المرأة السورية تكتب أدبها ومستقبلها
المرأة السورية تكتب أدبها ومستقبلها
قراءة في رواية ( مارد في صدري ) لنعماء المجذوب
بقلم : محمد الحسناوي
هذه الرواية – فنياً – تطرح قضية الأدب النسوي ، ومضموناً تطرح قضايا المرأة السورية المعاصرة ، لا سيما أبعادها الاجتماعية والسياسية والذاتية .
بصرف النظر عن الاختلاف : هل هناك أدب نسوي أو لا ؟ هل للمرأة أن يكون لها أدبها أو لا ؟ فإن هذه الرواية تحمل طوابع نسوية ، لا يمكن تجاهلها .
نهوض الكاتبة بدور الراوية في السرد ، وهي إحدى شخصيات الرواية المؤثرة فيها ، ليس هو السبب في رصدنا البعد النسوي لها ، وليس لكون الشخصية الأولى والثانية والثالثة شخصيات نسوية ، وليس لكون عدد الشخصيات النسوية ضعف عدد الشخصيات الذكرية ، ولا لكون أهم شخصية ذكرية هي شخصية ( العم محمود ) شخصية ضعيفة الإرادة خاضعة لشخصية زوجه ( أم خالد ) ، بل لهذه الأسباب مجتمعة ، ولسبب أهم آخر ، هو التصور النسوي للمجتمع والعلاقات الاجتماعية .
التشكيلات الاجتماعية التي نتعرف من خلالها على خريطة الرواية ، إنما هي تشكيلات نسوية . فهناك أسرة ( سناء ) الشخصية الأولى في الرواية ، تضم كلاً من العم ( محمود ) والد سناء ، وأمها المطلقة ( فخرية ) ، وزوجة أبيها ( أم خالد ) ، وأخيها ( خالد ) وأختها ( ليلى) ، و( علاء ) زوج سناء وابنتيه من زوجته المتوفاة ، وأولاده من سناء ( فخرية ومحمود ) 0
وهناك أسرة الكاتبة الراوية ( نعماء ) ، تضم والدها وأمها وأخاها الصغير وعمها الشيخ عبد الله إمام المسجد .
وهناك أسرة ( أم مصطفى )، تضم ابنتها خديجة وزوجها المغربي ( صدّيق) وابنتهما ( فاطمة ).
وهناك أسرة الأختين العمياوين ( بدرية وحليمة ) .
وأسرة ( منى ) زميلة الكاتبة وأبيها ( حلمي ) الحذاء الماهر ، نصف المثقف .
وإذا تأملنا الشخصيات المفردة ، وجدناها معظمها شخصيات نسوية ، أو ملحقة بشخصيات نسوية ، مثل : الجارة العاقر ( جميلة ) ، و ( خضرة ) الضريرة ، والشيخة ( بدرية ) . أما الطفل (حمودة ) الهجين فتابع للعاقر ( جميلة ) . ومثل ذلك الغجريان ، الأول الذي سرق الطفل حمودة ليبيعه للعاقر جميلة ، والثاني يظهر في الرواية بربابته ليطرب العاقر ، وبالتالي أطفال الحارة .
وهكذا نحن أمام مجتمع نسوي شبه أمومي ، تنهض فيه المرأة فنياً بتعريفنا بأسرتها من جهة ، ومن جهة ثانية تؤثر بفعالية في تقرير مصائر معظم هذه الأسر .
هذا التصور النسوي – في تقديرنا طبيعي عفوي في الوقت نفسه – ليس مبنياً أو مؤسساً على صراع بين الذكورة والأنوثة ، أو بين الأبوي والأمومي على طريقة الفرويديين . فيه تقابل ، بل فيه تكامل بين الذكورة والأنوثة في الأعماق وفي المحصلة . وهو تصور – كما سوف نرى – متماسك منسجم مع مفردات تصور الكاتبة عن الإنسان والكون والحياة . هل كانت الكاتبة واعية بذلك ، أم غير واعية ؟ هذا سر من أسرار النجاح في التعبير عن التصور بشكل إيحائي أو فني ، لدرجة يصعب فيها أو يستحيل التمييز بين القصد والعفوية .
