نقض المنطق السلمي
محمد أحمد الراشد مفنداً حجج السياسيين السنة
للحزب الإسلامي في العراق
علي عبد العال
صحفي مصري/ القاهرة
تكمن أهمية الكتاب في أن مؤلفه كان "من جملة من أفتى الحزب الإسلامي" بدخول مجلس الحكم الذي شكله الحاكم الأمريكي، بول بريمر، ثم المشاركة في العملية السياسية، لكنه لما وجد الخلل يكمن في التصوّر العام الذي كونه السياسيون السنة في العراق، أخذ على عاتقه نقض هذه التوجهات وتفنيد حججها.
فقد شعر الكثيرون من أبناء السنة بالسخط الشديد من مواقف الحزب تجاه قضاياهم المصيرية، خاصة مع تعرضهم المستمر للقصف الأمريكي، والاقتحامات والاعتقالات والمطاردات من قبل القوات الحكومية، فضلاً عن عمليات القتل والتهجير الطائفية التي لحقت بهم على أيدي المليشيات، وتوالي خسائرهم أمام مكاسب الشيعة ووقوع البلاد تحت نير الاحتلال.
ومنذ تبنيه النهج السلمي للاحتلال، وفشل السياسات التي تبناها، لقي الحزب الذي يتزعمه نائب الرئيس العراقي (طارق الهاشمي) معارضة شديدة من قبل القوى والعشائر السنية، تعاظم معها رفض نتائج العملية السياسية، ومثلت "الاتفاقية الأمنية" التي أيدها الحزب مع إجراء بعض التعديلات، القشة التي قصمت ظهر البعير، فخرجت عدد من الفتاوى من قبل جهات وعلماء معتبرين تحرم هذه المسالك، وعلى رأس الجهات جاءت "هيئة علماء المسلمين" التي أكدت في فتواها 14/10/2008 أن هذه الاتفاقية "باطلة ومحرمة شرعاً" وأن من يجيزها أو يمضي عليها من الساسة سواء من كان منهم في السلطة التنفيذية أو التشريعية فانه "يعد مفرطاً في المصالح العامة للأمة، وغير محترم لإرادتها" وبالتالي فانه يقع في "إثم الخيانة لله ورسوله والمسلمين" من أبناء الشعب العراقي وغيرهم".
ثم أصدر الدكتور عبد الكريم زيدان ـ العالم الإسلامي البارز أستاذ الشريعة الإسلامية ورئيس قسمها في كلية الحقوق بجامعة بغداد سابقًا ـ فتواه 23-10- 2008م حول الاتفاقية جاء فيها : "إن المقرر في الفقه الإسلامي والمتفق عليه بين الفقهاء انه أذا احتل بلد مسلم وجب شرعاً على أهل هذا البلد وذي السلطة أخراج هذا المعتدي المحتل، وهو ما يسميه الفقهاء بـ :جهاد الدفع". وبناء على ذلك وحيث إن أمريكا احتلت العراق وهو بلد مسلم فقد "صار واجبا شرعيا عينيا على كل مسلم" القيام بهذا الدور.
ثم أصدر الشيخ محمد الراشد فتواه 23/10/ 2008 التي اعتبرت الاتفاقية :"تطعن خاصرة الإسلام، وتستمر في ظلم المجاهدين"، وبذلك يستمر وصفها المذموم ويتضح عنصر الضرر فيها، "ولا يمكن تأويلها بخير، بل هي منكر وحرام في عقيدة التوحيد وأحكام الشرع ومفهوم القانون الدولي، والقانون الدستوري، بل وفي الأعراف والأخلاق، ولا مجال لنا غير الإفتاء بحرمة التوقيع عليها وإثم مَن يقترف ذلك من البرلمانيين والوزراء ورجال الدولة الرؤساء".
نقض المنطق السلمي
وكان المفكر الإسلامي محمد أحمد الراشد (عبد المنعم صالح العزي) ـ وهو أحد أبرز قيادات الإخوان المسلمين في العراق، وواحد من أهم منظري الحركة الإسلامية ـ قد سبق فتواه بكتاب "نقض المنطق السلمي" في إشارة إلى منطق الحزب الإسلامي من الاحتلال والمليشيات المسلحة، وهو نقض فقهي ومنطقي وعُرفي لما أسماه "تهاونات العملية السياسية السلمية الإسلامية في العراق". وجاء الكتاب عقب عدد من المقالات والكتابات تناولت نقد المنهج المهادن للسياسيين.
