العالم الشعري عند الأميري من خلال" ألوان طيف "(1)

سعيد ساجد الكرواني

العالم الشعري عند الأميري من خلال

" ألوان طيف "

(1)

سعيد الكرواني

  عمر بهاء الأميري

أما قبل، فلقد قلت لنفسي:

 ما العنوان الذي أدبج به هذه الدراسة؟ ثم ماذا أختار من شعره الرقراق؟! فأصابتني الحيرة مرتين:

الأميري نسيج وحده؟! مع أمير الشعراء؟! الأميري شاعر الإنسانية المؤمنة؟! الأميري شاعر على السجية؟! الأميري الابن؟! الأب؟! ماذا أختار؟!

وبعد طول تأمل، ظهر لي، بما أن أكبر عدد ممكن من دراسة شعره يحتضنه ديوانه "ألوان طيف ". أن أقترف هذه المغامرة. كيف لا؟! وبهاء الدين يقول بذات الصدد: " ألوان طيف " ثاني ديوان أنشره بعد " مع الله "، خمسون قصيدة في فنون مختلفة(1) (...) بدأت أقول الشعر وأنا طفل في التاسعة! وأحرقت ديواني الأول وأنا ابن اثنتي عشرة، واجتمع لي منذ ذلك الحين، حتى شارفت الخامسة والأربعين، عشرون ديواناً لم أنشر منها بعد إلاّ " مع الله "! وهو الجانب الإلهي من شعري، وفي مقدمته ذكرت: " قيل لي: هلا بدأت بنشر شعرك؟! قلت:

 أبداً.. لا.. لماذا؟! أبداً.. متى... وبماذا؟!  أصداء طفولة  بواكير الشباب  قصتي مع الشعر  مع الله  في بلادي  أنين وحنين  صراع خماسيات  مع القاضي الزبيري (2)  رجال وأشباه  عواطف وعواصف  جمال وهوى  الموؤودات  أفانين  ألوان طيف؟! قلت أبدأ "مع الله "، ولكنني إن فعلت أخشى شبهة النفاق، فما كل شعري " مع الله "، ولقي ما لم أتوقع له: حفاوة في عوالم العرب والإسلام والاستشراق! وعقوقاً في وطني الصغير " سورية "!! وكان الذي توقعت، فقد تلقاني قراء الديوان ونقدة الأدب  غير ملتفتين إلى ما ذكرته في مقدمته  على أنني "صوفي كبير" !" شاعر إلهي " ! "نسر هابط في ظلال المحاريب "!!، ويا ليتني كنت كذلك! إنه مقام سام أصبو إليه، ولا أقدر عليه، فإنني عنه رهين، رهين أغلال الحمأ، وأوصاب الحياة، ولأواء الظمأ الإنساني، في نفس شاعر، أريد تسامياً، فأظل أرنو إلى الجوزاء، في كبد السماء، وأصفو، والكدورة في كياني، ألست جبلت من طين وماء؟! إنني إنسان، إنني " فنان "، إنني ألوان، " ألوان طيف ".(3)

  إن ذلك كله، هو الأميري، وما الأمر إلاّ لتواضعه المنبجس من شموخ الإسلام العظيم... وهكذا ينبغي أن يكون، وإلاّ لما استحق كل ما استحق.

  عزمت إذاً على الخوض في " ألوان طيف " لقيمته الفنية، وكثرة قصائده التي تكفي لمعرفة الفضاء الشعري عند الأميري، وهو يقول في هذا الشأن كذلك:

" وصلني مزيد من الدراسات والتعليقات على ديواني " مع الله " وكلها تردد " الصوفي الكبير" والشاعر المتأله " فأخذني رهب "، من ثقل هذا الاسم!! وبدا لي، أن أترك:"أبوة وبنوة" للأقدار التي أبطأت به  لا سيما أنه لون واحد من شعري  وأن أبادر إلى نشر ديوان يعطي عني صورة مستوفية، أو تكاد تقرب حقيقتي للناس كما أنا... لا كما يظن بي، أو يراد لي، وهكذا كان ظهور ديوان " ألوان طيف "(4)، فالحمد لله، لقد طابق اختيار الدراسة  كذلك  الصورة التي أحب الأميري رحمه الله أن تتشكل في أذهان القراء الكرام، فكان العنوان وفق ذلك ما قد علمت.

