فوبيا الازمة
ان مصطلحي الفوبيا والازمة هما اكثر المصطلحات التي تتلائم مع المرحلة التي نعيشها في كوردستان بصورة خاصة وفي والشرق الاوسط بصورة عامة، حيث ان كل الاحداث تسير وفق نسق تؤثر سلباً على الحالة النفسية للفرد وينتج عن ذلك الخوف من كل شيء وعلى كل شيء دون تحديد او وضع جغرافية تستثني شيء عن اخر، والفوبيا كما هو مُعَرَف اصطلاحياً: هو مرض نفسي ويعني الخوف الشديد والمتواصل من مواقف أو نشاطات أو أجسام معينة أو أشخاص. هذا الخوف الشديد والمتواصل يجعل الشخص المصاب عادة يعيش في ضيق وضجر. فوبيا القلق (أو الخوف اللامنطقي) يكون فيها المريض مدركا تماما بأن الخوف الذي يصيبه غير منطقي، فوبيا الخوف تتميز عن الأنواع الأخرى من أمراض القلق اللامنطقي، بأنها تحدث في مواقف متعلقة بأشياء أو ظروف معينة.. وبذلك يصبح الفوبيا احدى اهم سمات العصر لدينا، بل ويمكن ان نقول بانها احدى اهم مرتكزات الحياة التي نعيشها.
لاسيما ان وضعناها تحت مظلة الاحداث التي تعصف بنا من كل جانب وعلى جميع الاصعدة، والتي بالتالي تجعلنا نعيش بين الفوبيا والازمة ومن ثم تتحول مسارات حياتنا كلها الى حلقات رعب متوصلة يفرضها الفوبيا من كل شيء يتخللها الازمات التي تأتي لتؤكد على مسارات الفوبيا وتناغمها الداخلي والخارجي معاً فالازمات كما يعرفها الدكتور الخضيري تعبر عن موقف وحالة يواجهها متخذ القرار في احد الكيانات الادارية نعني بها هنا ( الاسرة) تتلاحق فيها الاحداث وتتشابك معها النتائج، ويفقد معها متخذ القرار قدرته على السيطرة عليها، او على اتجاهاتها المستقبيلة. ما تؤدي الى خلق حالة من الصدمة التي تعد في تفاصيلها احدى الصور الناقلة للازمة، وذلك لكونها تعني شعوراً فجائياً حاداً ينتج عن تحقق حادث غير متوقع الحدوث، او مطلوب احداثه او سلم حدوثه، وهو شعور مركب بين الغضب والذهول والخوف، وهذا بلاشك مسلك مهم لولوج الفوبيا في اواصر الحياة لدينا، باعتبار اننا نعيش على فوهة بركان يتحرك بين الفينة والاخرى ليقذف ببعض شرره الى الواقع فيحدث ما لايتوقعه الفرد، وبالتالي يعيش حالة من الذهول والغضب وينتج عنهما الخوف على المستقبل فيضطر الى القيام باعمال يدرك بانها احترازية لاتقيه الا مؤقتاً لكنه يقدم عليها ضمن تكتلات اجتماعية اوسع وبالتالي تتحول الحالة او الموقف الى ظاهرة سلبية تعصف بالكثيرين خوفاً ويجعلهم يعيشون فوبيا الازمة على جميع الاصعدة.
ولأن احدى الخصائص المعروفة للازمة هي المفأجاة والمباغتة غير المتوقعة والتي تؤدي عادة الى حالة من الارتباك والشلل قد يصاحبها قدر من التوتر والفزع مع تلاحق الاحداث وتتابعها، فأن الفوبيا المرافقة لها تصبح هي الاخرى عنصراً اساسياً ضمن دائرة محركات الوعي الفردي من جهة، ومسببات توسيع رقعة الازمة من جهة اخرى، ومن ينظر الى واقعنا في كوردستان بتمعن سيجد بأن الفوبيا من الازمة اصبحت تحرك كل شيء وفق تداعيات لامنطقية، ومع ذلك نجدها تسبب فوضى عارمة تهدد في الكثير من المرات موجبات الامان والاستقرار الداخلي للفرد وللاجتماع.
ولعل الاحداث العامة على صعيديه الداخلي والمتمثلة بالصراعات الحزبية والحرب على الارهاب الداعشي وما يتوجبه من قلق وخوف، والاحداث الاقليمية سواء داخل كوردستان الكبرى او في دول الجوار كلها مكونات هامة في هرمي الفوبيا والازمة، مما يؤثر سلباً على الاوضاع الداخلية، وتفرض ايديولوجية مغايرة عن ما يتطلع اليه الفرد والاجتماع، وبالتالي تخلق حالة من الرهبة المفاجأة والتي تحولت بمرور الزمن الى رهبة مزمنة تنفجر جراء اي حادث داخلي او خارجي فتتحول الى ظاهرة سلبية تهدد كل مسببات الامان والاستقرار كما تؤثر على الحالة النفسية للفرد والاجتماع معاً.
ولأن نفسية الفرد تعيش وفق تداعيات الفوبيا من الازمة فانها تكون جاهزة لاستقبال اي عارض مفاجئ وتحوله بعملية سريعة الى خبر سلبي وتبثه عبر قنواتها واتصالاتها محدثة بذلك فوضى واضحة، ولعل ما يحدث في كوردستان وبالاخص في بعض محافظاتها اثناء سماع اي خبر عن انقطاع الطرق الخارجية او توقف ضخ الوقود حتى ليوم واحد من الخارج ( تركيا- ايران) خير دليل على ذلك، حيث يهرع الناس بسرعة الى محطات الوقود وكأن حرباً على وشك الحدوث وان الوقود مهدد بالانقراض، فيقفون لساعات في طوابير بشكل يثير القلق اللاممنطق ويثير الفزع من الحالة نفسها، وهذا الخوف اللامنطقي يسبب قلقاً مزمناً للفرد والاجتماع، ويحدث شرخاً نفسياً واسعاً، بحيث تصبح النفس مهيئة دائما لاستقبال هكذا عوارض وتفرزها بصورة سلبية دون القيام بمحاولة احتوائها وجعلها ممنطقة وفق الحاجات والظروف، ودون التفكير بآليات تساعدها على تجاوز الموقف والحالة، وانما نجدها تندمج بصورة تلقائية مع الفوبيا الازموية في كل الامور لتتحول تلقائياً الى فوبيا شمولية تحول كل خبر او كل حادث الى ازمة حقيقية، يعيش الفرد والاجتماع وفق تداعياتها ومطعياتها اللاممنطقة وضمن دائرة القلق اللامنطقي، وهذه الحالة لم تعد مقتصرة على اهالي كوردستان حصراً بل نجدها تقتحم حياة الفرد في الكثير من بقاع الارض لاسيما في مناطق الشرق الاوسط التي تعيش حالة من اللاامان واللا استقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والنفسي ايضاً بسبب الاحداث التي تعصف بها وتحول مناطقها الى ساحات صراع داخلية وخارجية تؤثر بكل نتائجها على الفرد والاجتماع المنصاع قسراً لنتائج الصراع.
وسوم: العدد 648