وفي كتابه دعا الراشد إلى ظهور الحركة الإسلامية (الإخوان المسلمون) في العراق إلى العلن، في شكل تيار جديد، يعلن تأييده للمقاومة باعتبار ذلك خيار استراتيجي، وينتقد منطق السياسيين ومحاولتهم إبعاد المقاومة عنهم.
وقد ساق الداعية الإخواني والعضو البارز في الحزب الإسلامي عشرات الحجج فند فيها تبريرات هؤلاء الساسة، مؤكداً في البداية أن العملية السياسية التي وصفها بـ "الباردة" متورطة بديون كبيرة للعراقيين، متمثلة في الدماء التي سالت برصاص الطائفية، والاغتيالات والشهداء الذين تساقطوا في ساحة الجهـاد، وبجمهرة السجناء المظلومين، وكتلة المهجرين، وغربة النساء والأطفال.
وفي نقضه يشير إلى الخطأ الجسيم الذي ارتكبته العملية السياسية السنية، وهو ابتعادها عن المجاهدين، وبذلك حَرمت نفسها من قوة ضاربة تحميها في الوقت الذي نزلت فيه الأحزاب الطائفية والكردية إلى ساحة العمل السياسي بمليشيات وفيالق مسلحة، ولذلك صار النزول أعزل بالنسبة للعملية السياسية السنية، فلم يحترمها أحد، "وهذا هو السر في النجاح الأميركي والحكومي بتحريك فرق الاغتيال" لقتل أتباع رجال العملية السياسية كلما لمسوا منها بعض الاعتراض، فتهرب إلى الإمام و"تطلب من كافر وفاسق بعض الحماية".
ورد الرجل على زعم الساسة بأن التحسن الأمني في البلاد هو من إنجازهم، وأن سياستهم نجحت، في حين أن الأمر لم يكن كذلك، خاصة وأن هذا التحسن أفضى إلى طرد السنة من بغداد على أيدي ميليشيات القتل "وجعل أكثر سكانها شيعة"، وبقاء بعض مناطق السنة في بغداد بيد أهلها إنما حصل من خلال "إسناد المجاهدين لهم، وليس هو من إنجاز الساسة".
ومن هذه التحليلات التي استدرجت هؤلاء لمزيد من الثقة بطريقهم السلمي، ذهابهم إلى أن أمريكا بدأت تفسح المجال لإشراك أهل السُنة في الحكم بعد سنواتٍ من امتناعها، وأنها اقتنعت بضرورة التوازن بين الفئتين، إقراراً بالواقع العراقي المنقسم.. وهو تحليل خاطيء لاشك.
وفي تعريجه على أداء النواب الإسلاميين داخل البرلمان العراقي ذهب الراشد إلى أن أداءهم يدور في مدار ظني: "وتغلب عليه العلاقات الدبلوماسية والمجاملات والسكوت"، ومن ثم ندرت الكلمات الصريحة، "وما لمثل هذا النمط أيدنا العملية السياسية، بل أردناها أن تكون وكيلة عن أحاسيسنا وغضبتنا فتصدع بالحق وترفع الصوت".
وقد أرجع المفكر الإسلامي سبب كل ذلك إلى تأويلات غلط وتحليلات رآها السياسيون فسوغوا لأنفسهم المنطق المهادن، كما سوغت لهم الانفراد بالرأي، واتخاذ المواقف دون مرجعية دعوية، وحجتهم أنهم وجدوا أنفسهم في مشروعٍ واسع "أكبر من الجهاد والمقاومة"، وليس كذلك الحال "فإن الأمور لا تقاس بالأحجام والمساحات وعلو صوت الضوضاء"، وإنما بالوزن النوعي ودرجة الصلابة المعدنية، و"الجهاد بهذا الاعتبار أثقل، وكتلته أكثف".
