شعب مصر أعظم من أن تستخف به الديكتاتورية

قد يظن البعض أن الديكتاتورية المسلطة  اليوم على شعب مصر قدر محتوم ، وأنه سيستسلم لها طويلا ، وهي  ديكتاتورية أجهزت على الشرعية والديمقراطية عن طريق انقلاب عسكري دموي،كان بتخطيط  أجنبي، وتمويل إقليمي  فاضحين تمهيدا لخلق وضع سياسي  في منطقة الشرق الأوسط  خصوصا، والعالم العربي والإسلامي عموما يكون لصالح الكيان الصهيوني المحتل ، وهو ما أكده  ما سمي بصفقة القرن الهادفة إلى إنهاء القضية الفلسطينية نهاية سارة بالنسبة للمحتل وحلفائه في الغرب، وبالنسبة لمن يتهافتون ويلهثون إقليميا وعربيا للتطبيع معه.

وتاريخ شعب مصر يؤكد أنه شعب شموخ وإباء ، وأن الله عز وجل كلما استكبر الاستبداد بأرضه اجتثه  . ولقد قص علينا الذكر الحكيم كيف حاول فرعون وهو نموذج  أبشع استبداد في تاريخ البشرية علوا واستكبارا في الأرض أن يستخف بشعب مصر حين أعلن نفسه إله قائلا : (( يا أيها الملأ ما علمت لكم إله غيري )) وقائلا أيضا : (( يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين فلولا ألقي عليه أسوة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين )) . والاستخفاف في اللسان العربي  يعني  الازدراء ، والاستهانة بالغير واعتباره ناقص عقل أو مغفلا من السهل العبث بعقله . ولقد استطاع فرعون الاستخفاف ببطانته التي كانت تحيط به، لأن كلمة ملأ في اللسان العربي تعني الجماعة المقربة  . ولم يشمل الاستخفاف  كل شعب مصر برمته يومئذ بل لم يكن بوسع فرعون أن يستخف به، وقد أرسل الله عز وجل نبيه الكريم موسى عليه السلام ليكشف استخفافه ببطانته الضالعة معه في استبداده وطغيانه والتي كانت تشجعه عليه ليزداد علوا واستكبارا ، وحتى السحرة الذين كان فرعون يعتبرهم من بطانته المقربة ، انقلبوا عليه ،ولم يستطع الاستخفاف بهم . وبالرغم من خوف المستضعفين  من قوم موسى عليه السلام من بطش فرعون، فإنه لم يستطع الاستخفاف بهم ،وقد اتبعوا نبيهم  كما جاء في الذكر الحكيم في قوله تعالى : (( فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم وإن فرعون لعال في الأرض وإنه لمن المسرفين )). ولقد أهلك الله تعالى فرعون وقومه ، وأورث من لم يستطع أن يستخف بهم  أرض مصر مصداقا لقوله عز وجل  : ((  إنهم جند مغرقون كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قوما آخرين )) .

وما أورد الله عز وجل  في كتابه الكريم خبر الاستبداد الفرعوني بأرض مصر إلا  ليؤكد بأنه لا مكان له في هذه الأرض الطيبة ، وأنه كلما نشأ نوع أو شكل منه فوقها إلا ودمره  تدميرا سبحانه وتعالى ، أورث أرض مصر الذين يستهدفهم  هذا الاستبداد المقيت ، وهي سنة الله عز وجل في تلك الأرض وفي غيرها حين يعمها الاستبداد. وكما أنه كان لاستبداد الماضي الفرعوني في مصر ضحايا ، فإن لاستبداد اليوم فيها ضحايا ، ولا يسمى الاستبداد استبدادا إلا إذا كان له ضحايا كثر. ومعلوم أن الاستبداد في كل زمان يراهن على القوة والقمع والبطش ويستعمل لذلك الجند ،والملأ  المتملق القابل للاستخفاف و الذي يطاوعه في عتوه . وكلما ازداد الاستبداد طغيانا إلا وسارع بخطى حثيثة نحو نهايته الحتمية وفق سنة الله عز وجل في خلقه  مصداقا لقوله عز من قائل  : ((  سنة الله في الذين خلوا من قبل  ولن تجد لسنة الله تبديلا )) .

ومع حلول ذكرى ثورة يناير المباركة، نقول لشعب مصر الأبي ، وقد اشتدد بأرضه الاستبداد أبشر، فإن أيامه معدودة كأيام الاستبداد الفرعون من قبل، ولله الأمر من قبل ومن بعد .

وسوم: العدد 756