أصاب التخلف في مجتمعنا المرأة والرجل على حدّ سواء . قد تكون إصابات المرأة أكثر وأعمق من إصابات الرجل ، لكنها ليست نتيجة صراع ذكوري نسوي ، أو أبوي أمومي ، كما يرى آخرون . أسباب التخلف تعيدها الرواية لبقايا عصور الانحطاط ، ولسياسات الاستعمار ، ولمدارس التبشير الأجنبية. وهي عوامل لا تميز بين الرجل والمرأة ، بل ربما ركز بعضها على المرأة .
الغلو لا يعالج بالغلو ، هذا ما تقوله الرواية فنا ًومضموناَ .
قد يظن القاريء العجلان أن ( صراع ) البطلة ( سناء ) طوال الرواية مع زوجة أبيها ( أم خالد ) .. هو إدانة للمجتمع النسوي ، وانتصار للمجتمع الذكوري ، من خلال سيطرة زوجة الأب على زوجها ، وإلغائها شخصيته ، والتعجيل بوفاته قهراً على إثر ذبحة صدرية ، وطردها لسناء أخيراً من منزل الأسرة ، بعد استغلال طفولتها ويفاعتها ثم شبابها ، في نقل الماء في صفيحة على رأسها من بئر الحي حافية القدمين ، وغسل فوط الأطفال في ماء البحر ، وحرمانها من مشاركة إخوتها الطعام والمنام ، ومن الاتصال بالناس الآخرين أطفالاً وجيراناً ، ومن التعليم ، وحتى من مناداتها باسمها : تعالي يا بنت ، اذهبي يا بنت ! مع الشتم والضرب بالقبقاب الخشبي ، ورفض شفاعة الجيران أو نصح الناصحين . إنه اضطهاد نسوي منهجي وصل بزوجة الأب إلى أن تأمر العامل بقطع شجرة ( النارنج ) من جذورها ، لأن البنت سناء تحبها ، وتأنس بها ، وتعانقها ، لأسباب ، منها أنها زرعت في الدار يوم ولادتها ! هذه الجزئية موحية في التعبير أكثر من تسويد الصفحات ، وتعداد الإهانات .
كل هذه المعاناة التي رزحت تحتها ( سناء ) لم تحملها على أو إلى التحيز للنساء على الرجال أو العكس . لم تحقد على أبيها الذي لم ينصفها ، ولا على أمها التي هاجرت إلى لبنان ، ولم تسأل عنها ، ولا على المجتمع الذي شهد مآسيها ، ولم يستأصلها . على العكس نجدها تستعصم ببيئتها ، بمجتمعها ووطنها لما عادت أمها ، حبيبتها الغائبة ، بعد بلوغ سناء الثانية والعشرين من عمرها ، تدعوها للعيش معها ، مع إخوة أمها الذين توفي أبوهم في لبنان ، مفضلة العيش في كنف أم مصطفى وابنتها وحفيدتها ، والكدح على آلة الخياطة في النهار ، ومطالعة الكتب في الليل ، وحضور دروس الشيخ عبد الله المسجدية في المناسبات .
ما السبب في المعافاة النفسية التي أبدتها ( سناء ) ؟ هناك عاملان وراء ذلك : الأول ذاتي ، نطقت به الرواية بشكل واضح في صور فنية متعددة متنوعة ، ألا وهو دور الإرادة البشرية في صناعة الحياة واختيار المصير ، الذي جسدته شخصية سناء في مواقفها واختياراتها في أدق المراحل الحرجة من حياتها : الصبر على ظلم زوجة الأب حتى شبت ، استراقها التثقف من كتب إخوتها والمطالعة على ضوء القمر خفية ، اختيار الانتقال إلى دار أم مصطفى حيث الأسرة النسوية ، دون أسرة الكاتبة نعماء ، حيث وفرة الرجال والشباب ، والخوف من القيل والقال ، وأخيراً لا آخراً رفض مطاوعة أمها الحبيبة على الهجرة .