نقض موقف الحزب من الاتفاقية
وانتقد المفكر الإخواني موقف الحزب من "الاتفاقية الأمنية"، معتبرها ذروة الأخطاء التي يرتكبها ساسة الحزب الإسلامي، قائلاً "وعندما بلغ الأمر الذروة بتسويغ منطق التوقيع على الاتفاقية صارت الصراحة واجبة"، لأنه يرى أن ذلك "خطأ محض" تحمست له السياسة، وتجازف المجموعة البرلمانية السنية بالموافقة عليها، والشبهة أن "التوقيع هو نوع من الولاء لكافر"، في حين أن "التقوى تأمر بالتعفف والتورع والتوقف في موطن خلافي تتداخل فيه الحجج"، والـمَخرج عند الفقهاء يكون بالاحتياط، ومن استبرأ من الشبهات فقد استبرأ لدينه وعِرضه، "ولعِرض الدعوة وسمعتها، ولعِرض أهل السُنة وتاريخهم، ولعِرض الأحرار في العالم كله، واختراق محارم الله بالظنون إثم ، وخذل الجهاد جُرم"، خاصة وأنه لا ضرورة للانحشار في زمرة الذين يوالون أميركا ويوقعون لأغراض أخرى تخصهم.
وقد شرع الراشد في تفنيد الحجج التي يستندون إليها في تبرير إقرارهم لهذه الاتفاقية، فمن مطالعة سريعة لمتن الاتفاقية يتبين أن "جوهرها الرئيس هو تقنين الاستعمار" بمنحه قبولاً في القانون الدستوري العراقي، وهو ما يترتب عليه أن يتحول وجود الاحتلال إلى حالة وجود قانوني، بموجبها تقيم القوات الأمريكية وجيوش المرتزقة الملتحقة بها في قواعد عسكرية عديدة، تختارها في البلاد وتنطلق منها لمحاربة المقاومين.
وفي جانب من الاتفاقية أنها عقد مصالحة وإبراء ذمة وإخلاء طرف للأمريكيين، وهو ما يعني هدر جميع الدماء والأموال وأنواع العدوان التي ارتكبتها أمريكا في العراق. وفي الاتفاقية جانب آخر من السوء، وذلك أن مادتها الرابعة تمنح الجيوش الأمريكية الحق الكامل في ملاحقة ومحاربة (تنظيم القاعدة والمجموعات الإرهابية الأخرى والمجموعات الخارجة على القانون وفلول النظام السابق) حسب نصها. يقول الراشد : "وهو نصٌ خطير، لأن كل الفصائل الجهادية بزعمهم وزعم الحكومة هي مجموعات خارجة على القانون، وفي عداد المجموعات الإرهابية، وهذه أوصافٌ عامة ليس فيها تحديد وتفصيل، بل كل مقاوم يمكن أن تلحقه إحدى التهمتين"، أن يكون خارجاً على القانون الذي صارت هذه الاتفاقية بعضاً منه وجزءاً لا يتجزأ، أو أن يكون إرهابياً، بل حتى المعارض سلمياً يمكن أن يوصف عندهم بالإرهابي. كما أن المادة الرابعة في الاتفاقية تجيز إقامة القواعد لقتال المجاهدين، يقول الراشد : "وذلك يكفي في قيام حكم الحُرمة، لأنّ العدو احتلنا قسراً، فهو معتدٍ علينا، ولا يجوز تمكينه، قولاً فصلاً بإجماع الفقهاء".
ومن الحجج التي يسوقها السياسيون من أصحاب المنطق السلمي المهادن، أن القوات الأمريكية موجودة فعلاً، وليست الاتفاقية هي التي تأتي بها، بل هي واقعٌ والاتفاقية تـُلغي عموميته وتحجمه! يقول الراشد : "وتلك مغالطة، أولاً لأن الجيوش الأمريكية ما أرادت القواعد لتنحصر فيها ولا تتجاوز أسوارها، وإنما هي معسكر استعداد واختباء من سلبيات الحياة اليومية، ومن هذه المعسكرات تخرج عند الحاجة لتعيث فساداً في كل أرض العراق" بل هذه حالة تعفيها من واجبات تحقيق الأمن لتتجرد لملاحقة المقاومين.
نقض موقف الحزب من المقاومة
ومن أخطاء العملية السياسية أن أصحابها أخذوها في ظل استرسال سريع في "العمل السلمي" وصل إلى حد زعمهم أنه الأفضل من مقاومة العدوان، وأن "السلمي" كفيل بتحصيل نتائج ملموسة على الأرض، وهو "تصور خاطئ وباطل" ـ حسبما يرى الراشد ـ انتهى بالساسة إلى "تعطيل الجهاد"، ومعاداة المجاهدين والتحريض عليهم. وكان المفروض في العملية السياسية أن تتواصل مع المقاومة وتكون وكيلة لها، وأن تتعامل بالحسنى مع المجهادين، وأن لا تزعم احتكار العمل، بل تفتح باباً يوحد عملها مع المكاتب السياسية للمنظمات الجهادية "يتطور إلى عملية نهيٍ سلميٍ عن منكر الاستعمار، ومنكر الحكومة الطائفية، ومنكر الميلشيات الحزبية، ومنكر التدخل الإيراني، ومنكر الانفصال وتقسيم العراق، ومنكر الاتفاقية الأمنية، ومنكر التلاعب بالامتيازات النفطية"، ولكن العملية السياسية مشت على استحياء أمام هذه المنكرات الغليظة، وقال البرلمانيون فيها قولاً ليّناً مختصراً، بل كانوا إلى السكوت أقرب.
