أنظمة عربية تصفي حسابها مع معاريضها من خلال تلفيق تهمة الإرهاب لهم تنفيذا لأجندة غربية
يتجدد الحديث وحتى الجدل عن الإرهاب ومفهومه كلما وقع اعتداء ما بالقتل في مكان ما من هذا العالم . ومؤخرا ومع اندلاع الأزمة السياسية بين دول الخليج عاد موضوع الإرهاب بقوة إلى الواجهة ، وتناولته وسائل الإعلام المختلفة في العالم بالتحليل . ويبدو أن الإعلام العالمي ذهب شذر مذر في تناول موضوع الإرهاب، وصار من الضروري تحديد مفهوم الإرهاب بشكل يقرب الآراء المختلفة في شأنه، علما بأنه من قبيل العبث تحقيق هذا التقارب في الوقت الراهن وربما حتى مستقبلا بسبب اختلاف المصالح بين القوى العظمى التي تدير حربا باردة ظاهريا والله أعلم بما خفي فيما بينها تأخذ شكلا ساخنا في مناطق أو بالأحرى مضامير النزال الذي تخوضه بالنيابة عنها أطراف مسخرة مع مشاركة فعلية لها . ولقد صرنا أمام تعاريف متعددة ومتناقضة لمفهوم الإرهاب بل بعضها على طرفي نقيض . ومعلوم أن الإرهاب لغة حسب اللسان العربي هو التخويف والإفزاع الذي قد لا يصل حد الاعتداء كما جاء معناه في القرآن الكريم في قوله تعالى : (( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم )) ففي هذا النص القرآني يظهر بوضوح أن الإرهاب لا يعني ممارسة العدوان كما يفهم منه في عالم اليوم بل يعني الاحتراز من العدوان عن طريق تخويف من يفكر فيه بواسطة إعداد القوة لمنعه من ذلك . ولا علاقة لهذه الدلالة القرآنية بدلالة الإرهاب المتداولة اليوم ، ذلك أن الإرهاب يطلق اليوم على ممارسة العنف والقتل . ويميز القرآن الكريم بين الترهيب أو الإرهاب وبين ممارسة العنف ، ذلك أن قوله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة )) واضح الدلالة على الصدام ، وهو صدام في إطار حرب لها ضوابطها في دين الله عز وجل ، وهي حرب لرد العدوان ولا تكون أبدا للعدوان.
ومن أجل الوقوف على ما حصل في مفهوم الإرهاب من تمطيط حتى وصل إلى ما وصل إليه اليوم من تعقيد لا بد من الانطلاق من البداية . والبداية كانت مع الاحتلال الغربي للأراضي العربية عقب سقوط الدولة العثمانية واقتسام الغرب لهذه الأراضي خلال القرن التاسع عشر واقتطاع أرض فلسطين لليهود وتهجير أهلها منها . ولقد كانت العصابات الصهيونية تمارس الإرهاب بالدلالة القرآنية على الأهالي الفلسطينيي من خلال تهديدهم وتخويفهم وترويعهم بالسلاح ، وبالدلالة الحالية للإرهاب، وهي ممارسة العنف والقتل ضدهم . ومن أجل تبرير الصهاينة لهذا العنف المصاحب للاحتلال أطلقوا نعت الإرهاب على المقاومة العربية والفلسطينية . ولقد انحاز الغرب الذي سلم أرض فلسطين هدية للصهاينة إلى تعريف هؤلاء للإرهاب التي صار نعتا يلصق بالمقاومة علما بأنها حق مشروع شرعه القانون الدولي بالنسبة للشعوب المحتلة أراضيها . ولقد غض الغرب المسؤول الأول عن أزمة الشرق الأوسط بسبب توطينه للصهاينة في أرض فلسطين بقوة السلاح الطرف عن إرهاب هؤلاء الصهاينة للشعب الفلسطيني تهديدا وتخويفا وترويعا وقتلا . ولا زال الغرب إلى يومنا هذا يعتبر إرهاب الكيان الصهيوني دفاعا عن النفس ، في حين يعتبر مقاومته إرهابا . وبسبب هذه المظلمة التاريخية نشأ العنف في منطقة الشرق الأوسط التي عرفت حروبا متتالية أفضت إلى نكبات ونكسات لدى الشعوب العربية، وتولد عن ذلك عداء لديها ضد الأنظمة الغربية المساندة للاحتلال الصهيوني . ولما كانت مواجهة الكيانات الغربية المؤيدة لهذا الاحتلال من طرف الأنظمة العربية غير ممكنة بعدما ذاقت هزائم متتالية في حروب خاسرة بسبب عدم تكافؤ القوة ، فإن هذه الأنظمة ركنت إلى حل السلام مع الكيان الصهيوني الذي أصبح أمرا واقعا مفروضا لا قبل لها به . وبسبب هذا الوضع اختلفت الشعوب العربية مع أنظمتها وظهرت تيارات