أما العامل الموضوعي ، فهو التراحم بين الناس أو الحد الأدنى من التكافل الاجتماعي ، من صوره : توصية المطلقة فخرية قبل رحيلها بطفلتها لجارتها صديقتها الأرمل خديجة ، واستجابة هذه الجارة لتنفيذ هذه الرغبة الأمانة لما طُردت الشابة سناء من بيت أسرتها ، فضمتها خديجة وأم مصطفى إلى منزلهما ، والعيش معاً باقتسام الزاد القليل ، وتعليمها حرفة الخياطة حتى ساعة زفافها . ومثل ذلك تعاطف الجيران مع سناء المضطهدة ، ومحاولات الكاتبة وأمها وأبيها لإصلاح الحال بالنصح والإرشاد ، واضطرار الكاتبة الطفلة أن تفاتح والد سناء العم محمود بالمشكلة ، بل تهرع في لحظة من لحظات الغضب الجارف إلى اقتحام البيت الذي تسمع منه استغاثات سناء وشتائم أم خالد ، لتفصل بينهما ، ولتلقي سيلاً من اللوم على أم خالد ، ولتحرض سناء على ترك هذا البيت ، والانتقال للسكن معها في بيت أهلها . وكذلك عطف أم مصطفى المسنة على أطفال الجيران بحكاية القصص الهادفة لهم ، أو توزيع هداياها بعد عودتها كل يوم من الحصاد برغم تعبها ، وتذكرها للطفلة المضطهدة سناء لتخصها بحصة كاملة أو أكثر . وأخيراً ، وليس آخراً دروس الشيخ عبد الله المسجدية للرجال والنساء ، وتعليم الشيخة بدرية القرآن الكريم والقراءة والكتابة للأطفال .
مما يلفت النظر هنا أن سناء لم تكن تشعر بالغيرة تجاه إخوتها من أبيها الذين تضطهدها أمهم ، أو تخصهم بالخير من دونها ، على العكس كانت تحبهم ، ويحبونها ، فحين طردها من بيت الأسرة ، تقدم إليها أخوها خالد خفية ، وعبر لها عن حزنه لما يحصل وعن حبه العميق لأخته ، فأثرت بها كلمته ( يا أختي ) ، كما قدم لها هدية غصناً من شجرة النارنج التي تحبها . وفي خروج أهل المدينة للنزهة الجماعية احتفاء بقدوم الربيع ، كان همّ سناء أن تصادف إخوتها بين المتنزهين ، وفعلا اهتدت إلى أختها الطفلة ليلى فعانقتها طويلاً ، واستطاعت ملاقاة البقية والتحدث إليهم ، وتبادل العواطف الأخوية معهم. وفي المقابل لم تكن تحس سناء بمثل هذه المشاعر تجاه إخوتها من أمها ، حين دعتها أمها إلى الارتحال معها ومساكنتهم في الغربة ، فرفضت العرض المغري . وهذا يعضد البعد الوطني في قضية المرأة والرجل ، في حب الوطن والتعلق به سكاناً ومكاناً ، وإيثاره على مغريات المال أو الحرية في الغربة . إنها ترجمة إنسانية فنية لمشاعر الألفة التي استوطنت حنايا سناء ، حتى أصبحت جزءاً غلاباً من بنيتها النفسية وقناعاتها العقلية . وما الوطن وحب الوطن غير ذلك ؟
ثمة مشابه جسدية ونفسية بين شخصيتي الأم فخرية وابنتها سناء ، بسبب الوراثة ، مما يهتم به النساء وعلم النفس على حدٍّ سواء ، وحتى حفيدتها فخرية ، مثل طول رموش العين أو رخامة الصوت في ترتيل القرآن الكريم ، أو حب المطالعة والطموح ونظم الشعر . لكن شخصية سناء ليست استمرارا ولا تكراراً لشخصية الأم في المحصلة ، بل هي تطوير لها ، مما يستجيب لعوامل الإرادة البشرية ، ولعوامل البيئة الخارجية المحيطة( الألفة ) بمعناها الأوسع .
وبالمقابل لما غدت سناء زوجة علاء ، الذي تركت له زوجته المتوفاة طفلتين ، لم تكرر سناء دور زوجة أبيها معها تجاه الطفلتين ، لأنها لا تتصرف غريزياً أو حيوانياً أو بالمنعكس الشرطي في منطق الفرويديين وتلامذتهم أنصار المرأة / الجنس ، إنما تتصرف بمنطق الإنسان الذي يعلو على ثقلة الطين والغرائز والشهوات الأرضية .
