السياسة بلا قيم أخلاقية إسلامية عبارة عن مقامرة
قرأت مقالا لأحدهم على موقع هيسبريس ذي التوجه العلماني أو المتعاطف مع العلمانية حسب حجم المادة المنشورة فيه، والتي تدخل في إطار الإشهار والدعاية لهذه العلمانية ينتقد قرار حزب النهضة التونسي فصل ما هو دعوي عما هو سياسي ،ويعتبرذلك مجرد مراوغة من هذا الحزب خوفا من نفس مصير حزب الحرية والعدالة المصري على غرار مراوغة حزب العدالة التنمية المغربي من قبل و الذي أعلن انفصاله عن "حركة الإصلاح والتوحيد "الدعوية ، وعلى غرار حزب العدالة والتنمية التركي الذي أعلن فك الارتباط مع حركة " خدمة " الدعوية .ويحشر صاحب المقال كل هذه الأحزاب التي يصفها بأحزاب الإسلام السياسي في دائرة حركة الإخوان المسلمين . ومعلوم أن الحركات الدعوية وظيفتها توجيه الأمة على اختلاف شرائحها دون استثناء إلى القيم الإسلام الأخلاقية . ولا يمكن بحال من الأحوال منع المنتمين إلى هذه الحركات من ممارسة حقهم في العمل السياسي ، وهو حق كل شرائح المجتمع . ومن الطبيعي أن يؤثر الجانب الديني والأخلاقي في من يمارس السياسة . ولا توجد سياسة بدون قيم إما دينية أخلاقية أو لا دينية ولا أخلاقية . ولكل حزب سياسي قيم تعتبر مرجعيته . ولا يعقل أن توصف مختلف الحركات الدعوية في العالم العربي والإسلامي بالتبعية لحركة الإخوان المسلمين لمجرد اعتماد تلك الحركات منهجا دعويا قد يتقاطع مع منهج حركة الإخوان المسلمين دون أن تنصهر فيها كليا كما يعتقد البعض خصوصا الذين لهم تصفية حسابات مع ما يسمونه أحزاب الإسلام السياسي من العلمانيين والليبراليين وغيرهم . ولقد ورد في كلام صاحب المقال صراحة بأن أحزاب الإسلام السياسي حسب نعته لها أحزاب مستبدة تقصي غيرها، وتهدف إلى إقامة ما سماه دولة الخلافة انطلاقا من مقولات مؤسس حركة الإخوان المسلمين الحسن البنا ، ومثل لذلك بخضوع الرئيس المصري محمد مرسي الذي انقلب عليه السيسي للمرشد العام لحركة الإخوان ،كما مثل لذلك بما سماه استبداد الرئيس التركي طيب رجب أردوغان . ويشكك صاحب المقال في موقف حزب النهضة التونسي الذي أعلن فصل الدعوي عن السياسي واعتبر ذلك مجرد تكتيك كما كان الحال بالنسبة لحزبي العدالة والتنمية في المغرب وتركيا . ولست أدري لماذا سكت صاحب المقال عن الإسلام السياسي الإيراني الذي يهيمن فيه الفقيه الولي على مقاليد السلطة ، وهو نموذج يقتدي به حزب الله اللبناني الذي يرفض وجود سلطة سياسية في لبنان دون هيمنته على السلطة ، ويتذرع في ذلك بما يسميه سلاح المقاومة ضد الكيان الصهيوني ، كما يقتدي به الحوثيون في اليمن ، ويقتدي به شيعة العراق . ومعلوم أن ما ينسب لمنظر حركة الإخوان المسلمين المصرية والمؤسس لها وهو الدعوة إلى فكرة الخلافة الإسلامية هو نفس ما يهدف إليه شيعة إيران ،ومن يسير في فلكهم في لبنان والعراق واليمن ، وهو إقامة دولة الولاية الإسلامية الشيعية التي ينوب فيها الفقيه الولي عن الإمام الغائب ، فلماذا يتم التحذير من الأحزاب السياسية ذات المرجعية الدينية السنية ولا يحذر من مثيلاتها ذات المرجعية الشيعية ، وقد انكشف أمرها بشكل واضح حيث تريد دولة إيران التوسع في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وهي متورطة عسكريا في هذه البلدان التي تتعامل معها كأقاليم أو مقاطعات تابعة لها ؟ إن التشكيك في نوايا الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية السنية حين تصرح بفصل الدعوي عن السياسي يدخل ضمن تصفية الحسابات وضمن الصراعات السياسية بينها وبين الأحزاب الليبرالية والعلمانية لأن هذه الأخيرة ترى أن المرجعية الإسلامية التي تتبناها الأحزاب المنافسة لها من شانها أن ترجح كفتها في الانتخابات لأن الناس لهم الثقة في الإسلام ،ومن ثم يثقون فيمن يتخذه مرجعية بسبب قيمه الأخلاقية السامية ، والناس يراهنون ويصوتون على القيم الإسلام الخلقية وليس على الأحزاب والهيئات والأشخاص . وقد تنحرف الهيئات والأحزاب والأشخاص عن قيم الإسلام الخلقية دون أن يكون ذلك باعثا على شك الناس في هذه القيم الإنسانية السامية . وإن الذين يخوضون العمليات الانتخابية وهم يصرحون بمرجعية إسلامية حين يثق الناس فيهم فإنما يثقون في المرجعية لا في الأشخاص في حد ذاتهم . فالناخب حين يصوت على شخص يوصف بالإسلامي في لغة السياسة المتداولة اليوم فهو ينتظر منه النزاهة والاستقامة ونظافة اليد والإخلاص في العمل وتقديم الصالح العام على المصالح الشخصية ... إلى غير ذلك من السلوكات التي توجهها المرجعية الإسلامية . فإذا حصل من هذا الشخص ما يناقض هذه المرجعية فإنه يتحمل وحده مسؤولية انحرافه بل يوصف بالانتهازي الذي يستغل الدين ويوظفه لخدمة مصالحه السياسوية ويخدع الناس بالدين فينخدعون له . وكما أنه يوجد في الواقع من يتبنى المرجعية الإسلامية في الحقل السياسي، فيكون انتهازيا ومخادعا ، فإنه يوجد في المقابل من يتبنى هذه المرجعية وهو يحترمها ولا يأتي من السلوكات ما يقدح في شخصه . ومعلوم أن الذين يرفضون وجود أحزاب ذات مرجعية إسلامية إنما يمارسون حملات إشهارية ودعائية لأحزابهم الليبرالية أو العلمانية أو غيرها بحيث لا يحاسبون أنفسهم على مرجعياتهم في حين ينتقدون أصحاب المرجعية الإسلامية تحديدا . والناس لا يقبلون على وضع الثقة فيمن لا تحكمه قيم الإسلام الأخلاقية والتي من شأنها أن تكبح جماحه ،فلا يأتي المشين من السلوكات . ومعلوم أن السائد بين الناس أن المتهافتين على الانتخابات غالبا ما لا تحكمهم الضوابط الخلقية فيستغلون مناصبهم لتحقيق مصالحهم الخاصة ، وكثرون هم الذين خاب ظن الناس فيهم وافتضحت انتهازيتهم ، ومنهم من وقع تحت طائلة العدالة بسبب ذلك . وقد يوجد في المنتخبين اللبراليين والعلمانيين من لا يتورط في جريمة استغلال المنصب، لكن هذا لا يعني أن كل الليبراليين والعلمانيين أصحاب أياد نظيفة كما أن المنتخبين المحسوبين على ما يسمى الإسلام السياسي ليسوا جميعا أهل استقامة، ذلك أنه كما ينحرف الليبرالي والعلماني عن قيم الإسلام الخلقية قد ينحرف من يدعي المرجعية الإسلامية أيضا إلا أن فكرة فصل الدعوي عن السياسي إنما هي مغالطة مكشوفة التهافت لأن السياسة جزء من الحياة العامة التي لا يمكن أن تستغني عن التوجيه الدعوي الذي هو مشروع تربوي يربي الناس على قيم الإسلام الخلقية . ومعلوم أن القيم الأخلاقية الإسلامية هي تعاقد بين الخالق سبحانه وتعالى وبين الخلق، وليس بين الخلق فيما