مختلفة منها الديني وغير الديني تبنت فكرة مواجهة الاحتلال الصهيوني ومن يؤيده ، وأفضى هذا إلى وجود تيارات حاولت الانتقام من انحياز الغرب للصهاينة عن طريق ممارسة العنف ليس ضد جيوش الغرب بل ضد مواطنيه العزل ردا على اعتداء الصهاينة على المواطنين العرب العزل حسب قناعة هذه التيارات ، فكانت أحداث الحادي عشر من شتنبر مع تحفظ كبير على حقيقة ما وقع حسب مصادر غربية أو شهادة شاهد من أهلها كما يقال . ولقد بدأ تحديد مفهوم الإرهاب غربيا انطلاقا من هذه الأحداث حيث صار وصف إرهاب يطلق على كل من ينتمي إلى دين الإسلام ويمارس العنف باسمه . ولقد تلت أحداث الحادي عشر من شتنبر أحداث عديدة في مناطق مختلفة من العالم بما فيها مناطق نفوذ الغرب ، وقد تم التحفظ أيضا على حقيقة ما وقع في العديد من هذه الأحداث المحسوبة على الإرهاب تماما كما حصل مع أحداث الحادي عشر من شتنبر ، وسادت قناعة لدى الرأي العام العربي والإسلامي أن الأمر يتعلق بتوظيف ما يسمى الإرهاب لتبرير إجراءات وتحركات وراءها ما وراءها من مصالح مادية غربية صرفة . ولقد زادت هذه القناعة تأكيدا مع توالي الأحداث في منطقة الشرق الوسط والعالم العربي عموما . و تلقفت بعض الأنظمة العربية التي تريد التطبيع مع الاحتلال الصهيوني دلالة الإرهاب من الكيان الصهيوني نفسه ومن الكيانات الغربية المؤيدة له ، وصارت توظفها لصالحها تماما كما يوظفها الصهاينة والغربيون لصالحهم من أجل تصفية الحساب مع كل من يعارض احتلالهم للأرض العربية ، ويرفض استنزاف خيرات العالم العربي خصوصا البترولية والغازية . ويقايض الغرب بقاء تلك الأنظمة العربية في سدة الحكم بموافقته استعمال مفهوم الإرهاب كما يعرفه هو اعتمادا وانطلاقا من التعريف الصهيوني . ومن أجل مواجهة تلك الأنظمة العربية لكل من يرفض التسليم في الأرض العربية المحتلة خصوصا فلسطين، فإنها لجأت إلى توظيف مفهوم الإرهاب على الطريقة الصهيونية والغربية لتصفية الحساب مع من يختلف معها في طريقة التعاطي مع القضية الفلسطينية . ولقد كشفت قمة الرياض بكل وضوح عن توظيف تلك الأنظمة لمفهوم الإرهاب للقضاء على معارضيها . فالنظام المصري على سبيل المثال وهو نظام انقلب عسكريا على الشرعية والديمقراطية أجهز على معارضيه خصوصا الإخوان المسلمين ، و ذلك من أجل تبرير انقلابه فلجأ إلى إضفاء صفة الإرهاب على معارضيه ، وبهذا تمدد مفهوم الإرهاب من مستوى الاستعمال الصهيوني إلى مستويات أخرى . ولقد ظل النظام العسكري في مصر يروج لتهمة الإرهاب ضد معارضيه ،علما بأن جماعة الإخوان المسلمين تنأى بنفسها عن الإرهاب منذ نشأتها، وهي تندد به حيثما وقع لكنها بسبب رفضها للاحتلال الصهيوني وتأييدها لمقاومته سلكها الكيان الصهيوني والكيانات الغربية المؤيدة له في منظومة الإرهاب . ومن الواضح أن زيارة الرئيس الأمريكي لمنطقة الشرق الوسط وهي زيارة تهديد لأنظمة المنطقة وابتزاز أموالها من أجل مشاريعه الشخصية ومن أجل حل مشاكل البطالة في الولايات المتحدة صحبتها إملاءات بعد التصريح علنا بأن حركة المقاومة الإسلامية حماس هي حركة إرهابية كما يعتبرها الكيان الصهيوني، ولم يتحفظ على تصريحه أحد من الزعماء الذين حضروا قمة الرياض ، الشيء الذي يؤكد تهديده لهم وقد مطط مفهوم الإرهاب ليشمل كل من يؤيد مقاومة الاحتلال الصهيوني . وما كاد الرئيس الأمريكي يغادر المنطقة حتى حدث ما لم يكن في الحسبان وهو اندلاع خلاف داخل البيت الخليجي حيث قررت ثلاث دول خليجية مع نظام الانقلاب العسكري في مصر قطع علاقتها مع دولة قطر باعتبارها دولة راعية وداعمة للإرهاب . وتم تمطيط هذه الدول لمفهوم الإرهاب ويتعلق الأمر بطبيعة الحال بتطبيق أجندة وإملاءات الإدارة الأمريكية ليشمل شخصيات وهيئات خيرية إسلامية . ولقد