما كانت، تؤيدها ، و تناصرها، و تقدم لها العون و المساعدة، فهم أخوة في الله، و الأجنبي في نظرهم ، يمتاز بالأنانية البغيضة، و الجشع، و الغش، و الخداع، و ربما قتل الناس، و نهب أموالهم، و خيراتهم، و احتلال بلادهم بالقوة، فلا بد من إعلان الحرب ضده، في كل مكان وزمان، و الجهاد فريضة على كل المسلمين، ما دام هناك أجنبي محتل، أو دولة معادية للمسلمين ، أو أنظمة لا تقيم شرع الله ، في أرض الله ، فالحاكمية لله وحده .

 وتؤكد هذه الجماعات، في نفوس أتباعها، إن القوة المستمدة من قوة الله، لا تقهر أبداً ، وأن الثقة المستمدة من الثقة بالله، لا تتزعزع أبداً، و النور، هو من نور الله، الذي لا ينطفئ، و الله متم نوره، ولو كره الكافرون، وأن إصدار الأوامر، والنواهي، من خصائص الله وحده، وكل من سمح لنفسه، بالتشريع، أو أطاع غيره، في غير ما شرع الله، فقد أشرك بالله، و تجب محاربته " اتخذوا أحبارهم، ورهبانهم، أربابا من دون الله " " أم لهم شركاء، شرعوا لهم من الدين، ما لم يأذن به الله " .

 وتنادي الجماعات الإسلامية ، ضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية، في كل البلاد الإسلامية، و تتجلى مبادئ الشريعة، في الأمر، و النهي، و التحريم ، و التحليل ، والإباحة ، و الحظر ، و الحدود ، و العقوبات ، و القصاص ، و الإرشاد في أساليب البيع، و الزواج، و غيرها من أمور الحياة .

 و تدعي هذه الجماعات، أن تداول أحكام الشريعة، على المستوى الاجتماعي، في حلقات الوعظ ، و خطب المنابر، يجعل من هذه الأحكام، أعرافاً اجتماعية ، و عندما تتولى السلطة، تنفيذ أوامر الشريعة، تصبح تعاليمها سلوكاً سياسياً، تسلكه الدولة في جميع رعاياها، فتقطع يد السارق ، وترجم الزاني ، و تمنع الخمر ، و التبرج ، و الخلاعة ، و الظلم ، و البغي ، و تراقب الباعة ، فتمنع الاحتكار و الغش ، وتشرف على التعليم، و ترسل الدعاة إلى الله ، وترفع راية الإسلام ، وتوجه الإعلام، توجيهاً إسلاميا يقوم على نشر الوعي، بأحكام الإسلام، و مبادئه، و قيمه، وفضائله .

 و تعتمد الجماعات الإسلامية، في إعداد أتباعها، أسلوب الحوار القرآني و النبوي، لإيقاظ العواطف و الانفعالات . وهذا الأسلوب، له أثره، في نفس السامع ، أو القارئ ، الذي يتتبع الموضوع بشغف و اهتمام، فيحتقر صفات غير المسلمين، و أعمالهم، و تصبح هذه الانفعالات، عاطفة متأصلة، في نفس الناشئ، عن طريق التكرار، و التوجيه ، و التلقين المباشر .

و الحوار يكون في سبيل الإقناع، و إقامة الحجة، و هو يكثر في القصص القرآني، و مواقف الرسل، و الأنبياء، و بخاصة ما واجهه نبي الإسلام، من قومه، و صبره على آذاهم، ثم إعلانه حالة الحرب عليهم، في غزوات و معارك كثيرة ، انتهت بانتصار المسلمين، و انتشار الإسلام .

 وتساعد هذه القصص، في إثارة عواطف الانفعالات، كالخوف، و الترقب ، و الحب ، و الكره ، ويتم توجيهها، حتى تلتقي عند نتيجة واحدة، وهي نهاية القصة ، فتوجه حماسة القارئ، أو المستمع، نحو الجهاد ضد الشرك، أو محاربة الفساد، و الضلال ، و السعي إلى مناصرة المسلمين، حيثما كانوا، باعتبارهم مستهدفين في دينهم ، و دنياهم ، وشعار هذه الجماعات :" ولا تأمنوا لغير دينكم " " إن الدين عند الله الإسلام" .

