كلمة موجهة إلى المهتمين بالشأن السوري
في أعقاب مؤتمر المعارضة السورية الذي عقد في الرياض مؤخرا
اليوم، و كما هو الحال في أعقاب المؤتمرات الدولية، التي كانت تعقد من أجل مناقشة القضية السورية، نشطت الأقلام، و كثرت التحليلات و غطت الأخبار الصحف اليومية – الورقية و الالكترونية-حتى بدا و كأن المسألة السورية هي القضية الني تشغل المجتمع الدولي و أن تلك المؤتمرات التي كان آخرها مؤتمر الرياض قد تكون على درجة من الأهمية، و قد تؤدي فعلا إلى خلاص مرتقب للشعب السوري المبتلى بحاكمه.
و الذي يستعرض المؤتمرات التي عقدت من أجل القضية السورية سابقا أو لاحقا يلاحظ أنها تتسم بسمات ثلاث هي على التسلسل:
السمة الأولى: حماس كبير، يتبعه حجم أكبر من التصريحات و الإعداد المسبق، يكاد يشعر المواطن السوري من خلاله بقرب الخلاص من أزمته الراهنة.
السمة الثانية: فعاليات كبيرة يتبعها لقاءات و ندوات و تصريحات تجعل المواطن السوري يستهلها و يباركها كونها تشكل بالنسبة له نافذة خلاص من معاناته الطويلة و الممتدة لأكثر من نصف قرن و هي الفترة التي حكم خلالها أسد الأب و الابن الدولة السورية.
السمة الثالثة: الشعور بالخيبة و الانكفاء على الذات بعد العواقب غير المرضية لما يجري في سرٍ أو علن، و كله يحوك ضد المصلحة السورية التي بدت كفريسة بين مجموعة من المتوحشين.
و نرمز بالمتوحشين إلى مجموعة من أرباب المصالح المتشابكة و المتداخلة، وقد بدوا حريصين جدا على وجودهم العسكري في المنطقة، و على دعمهم اللامحدود للقوى التي يعتقدون أنها قد تكون رديفة أو مساعدة على الحفاظ على مصالحهم. و الضربات الروسية في سورية اليوم تعبر و بدقة عما نذهب إليه من تحليل.
ففي أعقاب مؤتمر المعارضة السورية الذي عد مسبقا من قبل بعض الكتاب بداية النهاية للمشكلة السورية تطفو على السطح و بسرعة صورة العصي التي توضع في عجلات ذلك المؤتمر و صورة الأنياب الزرقاء التي تقطر حقدا و تآمرا على الشعب السوري بعامة. يتقدمها الصلف الروسي المزهو بآلته العسكرية و الذي يريد صراحة الشطب على فعاليات مؤتمر المعارضة من خلال طلبين رئيسين:
الأول: يرفض الحديث عن حكومة انتقالية يقرر فيها الشعب السوري رغباته و طموحاته التي ثار من أجلها. و هي رغبات و طموحات تتمحور حول الحرية و الديمقراطية و مكافحة الفساد و الحياة الكريمة في ظل حكومة عادلة.
و الثاني يبقي العصا الغليظة التي تتمثل بالجيش و القوات المسلحة و منها الأمن في قبضة النظام ، و هي القبضة التي كانت ولاتزال ملطخة بالدماء منذ وجد ذلك النظام و إلى الآن. و ما قتل أكثر من أربعين ألفا في حماة وحدها سنة 1982 منه ببعيد.
و الصلف الروسي لو توقف عن حدود دوره العسكري في سورية لكانت المسألة سهلة. فالشعب السوري وحده كفيل بأن يلوي ذراعه، و أن يخرجه من سورية صاغرا. لكن المسألة تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، إلى دبلسة التآمر و فبركته و إعداده و إخراجه بالطريقة التي يرونها أكثر فائدة لمخططاتهم الملتوية و غير الواضحة.
فمؤتمر أصدقاء سورية يجتمع في باريس و ينفض، و كيري بعد ذلك مع لافروف في موسكو، و لقاء نيويورك الجمعة المقبلة و كل ذلك ليس أكثر من حلقة من حلقات التآمر ضد سورية و شعبها وثورتها المقدسة بشكل خاص، بل و الوجود العربي بشكل عام.
إن الحلف الروسي الإيراني لم يعد كما كان سابقا يعمل في خفاء بل في علن، و قد أصبحت تصرفاته كلها واضحة و مفهومة سواء أكان ذلك على الساحة السورية، و هو يلقي حممه على المدنيين و الأطفال من الشعب السوري ، أم في أروقة التآمر و المؤتمرات. وقد دلت خائنة الأعين على ما في تلك الأعين من خيانات، و الطروحات و التصريحات و هي معلنة تؤكد ذلك، و تدل عليه.
و الذي يوضع على المحك اليوم (الصديق الأمريكي) الذي يزعم أن صداقته مع العرب استراتيجية، و أنه لايزال يساوم على السلام من منطق القوة، و أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أعلنه الرئيس ولسن في أعقاب الحرب العالمية الثانية لازال حيا نابضا بالحياة، و أن مصالحه في المنطقة العربية عزيزة و غالية عليه و لا تقبل المقايضة مع أية مصالح أخرى في أية منطقة كانت من العالم، وبدون استثناء.
فعلى ( الصديق الأمريكي) أن يفهم اليوم أن المطامع الإيرانية ذات الصبغة التوسعية و المذهبية تشكل خطرا على العرب و الغرب معا، و على السلام الدولي الذي يعد اليوم مهددا أكثر من أي وقت مضى، ليس من قبل الشعب السوري ا المتهم ظلما و عدوانا بالإرهاب، و إنما من قبل الدول الحاضنة للإرهاب و الراعية له، و المهيئة لأسبابه و بواعثه. و لا نظن أن السيد أوباما أو السيد كيري يحتاجان إلى التعريف بالدول الحاضنة للإرهاب، أو بالإرهابيين حقيقة، و قد لُقِّنوا ذلك و حفظوه حتى قبل أن يولد الإرهابيون.
_______________
أ.د.عبد العزيز الحاج مصطفى
مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية
وسوم: العدد 647