وحين نضجت سناء ، وبلغت مبلغ النساء ، أحست بحاجتها إلى رجل ، إلى شريك حياة ، تكتمل به ويكتمل بها ، وعبرت عن ذلك بينها وبين نفسها ، وفي لقاء مع أمها ، وتوجت ذلك كله بصيغة حضارية ، بعقد زواج ، واختيار طوعي ، وبناء اجتماعي ناجح .
البنى النفسية لشخصيات الرواية تتأثر بعوامل الوراثة والغريزة والبيئة أو الثقافة والإرادة البشرية . تتفاوت كل شخصية من شخصيات الرواية ، في الاستجابة أو التعامل مع كل مفردة من هذه المفردات ، لكن شخصية سناء – وهي الشخصية الأولى – كانت متوازنة في التعامل أو الاستجابة لهذه العوامل جميعاً، وهي تعكس تصور الكاتبة عن الإنسان والكون والحياة ، كما تعكس مضمون الرواية وأهدافها في النتيجة .
في شخصيات الرواية تلحظ تشكيلا ًآخر غير التشكيل النسوي الاجتماعي ، يمكن النظر إليه من خلال علاقات توافقية أو تقابلية بين الشخصيات .
فهناك بنات جيل واحد تجمعهن الجيرة والصداقة : سناء والكاتبة وزميلتها منى وفاطمة بنت خديجة .
والشيخ عبد الله إمام المسجد توازيه الشيخة بدرية .
والأختان العمياوان بدرية وحليمة المسنتان ، تنضاف إليهما الضريرة خضرة ، ومن حيث الإصابة بعاهة ، تنضاف إليهن العاقر جميلة .
الأم فخرية المطلقة ، تتوافق مع الأرمل خديجة ، يزيد التوافق بأن لكل منهما بنتاً واحدة في عمر واحد .
نظم الشعر يجمع بين الأم فخرية والبنت سناء والحفيدة فخرية ، ودعك من شبه الأسماء أيضاً .
صفة المجاهد تجمع بين صدّيق المغربي ووالد الكاتبة والحذاء حلمي .
والعم محمود الحذاء ، يوازيه الحذاء حلمي ، وإن كان أمهر منه ، وأكثر اعتداداً ببراعته .
وفي صفة الهجرة تتشابه الأم فخرية وأختها والكاتبة نعماء ، وصدّيق المغربي ، وأسرة التاجر زهدي . وهنا يتداخل التوافق والتقابل بشكل هادف طريف ، فمعظم الشخصيات المهاجرة نساء، لكن الشخصية الرئيسية سناء ضد الهجرة ، بقوة ، وبشكل مقنع جميل . هذه واحدة والثانية أن المهاجر الوحيد من الرجال في الشخصيات زهدي ، لكنه عاد إلى الوطن ، وحاول الإقامة ، أما أبناؤه وبناته الذين انطبعوا بالطوابع الأجنبية في اللباس واللكنة والمفاهيم ، فلم يستطيعوا الائتلاف بسبب ألسنة بعض المواطنين الطويلة ، فاضطر إلى موافقة أسرته ، والانتكاس بالعودة إلى الهجرة . والثالثة أن هجرة صدّيق المغربي لم تكن من الوطن العربي إلى بلد أجنبي ، بل من مغرب الوطن إلى مشرقه . والأجمل في هجرته ، أنها لم تكن مكانية وحسب ، بل إنه هجر الثكنة والجيش الفرنسي الذي جنده عنوة ضد إخوانه العرب المسلمين ، وانتقل إلى صف المجاهدين ، يتسقط أخبار العدو ، ويسهم في مقاتلته ، ولم يمنعه ذلك من الحنين إلى أهله في المغرب العربي ، وتمنيه العودة إليهم . تشكيلة الهجرة والمهاجرين موظفة فنياً في إطار القضية الوطنية التي تعكسها الرواية والشخصية الأولى فيها سناء.
بوسعنا القول : إن كل تشكيلة من هذه التشكيلات لها وظيفتها فناً ومضموناً في الوقت نفسه .