ومن وجوه الانحراف عن الموضوعية في ثنايا جدل السيـاسة والقـتال، قولهم: إن القتال لم يحقق النتائج المرجوة منه.. وهذه "حَيدةٌ عن المرجعية الشرعية التي توجب الجهاد"، كما يقول الرشد. وفي جدل تفضيل العملية السياسية قول السياسيين إن : الجهاد يفتقر إلى مشروع سياسي واضح لحكم العراق وإدارة أزماته، وهذه "شبهة ترتد على العملية السياسية أيضاً، فإن مشروعها مجموعة رؤى إجمالية وتعميمات ليس فيها تفصيل وتخصيص، والعذر قائم للجهتين في ظرفِ عراقٍ مضطرب وانفلات أمني وتصارع حزبي".
وفي أواخر حُججهم: أن المشروع الجهادي ينبغي أن يكون تابعاً للمشروع السياسي، وليس العكس، وأن ذلك هو عُرف العالم والحركات التحررية، وذلك "قول صحيح، ولكن متى ما كان المشروع السيـاسي وفيـاً للهدف، حريصاً على التزام حكم الشرع في الجهاد، صلباً لا يبدي اللين، آخذاً بالعزائم لا يميل إلى الرُخَص".
ومن الشبهات التي يتعلق بها السياسيين، أن الجهاد ألهى أهل السُنة عن استثمار الوضع وتطوير محافظاتهم، بل وخرّبها بسبب المعارك وردود الفعل الأميركية القاسية، بل وأدى إلى استشهاد زينة شباب أهل السُنة، فضعفت قضيتهم، بينما الأكراد وأحزاب الشيعة تجانسوا مع الاحتلال وبنوا محافظاتهم وطوروها وانهالت عليهم منح التنمية من مختلف الدول. يقول المفكر الإخواني: "وظاهر هذه الشكوى يوشك أن يُقلَق المجاهد ويجعله يعيد حساباته، ولكن استرجاع مجموعة القيم الإيمانية والشرعية وإعادتها إلى الذاكرة يعصم بإذن الله من نكوصٍ وإدبارٍ بعد الإقدام، ويؤكد للمجاهد صواب اختياره وامتثاله للأمر الرباني ويجعله ثابت القدم".
فإن الجهاد وإن لم يستطع إجلاء المستعمر إلا أنه مستمر في محاولته، والإثخان في العدو حاصل، وبالصبر وطول النَفَس نأمل أن نصل إلى النصر وإجبار العدو على إعلان جدول انسحاب مسجل لدى الأمم المتحدة، فلماذا خذل هذا الجهاد طالما أنه مستمر؟ وعلى فرض توقفه: أفليس من شأن الأمم والشعوب الحرة أن تعيد المحاولة إذا فشلت في المرة الأولى؟ والجهاد فريضة شرعية وأمر إسلامي وعمل إيماني ومجاراة لأعراف الحرية والانعتاق من ربقة الظلم والاستبداد، فيكون الراضي بالاتفاقية خصماً للمعنى الإسلامي، فإن الجهاد هو الحل الوحيد، كأمر رباني، ومفاد منطقي عقلاني.