  وحق للأميري أن يطلعنا على تجربته مع الديوان، لأنه مهما تحدث الناقد وتحدث، فلن يبلغ ما أراد الشاعر بالتمام والكمال، أما الاستثناء فيثبت القاعدة ولا ينفيها، ونذكر هنا بابن جني مثلاً ومعرفته بأشعار المتنبي أكثر من الشاعر نفسه باعترافه.

  " اصطنعت في " جبل الأربعين"(5) رأس "أريحا" (6) المشرئب بيتاً تصطاف فيه الأسرة، وأتخذه دار عزلتي، ألوذ به من وعثاء الزمان، و" منغصات العيش في حلب"! خلساً من خريف.. أياماً من ربيع أََفْرُغُ فيها لذاتي، طلقاً من إسار الناس، أعد لنفسي أبسط الطعام أحيا على السجية، وأنطلق مع الشعر " هو في غربته يأنس بي... وأنا في لحنه أشكو الدنى"، أسرح ولا أمرح! أجعل الخبز فتاتاً في دروب النمل، أنقذ الفراش من شباك العناكب، أستمتع بتأمل العصافير، تختلس أثمار شجري بنهم، وتغرد في نشوة، أتسلى بالقطة الشرود والمستوحشة،أهّلَها بري، فأخذت تأنس بي وتهر لي، تثب إلى حضني، تنطح يدي، وتلعق أصابعي:

والـهرة  الشعراء iiتنطحني
كـسـلـى تشم أناملي iiملقاً
وتـعـضـها هوناً iiوتلعقها
وتـعوق  خطوي في iiتدللها
فإذا جلست جثت على قدمي




 
وتـمـد  أيديها على iiركبي
وتـموء في رفق وفي iiأدب
ولـسانها  كالمخمل iiالزغب
وتسير  إما سرت في iiطلبي
والرأس  معكوف على iiالقدم

( شبح الخريف 300/301)    

 

في وحدتي

في وحدتي حتى iiالفراشة
ورمـت  بـهيكلها iiعلى
فـفـتـحتها حتى iiتطير


 
خـلـفت خدي iiوطارت
بـلـور  نافذتي iiودارت
ولست أدري أين صارت

(177 - 178)

في غلق

وصـحـاب  فـي iiجـدال
فـإذا  واتـتـهـم iiالأيـام
ضــل مـن يـأمـل iiأن
خـاب  في الناس iiاعتمادي
كـلـمـا بـادر بي iiعزمي
ردنـي صحبي إلى مرتهني
فـحـيـاتـي غـلـق iiفي






 
ومضي  غير iiصائبْ(399)
فـالـربـان  iiسائبْ(400)
يقهر باللغو المصائبْ(400)
ومـضـائـي  غير iiخائبْ
إلـى  شـم iiالـمـطـالبْ
مـن  غـيـر iiصـاحـبْ
غـلق، والدهر دائبْ(401)

  وما أكثر الإخوان حين تعدهم         ولكنهم في النائبات قليلُ        

يا رحمة الله

نـعـيش  في عصر iiموازينُه
هـزالـه أفـعـل من iiعزمه
أمـا  أخـي واحـد في الدنى
قـد  تـعب الحر، وأعياه iiفي



 
فـي الـحق قد آلت إلى iiضده
وهـزلـه أمـثـل مـن iiجده
يـحـبوك  ما تحبوه من وده؟
دنياه، ما يعجز عن عده(425)

مع الله في الخلجات الأخر...  

          

هوامش:

(1)  عمر بهاء الدين الأميري، ديوان شعر " ألوان طيف " بغير طبعة أو تاريخ ص:7.