بينهم فقط كما هو الشأن بالنسبة للقيم غير الإسلامية . فشتان من لا يأتي مخارم الأخلاق استجابة لأمر الخالق و يعتبر سلوكه في كل مجالات وآفاق الحياة عبارة عن عبادة تعبده بها ربه جل وعلا ، وبين من لا يأتي تلك المخارم بدافع غير دافع العبادة وإن كان السلوك واحدا . وبناء على ذلك لا يمكن للسياسة أن تكون غير خاضعة للقيم الخلقية ، علما بأن أصحاب الاتجاهات الليبرالية وغيرهم والعلمانية يدعون أيضا أن سياستهم مخلقة . وتمسك هؤلاء بفكرة فصل العمل الدعوي عن العمل السياسي عبارة عن تكتيك سياسي لا ينطلق من مرجعية أخلاقية بل من مصلحة سياسية . ومعلوم أن التيارات السياسية والحزبية في العالم العربي كلها خطبت ود ثورات الربيع العربي ، وتنافست في ذلك كأشد ما يكون التنافس ، واشتد حنق الأحزاب الليبرالية والعلمانية على الأحزاب الإسلامية حين راهنت عليها الشعوب العربية إثر ثوراتها على أنظمة محسوبة على التيارات الليبرالية والعلمانية وغيرها . وبلغ الحنق درجة تحريك فلول تلك الأنظمة ثورات مضادة لسحب البسط من تحت أقدام الأحزاب الإسلامية مخافة أن تنجح في تحقيق أهداف ثورات الربيع العربي وخروج الأمة العربية من قيود أنظمة الفساد والاستبداد والانبطاح والهزيمة أمام الكيان الصهيوني المحتل للأرض العربية . ولهذا دبر الانقلاب العسكري على الديمقراطية في مصربليل لسحب البساط من تحت قدم حزب الحرية والعدالة المحسوب على تنظيم جماعة الإخوان المسلمين ، وبورك الانقلاب في المجتمعات الغربية الليبرالية والعلمانية نكاية في ما تسميه الإسلام السياسي . وعلى غرار الانقلاب العسكري في مصر من أجل الالتفاف على ثورات الربيع العربي حدثت أشكال من انقلابات أخرى، منها السياسي كما هو الشأن في تونس حيث صار حزب النهضة يهدد بمصير حزب الحرية والعدالة المصري ، كما أن حزب العدالة والتنمية المغربي يجد مضايقة شديدة من الأحزاب الليبرالية والعلمانية التي تمنت لهذا الحزب نكبة حزب الحرية والعدالة المصري . وأخذت الانقلابات في باقي دول الربيع العربي أشكالا مختلفة من الفوضى الدامية والصراعات الطائفية كما هو الشأن في العراق واليمن وسوريا وليبيا , ولا تختلف أشكال الانقلابات الحاصلة في دول الربيع العربي عن الانقلاب العسكري على الديمقراطية في مصر، بل الأشكال الدموية في العراق وسوريا واليمن أدهى من الانقلاب العسكري في مصر وإن كان عدد ضحايا هذا الأخير لا يقل عن عدد ضحايا الحروب الطائفية الطاحنة التي تحرق بعض دول الربيع العربي .ولا شك أن الأنظمة التي ثارت ضدها ثورات الربيع العربي وأسقطت بعض رموزها قد عادت عن طريق الثورات المضادة بصيغها المختلفة وبضراوتها لتكريس وضع عالم النكسة والنكبات والانبطاح والتخلف والظلم والاستبداد ... ومن أجل مواجهة ما تسميه الأحزاب الليبرالية والعلمانية وغيرها أحزابا إسلامية تتم نسبة هذه الأحزاب لجماعة الإخوان المسلمين ، بل أكثر من ذلك يتم الربط الملفق بينها وبين عصابات ما يسمى داعش وهي عصابات صنعت مخابراتيا لتشويه الإسلام من جهة، ومن جهة أخرى لتشويه الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية ،والتي يخشى فوزها في دول الربيع العربي ، وحلولها محل الأنظمة المكرسة