ويؤكد الرشد أن الجهاد العراقي إذا استطاع أن يُديم وتيرته القتالية الجادة ويربي المجاهدين على الصبر لسنوات أخرى، فإن السلبيات ستتراكم على باب البيت الأبيض وتجعل أميركا تجثو على ركبتيها. معتبراً أن انتصار الجهاد سوف لا يحرر العراق فقط، بل سيعصم كل العالم الإسلامي، بل كل دول الأرض، من مغامرة أميركية مثيلة، وسيكشف خاصرة إسرائيل ويسهل طعنها، والسياق الحضاري الاستراتيجي يدل على ذلك، فصار من اللائق أن يكون أهل السُنة في العراق هم الفداء والقربان الذي تقدمه الأقدار من أجل إنقاذ العالم كله من الغطرسة والعولمة الأميركية، "وليكن الفقر، وليكن الحرمان والتهديم وفوات الأموال وحصول القتل والاعتقال ما دمنا سنـنجز هذا الإنجـاز الضخم ونكون قدوة للشعوب كلها، مسلمها وكافرها، ولأيتامنا الله تعالى"، وسيسجل المعرفيون أن الانعطافة الكبرى في مسار التاريخ العالمي حققها أهل السُنة في العراق بقيادة المجاهدين والدعاة، ولكن أصحاب منطق السلم لا يدركون ذلك، لأنهم يستعجلون .. ! ولا يفهمون "نظرية الحركة الحيوية" وأن هذه الانعطافة التاريخية هي تحريك للحياة لصالح الإسلام وستكون هي "الحادثة الهازة" كما يسميها الراشد.
نقض موقف الحزب من القاعدة
أفرد الراشد عدد من النقاط التي تضمنها كتابه "نقض المنطق السلمي" تناول فيها الحديث عن تنظيم "القاعدة" كفصيل مقاوم للاحتلال وموقف القادة السياسيين في الحزب الإسلامي منه، في ظل الحالة العدائية القائمة بينهم وبين التنظيم، وقدم المفكر الإخواني وجهة نظر مخالفة تماماً للموقف التحريضي الذي يتبناه الحزب من القاعدة باعتبار أن الخلاف بين المقاومين ودعاة الإسلام وبين تنظيم القاعدة "خلاف داخلي نحله بالحسنى" على طريقة عمر بن عبد العزيز رحمه الله حين جادل الخوارج وأوضح لهم خطأ عقيدتهم، فتاب معظمهم ورجعوا إلى الحق، "من دون استعانة بالكافر الأمريكي الذي له غايات أخرى".
بل وذهب الراشد أبعد من ذلك في مخالفة نهج الحزب الإسلامي الذي ينتمي إليه بالقول: "ونحن نعتقد أن الغالبية العظمى من جنود القاعدة أبرياء من بدعة التكفير ويمكن أن يتوبوا"، أما طريق الاتفاقية "وتسليط الكافر المستعمر" وتفويضه قتال القاعدة، فهو خطأ وانحراف عن "أحكام الشرع وآداب الإيمان وأعراف الفروسية الموروثة".
وحول ما يوجه للتنظيم من تهم الاغتيالات والسيارات المفخخة أشار المفكر الإخواني إلى عدم ثبوت هذه التهم عليهم، إذ أن العراق تحول إلى ساحة مفتوحة لكافة أجهز المخابرات فعاثت فيه فساداً، وقتلت واغتالت وفجرت دون أن تجد من يردعها، "وهناك دلائل كثيرة تشير إلى أن المستعمر نفسه يفجر السيارات ثم ينسبها إلى القاعدة، في أداءٍ لئيمٍ يتنـافى مع أخلاق الحروب"، والجهاد الأصيـل بريءٌ من أذى المدنيين، "ومنظماته البطولية ماضيةٌ في دربها الجهادي الواعي الرفيع، ولئن انطلت اللعبة الأمريكية على الناس لوقت فإنها عادت فانفضحت".
لكن الراشد لم ينس أن يقر ببعض أخطاء وقع فيها المقاومون، قائلاً : إن "ما نفعله من نقد العملية السياسية الإسلامية الواهية لا يعني أبداً وجوب سكوتنا عن أخطاء المجاهدين، وعلى المنظمات الجهادية ضبط أفرادها الميدانيين ومراقبتهم وحسابهم"، لكنه يؤكد أن ذلك لا يمكن أن يسوغ الاستعانة بالمحتل الأجنبي لقتال المسلمين وإن بدى منهم انحرافات وأخطاء.
ولعل من دلالات كتاب الراشد "نقض المنطق السلمي" أنه يشير إلى ما يمكن أن نسميه "تمايزات" داخل حركة الإخوان المسلمين في العراق، وهي تمايزات فكرية في الأساس وإن كانت تؤصل لتمايزات سياسية وحركية يمكن أن تظهر مستقبلاً، كجزأ من ارتباك باتت تعرفه الحالة الإخوانية على مستوياتها الفكرية والحركية بشكل عام.