(2)  أبو الأحرار الوزير اليمني الشاعر الشهيد القاضي محمد محمود الزبيري، الداعية إلى الإسلام، ومؤسس حزب الله، نفس المعطيات السابقة: معجم الديوان ص: 444.

(3) نفسه من ص: 14إلى 18.

(4) نفسه من ص:20  21.

(5) من مراكز الاصطياف في شمال سوريا.

(6) منطقة اصطياف في محافظة "أدلب" بسورية.

(7) نفس المعطيات السالفة(من ص:22إلى 26).

(8) جريدة الراية المغربية ع 23 ص: 16، دمعة على الأميري بقلم الدكتور عبدالله الطنطاوي .(بتصرف).

(9) ملحق العلم/ الفكر الإسلامي س1ع30 الجمعة 4 ذي القعدة 1412 ص: 8 والأخيرة.

(10)       بتصرف من استهلال الحوار الذي أجراه محمد إقبال عروي مع شاعر الإنسانية المؤمنة عمر بهاء الدين الأميري رحمه الله/ الملحق الثقافي لجريدة الإصلاح المغربية ع 20 ص: 2 أنظر مجلد الإصلاح س 87  88  1989.

(11)                   مجلة العالم اللندنية ع 438، بتاريخ 3 محرم 1413 ص: 35.

(12)                   جريدة الراية ع 22 ص: 16 بتاريخ 15 ذي القعدة 1412.

(إنا على فراقك يا بهاء الدين لمحزونون) للأستاذ أبي زيد المقرىء الإدريسي.

(*) عفو الدكتور جابر قميحة!

(13)       الدكتور جابر قميحة / مصر (جريدة المسلمون) س8 ع 394 ص: 8 الجمعة 23 صفر الخير 1413، خلال حوار أجراه معه في القاهرة محمد سيد بركة بتصرف.

أما( قصيدة النثر ) فهي في الحقيقة تحمل عناصر فنائها فيها للتناقض السافر ثم كيف يجتمع الشعر بالنثر؟! وبهذا الصدد يقول الأميري رحمه الله:

"إن إعطاء القيمة للأثر الأدبي لا ينبغي أن تكون مرهونة بهذا الشكل أو ذاك، حتى لا نقحم على الشعر إنتاجاً جديداً، هو يبتعد  حسب فهمي  من جمالية الشعر وخصائصه. لماذا؟!

خذ مقامك الأدبي بجوهر ما تعطي، سواء كنت شاعراً أو ناثراً، فكم من ناثر قيمة نثره أكثر من قيمة كثير من دواوين الشعر(!!).

(14) الخلق وجمعه أخلاق: الشيء البالي.

(15) الأديب العربي كامل الكيلاني، وكانت له ندوة في القاهرة يغشاها الأدباء والعلماء من مختلف البلاد.

(16) كان العالم المحقق الكبير" عبدالعزيز الميمني الراجكوتي" يباحث الأستاذ" الكيلاني" في أمر لغوي، فسأله:

  وماذا يقول المجددون؟

فأجابه ساخراً:

 نحن ندعوهم " المجددونات" ، فلم ينتبه الراجكوتي للنكتة بادىء الأمر، وتساءل: وما هذه الصيغة في الجموع؟

فقال الأستاذ الكيلاني:

" إنها جمع مخنث سالم " ، وتضاحكا...

(17) أنظر الهامش رقم(1) من ص: 29 إلى 33.

(18) رياحين الجنة لعمر بهاء الدين الأميري شعر الطفولة والأطفال، من مقدمة الشيخ الندوي، دار البشير عمان  الأردن مطبوعات رابطة الأدب الإسلامي العالمية، ط :1 سنة 1412  1992(ص: 7  8  9) بتصرف يسير.

(19) أنظر مقالنا (فصل من عالم الأميري) بمجلة الأدب الإسلامي العدد الرابع(بتصرف).