لوضع ما بعد النكسة والنكابات . وبالرغم من إعلان الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية براءتها من عصابات داعش الإجرامية، وإدانة أعمالها الوحشية باسم الإسلام ، فإنها لا تسلم من تصنيفها ضمن هذا التنظيم الإرهابي لمجرد أن هذا الأخير يدعي على طريقته الخاصة المرجعية الإسلامية أيضا . ويصنف الانقلابيون في مصر حركة الإخوان المسلمين ضمن تنظيم داعش لتبرير تصفية كوادرها والرافضين للانقلاب . وعلى غرار ما يحدث في مصر تواجه ثورة الشعب السوري نفس التهمة حيث يباد هذا الشعب ويشرد بذريعة محاربة تنظيم داعش . و في العراق يقمع الشيعة أهل السنة ويحسبونهم على تنظيم داعش مع أن هذا الأخير يتخذ منهم دروعا بشريا يحتمي بها . وما يحدث الآن في الفلوجة من تقتيل للمدنيين من أهل السنة يؤكد الحقد الشيعي عليهم ، وهو حقد كان يتربص بهم للنيل منهم . ولقد نقلت وسائل الإعلام الدولية ما يلقاه المدنيون الفارون من جحيم الحرب الدائرة على أيدي ما يسمى ميلشيات الحشد الشعبي الشيعية من تعذيب وتقتيل واغتصاب وابتزاز... وتحت غطاء محاربة تنظيم داعش تخوض الدولة الإيرانية والطوائف التابعة لها حربا ضد المدنيين من أهل السنة العزل في العراق وسوريا مستغلة خوض المجتمع الدولي الحرب ضد هذا التنظيم الإرهابي المشبوه الذي يقدم خدمة كبرى لإيران ومرتزقتها ،وهو الذي جعلها تستبيح أرض العراق وأرض سوريا ودماء أهل السنة وأعراضهم وأموالهم انتقاما منهم لمجرد اختلافهم معها عقديا . وما ترتكبه الميلشيات الشيعية ضد سنة العراق في الفلوجة والأنبار وعموم العراق عبارة عن جرائم إبادة ضد الإنسانية ،وهي حرائم تحدث أمام سمع وبصر ما يسمى العالم الحر الديمقراطي الذي وجد ضالته في تنظيم داعش الذي هو مسؤول عن صناعته مخابراتيا لتصفية الحساب ضد ما يسميه الإسلام السياسي ، والذي يعني به الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية السنية مستثنيا الأحزاب ذات المرجعية الشيعية التي صار بينه وبينها تحالف بعدما كانت بالأمس القريب عدوة كما هو الشأن بالنسبة لدولة إيران وجبهتها في لبنان، وهكذا تحولت دولة إيران وحزب الله اللبناني من عدو لدود إلى حليف ، كما تحول الغرب بزعامة الولاية المتحدة من شيطان أكبر إلى ملاك أومخلص أكبر هيأ للتنظيمات الشيعية الجو المناسب لتصريف حقدها الطائفي ضد أهل السنة انتقاما منهم . وأخيرا نؤكد مرة أخرى أن السياسة التي لا تضبطها قيم الإسلام الأخلاقية هي التي خلقت التقارب بين أصحاب المصالح كما هو الشأن بين الغرب بزعامة الولايات المتحدة وإيران وروسيا .ولا يشكل مرسي ولا أردوغان ولا الغنوشي ولا بنكيران ... ولا غيرهم من أصحاب الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية السنية خطرا على السلم والأمن العالميين كما تمثله دولة إيران ومرتزقتها الذين بثتهم في أرجاء العالم العربي من أجل إجهاض ثورات الربيع العربي التي استبشرت بها الأمة العربية خيرا حسد ا لها وقد تم الإجهاز عليها بثورات مضادة الرابح في هو الكيان الصهيوني الذي صرح أحد زعمائه مؤخرا بأن الانقلاب العسكري في مصر أفضل لدولة إسرائيل من النظام المنقلب عليه والمنتخب ديمقراطيا .
وسوم: العدد 670