قراءة في كتاب (كرمة) للكاتبة خولة سالم
صدر كتاب "كرمة" للكاتبة الفلسطينيّة ابنة دورا خولة سالم. ويقع الكتاب الصادر بداية العام 2016 عن مكتبة العماد للنّشر والتّوزيع في الخليل في 134 صفحة من الحجم المتوسّط، وهو عبارة عن مجموعة نصوص نثريّة.
كيف لا تكون الكروم عنوانا واضحا، يحمل في جعبته أحضان الطبيعة والتأملات الصوفية، والعواطف المتفاوتة بين الحب السكينة ولحظات الهدوء، والكره للزمن الضاغط على النفس، والوحدة الموحشة، وبين الفخر في الأنساب والتنصّل وتعييب بعض العادات الجاثمة في صدر قرانا ومشرقنا؟
كيف لا تكون الكروم باكورة الكتب لكاتبة ولدت وترعرت بين الكروم في أحضان دورا الخليل، حيث الشهد في عنبها والشهامة في أبنائها، فقد تمنت الكاتبة أن تحول بيت عائلتها إلى متحف لشدة إعجابها به، فماضيه الثري يخلب اللب والروح ويسحر العقل، تراب الأرض التي أقيم عليها بيت الأجداد وأشجاره المتنوعة ومحتوياته، عبق من الماضي تستذكره بكل قداسة، وتعتبر الحاضر أرقا وقلقا، فلا تستطيع أن تغادر طيف الماضي، لذلك نرى من خلال النصوص والشذرات التي قدمتها الكاتبة أنها تطرح تساؤلات عدة توجهها للقارئ، قد تكون ملاذا آمنا، أو هروبا بعد طرحها لموضوع ما، بحيث تقحم فيه القارئ ليجيب عليه إن اقتنع بما قرأ، مثل: فهل أنتم مثلي؟
قل لي بربك ما هذا التحرر الذي تدعيه؟
وقد نجد أن قلة من تلك النصوص خلت من الاسئلة، وبالنص المعنون ( أمة لا تستحق الحياة ) ص105، نجد النص عبارة عن أسئلة تدور في ذهن الكاتبة تتجاوز الخمسة عشر سؤالا، تميزت بالتشاؤم والنظرة السلبية القاتمة، للمحاور الإجتماعية، والسياسية، والعلمية، ولا تسعفنا بحلول لتلك الاسئلة، فنجد أن الكاتبة تعمم الموقف وتستعمل صيغة الجمع، وتمقت الماضي وتطلب الصحو منه متسائلة: متى نصحو من سباتنا وندرك أن العالم لا يتوقف؟
متى نصحو من غيبوبة التخلف، والجهل والفساد والأنانية؟
وتنتهي الكاتبة بسؤال يهزنا وهو: ما هذا الانحطاط الذي يلفحنا صبح مساء؟
وتطالب السماء مناجية أن نموت لأننا أمّة لا تستحق الحياة، وتطلب من التاريخ أن يمحو تاريخنا في السنوات التي أذلتنا، وأماتتنا وسلمتنا ( لأمّنا ) أمريكا تتحكم بمصائرنا، مع أن الكاتبة استعملت الأسلوب الساخر وألصقت صفة الأمومة بأمريكا، إلا أنها أخفقت بذلك لأن الأمومة تعني العطاء والحنان، ولا تتصف بالسيطرة والتحكم بدمى في يد الغرب والعجم "كما وصفت الكاتبة أمّتها التي لا تستحق الحياة"
كما أشارت في الصفحة 21 بنصها (تيريزا) إلى الراهبة الوادعة المطمئنة التي غادرت العالم، فراحت الكاتبة تتساءل أين ( تيريزات الاسلام )؟ في الوقت الذي تعترف فيه بسؤال استنكاري ( ألم نكن خير أمّة أخرجت للناس )؟ إلا أنها ما رأت تيريزا مسلمة، مما أوقع الكاتبة في التناقض، حين قالت معترفة بصبر أمهاتنا وجهدهن:
" كم أشتاق لأن أرى أمهاتنا يقمن بدور يليق بصبرهن وجهدهن" وفي الوقت ذاته تسأل: لماذا لم أرى تيريزا مسلمة؟
اختارت الكاتبة الجمل البسيطة في معظم نصوصها، وحملت الكثير من المعاني العميقة، والأفكار المتمردة على المجتمع والآخر، وقد طغت روح الأنا على الصفحات بقوة، مثل: أشعر فيها بذاتي، أمرح مع ذاتي، ألهو، أتأمل.
في النص المعنون ( غدر الجبناء وعز اللقاء) ص 76 نجد أن الكاتبة آثرت اللحاق بالقافية، مع العلم أن النص المشار إليه يفتقد عناصر القصيدة العمودية، أو قصيدة التفعيلة "الشعر الحر ."
مما يؤخذ على الكاتبة تكرارها للكلمات بشكل لافت، ففي الصفحة 93 مثلا الجملة يبعدني عن ذاتي، وعطاء من الذات للذات، أمرح مع ذاتي، الغرق في ذواتنا، غرق في الذات، نعم تلك لحظات أشعر فيها بذاتي، أتنصل تماما ممّا هو خارج روحي وذاتي، لكنها عطاء للذات، أما كلمة ( الآخر ) فقد تكررت ثماني مرات في نفس الصفحة، واستعمال كلمة دواخل وأدخل ودواخلها ودواخلنا ويدخلني في نفس النص والصفحة، أيضا تكرر سؤال ماذا دهاك؟ في الصفحات 74 و 75 عشر مرات، وكلمة قدري ص 73 تكررت اثنتي عشرة مرة، مما يبعث على الملل أثناء القراءة، ونلحظ تدافعا كلاميا في نصوص الكاتبة ما بين الألم والحزن والموت والذكرى والحنين، إضافة الى توتر ملحوظ يتبين بقوة حين نقرأ بين السطور،ص 63: بركان مشاعر هادر أدمى مهجتي، أرهق روحي المتعبة، أخرج على صقيع وحدتي الموحشة، تتزاحم مسارات من الأفلاك في فضاءاتي، معلنة تمردا على كل ذاتي وكياني. ص92 .
تميز الكتاب بالتنوع، فهناك الخاطرة المتميزة بفكرة تستحق الوقوف، وهناك الومضات السريعة السلسة الجميلة، وهناك العودة إلى التراث والماضي والبيت العتيق وخبز الطابون، والذكرى والحنين لمن كانوا ورحلوا.
زودت الكاتبة كتابها بنص باللغة العامية ص78 بعنوان "رثاء الفهد" وقد لوحظ التكرار في الكلمات، رغم دفقات الحزن التي مرّ بها النص إلا أنه افتقد التألق الأدبي.
افتقد الكتاب مفردات الأمل والشمس والتفاؤل الفجر النهار، وطغت عليه مفردات الأنين والموت والجراح والدموع والفقد
سوف تدرك يوما
أن الحياة لم تمنحك سوى الألم ص25
مثقلة هي الكلمات بأوجاع الزمان
كسيرة متعبة لا تبوح بالكثير
تعشق الراحة السكون
والقلم يضج بالعبث فيؤلمها رجته ألف مرة
إن أرحم قلبا تعب من كثرة العويل ص26
وسوم: العدد 655