 ويتربى الناشئ في هذا الجو المشحون، على كراهية الباطل، و الأفكار الشركية، و الإلحادية، و تفاهة هذه الأفكار، و بطلانها، و يتعلم أن الدين كله من عند الله ، ومن يقبل غير الإسلام ديناً، فلن يقبل منه، وتجب محاربته .

 وليس في المجتمعات البشرية، أمضى عزيمة من المؤمن بقدر الله، فهو يمضي قدماً فيما عزم عليه، دون توقف، أو تردد، أو خوف، ليقينه بأن جميع الظروف، و الاحتمالات، التي يمكن أن تكون غير واقعة في حسبانه، هي مما وقع في علم الله و قدره ، وان الله مؤيده ، ويتعلم عدم الندم، أو التحسر، على ما فات، فإن ما حصل،هو ما كتب الله له ، ولا اعتراض على قدر الله .

 فلا يمكن لنفس أن تموت، إلا بإذن الله، بعد أن تستوفي اجلها، الذي كتب الله لها ، وأن الله ينصر رسله ، وينصر الذين آمنوا، ويرحمهم، وينجيهم من المآزق و الكروب، وأن المؤمنين كلهم، أمة واحدة، والله واحد، وهو رب الجميع ، و الرسول هو القدوة، وهو الزعيم الشرعي الوحيد، لأمة الإسلام .

 وقد ظل المسجد على امتداد قرون خلت ، وسيطة التربية الأولى ، إذ يستمدون منه السكينة، و القوة، و العون ، و يعمرون قلوبهم بشحنات جديدة، من الطاقات الروحية ، وعواطف الكره و البغضاء، للظلم و الطغيان. كما ظل المسجد، منطلقاً للجيوش وحركات التحرير، وكانوا حين تعصف بهم نكبة، أو نازلة، يعتصمون بالمسجد، كما حدث عند الغزو الصليبي الأول، وكما حدث في معظم الحركات التحريرية، ضد المستعمرين، الذين وطئت جيوشهم، معظم البلاد الإسلامية . فالثورة السورية مثلاً ، انطلقت من المساجد المنتشرة في المدن السورية ، والثورة الجزائرية أيضاً، انطلقت من الكتاتيب، و المدارس في المساجد، وكذلك حركات التحرير الإسلامية، في الباكستان و غيرها .

 لذلك كله ، وجدنا الجماعات الإسلامية، تركز على مواقف الخلفاء الراشدين، و الصحابة، والتابعين ، وسير الأبطال، و المشهورين من الرجال و النساء ، الذين أبلوا في المعارك، و الحروب، التي خاضها المسلمون، ضد أعدائهم ، في إشارة منها، إلى ماضي المسلمين و أمجادهم .

 وتستخدم هذه الجماعات، اللغة للتأثير في مسار العقل، و التفكير الصحيح ، وهي تأمل أن يقتبس المسلمون، صور الماضي البطولية، في حربهم مع الغرب، في العصر الحديث . وعلى الرغم من أن التاريخ الإسلامي ، اعتمد الرواية في سرد الأحداث، واعتمد المعجزات و الخوارق، في صنع النتائج، وعلى الرغم من أننا، لا نستطيع التمييز بين الحقائق، و الأساطير، فان الجماعات الإسلامية، ترفض التشكيك في صحة ما ورد عن السلف ، وما زالت توهم المسلمين، إمكانية اقتباس الماضي ، ظناً من أنهم " المسلمون" سيغلبون أمم الأرض، بالسيف، و الترس، أو العمامة، و الحجاب . وفي واقع الحال، ليس كل ما في التاريخ الإسلامي، قيماً و إيجابياً ، فالتناقض من طبيعة الأشياء، ومن غير المعقول، أن يكون الماضي خالياً تماماً من المثالب, والتاريخ الإسلامي في جوهره، تعبير عن موقف إنساني، وقفه المسلم ـ ابن زمانه ـ في عصره ، فعبر به، ومن خلاله ، عن شخصيته ، فالماضي ليس من صنعنا نحن، و أمجاده لا فضل لنا فيها، و إنما تتمثل أمجادنا، فيما نفعله نحن، و نحققه، فما الذي قدمناه للحضارة الإنسانية و العلمية ؟!.