لنتأمل تشكيلة الشخصيات ذوات ( العاهات ) الجسدية أو النفسية أو الاجتماعية . في الجسد : ثلاث نساء عمياوات ( الأختان وخضرة ) ، ورابعة عاقر ( جميلة ) . في النفس : زوجة أب ظالمة ( أم خالد ) ، زوج ضعيف الإرادة ( العم محمود) ، الأخ ( خالد ) مدلل أخفق في الدراسة . في الاجتماع : زوجة مطلقة ( الأم فخرية ) ، طفل مسروق من أهله ( حمودة ) ، امرأة أرمل ( خديجة ) ، أسرة مصابة بهويتها الثقافية بسبب الهجرة ( أسرة زهدي ) . تمثل هذه التشكيلة لطخات سود سلبية ، بشكل أو آخر ، حتى إن بعضها توفي بشكل مأساوي ، لكن بعضها ، كان يزين فناء الدار بالأزهار والرياحين ، ويستمتع ، كما يستمتع الآخرون بنزهة الربيع السنوية . كما أن هناك تشكيلة الشخصيات المعافاة أو الإيجابية ( سبع شخصيات ) ، تقابل تشكيلة العاهات الواسعة الطيف والعدد ، وتتغلب على آثارها ، بالتوازي أو التأثير ، جسدياً ونفسياً واجتماعياً : المجاهدون ( صديق وحلمي ووالد الكاتبة وأم مصطفى ) ، المصلحون الاجتماعيون ( الشيخ عبد الله والشيخة بدرية ) ، الشخصية الأولى الرمز التي اصطرعت فيها السلبيات والإيجابيات حتى انتصرت ( سناء ) .
اصطفاف الشخصيات لم يطمس الفروق الفردية لكل منها ، وهو في الوقت نفسه سهّل استيعابها والتعرف عليها ، على وفرتها من جهة ، ومن جهة ثانية جسد المعاني والأفكار التي تعكس تصور الكاتبة عن الإنسان والحياة فنياً . شخصيات تنبض بالإقناع والإمتاع على حدّ سواء .
في الأسلوب التعبيري تستوقف الدارس ظاهرتان : أولاهما عدد من مقاطع الشعر المنثور ، تستبطن مشاعر ( البطلة ) سناء ، في حالات الأمل والقنوط أكثر من مرة ، على لسان سناء نفسها ، أو على لسان الكاتبة الراوية .
الظاهرة الثانية : تخلل الرواية لوحات مطولة للبيئة المحلية : وصف الطبيعة الآهلة والعذراء ، الأثرية والحضرية ، من خلال مشاهد تفصيلية حية : البيوت ، الأزقة ، الأسوار ، الغابات ، الشلال ، البحر ، الرياحين ، الآثار التاريخية .
كل من هاتين الظاهرتين ، تخدمان بعداً من أبعاد الرواية . فالشعر المنثور يصور مشاعر الفتاة المضطهدة المسحوقة وأمانيها وطموحاتها ، والشعر مرآة الشعور ، وأقصر الطرق للتأثير ، وهو في الوقت نفسه سمة من سمات الأدب النسوي ، الذي تغلب عليه العواطف والمشاعر المرهفة .
أما لوحات الطبيعة ومشاهد البيئة المحلية ، فهي ترجمة فنية لحب الوطن ، والتعلق به ، أو بطاقات دعوة لحبه والتعلق به ، وإيثاره على بلاد الغربة ، وركوب مراكب الهجرة . مثل ذلك الصور المشرقة للمجاهدين وتضحياتهم ، أو التعريض بمدارس التبشير ، والوافدات الأجنبية في اللباس أو العادات أو المفاهيم .
إن حب الوطن أو مسقط الرأس لا يحتاج إلى تعليل ، لكن عشق الوطن ، وإدانة الهجرة أو الاغتراب ، وإدانة أسبابهما والذين تسببوا في إيقاعهما .. مؤشرات تسترعي الانتباه . هل في ذلك انعكاس لتجارب الكاتبة الشخصية ، أم لأحوال الوطن كله ؟! وهل شخصيات زوجة الأب الظالمة والأب الضعيف والبنت المتمردة ترمز إلى قضايا جمعية ، بقدر ما تصور نماذج بشرية ؟