خيرت دولة قطر بين الخضوع للإملاء الأمريكي أو مواجهة حصار خانق من شأنه أن يطيح بالنظام ويستبدله بنظام خاضع للإرادة الأمريكية كباقي دول الخليج . ومعلوم أن الدول المقاطعة لدولة قطر تستخدم تهمة الإرهاب لتصفية الحساب مع معارضيها في الداخل والخارج . ومعلوم أن دولة الإمارات لها خصوم من جماعة الإخوان المسلمين، وهذا ما جعلها تتعاطف مع متزعم الانقلاب في مصر ويموله لأن في حسابها أن القضاء على جماعة الإخوان في مصر سيساعد على إضعاف الجماعة الإماراتية التي اعتقلت قيادتها ، ولنفس السبب تدعم الإمارات هي ومتزعم الانقلاب قوات حفتر في ليبيا لكسر شوكة الإخوان المسلمين في ليبيا . ومعلوم أنه يطلق على كل من يحمل مشروعا سياسيا إسلاميا وصف الإخوان المسلمين ، وهو ما بات يطلق على ما يسمى بالإسلام السياسي. ونفس الذريعة يستخدمها النظامان العراقي والسوري من أجل تصفية الحساب مع خصومهم السياسيين خصوصا من أصحاب التوجه الإسلامي . ولقد كان الغرب ماكرا كل المكر من أجل تمرير تهمة الإرهاب وإلصاقها بمن يعارض سياسته في المنطقة العربية من الإسلاميين ، فصنع مخابراتيا عصابات إجرامية تنتسب زورا وبهتانا إلى الإسلام ، وتمارس الإجرام باسمه ، وقد فضحت جرائمها وفظائعها براءة الإسلام منها ، وقد تبرأ منها المسلمون في العالم . ولقد تم نشر هذه العصابات المكونة من مرتزقة من جميع أنحاء العالم في بؤر التوتر في منطقة الشرق الأوسط لتبرير التدخل في المنطقة ، ولتصفية الحساب مع ما يسميه الغرب الإسلام السياسي الرافض للاحتلال الصهيوني للأرض العربية والهيمنة الغربية . ويسحب الغرب تهمة الإرهاب التي تصدق حقا على العصابات الإجرامية المقاتلة باسم الإسلام ودولته على معارضي سياساته في المنطقة خصوصا تأييده للكيان الصهيوني زورا وبهتانا . وينهج الغرب ومن يخضع لابتزازه من الأنظمة العربية أسلوب المساومة مع المعارضين فإما الخضوع وإما مواجهة تهمة الإرهاب التي صارت واسعة الدلالة . ومن المؤسف أن تساوم الأنظمة الخليجية دولا فقيرة للسير في فلكها وتهددها بقطع المساعدات عنها ، فتسارع بعض تلك الدول الضعيفة إلى قطع علاقتها مع دولة قطر المحسوبة على الإرهاب وهي بعيدة كل البعد عنها ولا ناقة ولا جمل لها في القضية . وحتى الأنظمة التي تسعى إلى رأب الصدع الخليجي تتعرض للتهديد والابتزاز ، وتعرف بعض المواقع الإعلامية الخليجية حمى التهديد كما حصل مع المغرب الذي عبر عن حياده في الصراع الخليجي، ومع ذلك يحاول هذا الإعلام ابتزازه من خلال مساومته في قضية وحدته الترابية حتى بلغ الأمر حد نشر بعض تلك المواقع الإعلامية خرائط تقتطع مناطقه الصحراوية لأنه لم يساير الدول المقاطعة للخليج في مقاطعتها ، وهذا أمر مؤسف حقا . ويبقى أن نشير في الأخير إلى أن رمي الخصوم والمعارضين بتهمة الإرهاب بات أمرا متهافتا ومكشوفا ومثيرا للسخرية ، كما نشير إلى أن أمرا ما يدبر للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة ليتم تهجير أهلها إلى أرض التيه بصحراء سيناء في كانتونات تحت ضغط القصف والعدوان تماما كما حصل في العراق وسوريا حيث هجر مواطنو القطرين لخلق وضع خاص يخدم أغراضا باتت مكشوفة ، وذلك من أجل تمكين الكيان الصهيوني من تثبيت أقدامه في أرض فلسطين وتهويدها حسب مخططاته التي تخضع لبرمجة زمنية تراعي أوضاع العالم وما يحدث فيه من تغييرات ويستغلها لصالحه . ولقد سنحت له فرصة بسبب انتخاب الرئيس الأمريكي الحالي الذي يجاهر بتأييده التأييد المطلق . ولا يستبعد أن تثور الشعوب العربية ضد الإجهاز على حركة المقاومة الفلسطينية في غزة بطريقة غير مسبوقة قد تقلب كل الموازين، وينقلب سحر الكيان الصهيوني ومؤيديه والخاضعين لابتزازهم عليهم فيندمون ولات حين مندم .
وسوم: العدد 725