وَلا يَلتَفِت مِنْكم أحد

نور الدين قره علي

الشيخ نور الدين قره علي

أعلن النظام على لسان رئيس عصابته الحرب على الشعب الثائر ، ولوّح بعصاه أمام وزراء هزيمته المرتقبة بأنه سيوقف أمواج البحر الهادر ، وكان صوته في تلك اللحظة يشكل صدى خطاباته السابقة التي ذهبت بكل ما فيها من تهديدات ووعيد أو توسل خفي بوعود وإصلاحات 

وإني وإياكم نعيش اللحظة الحاسمة بعد هذه الأشهر المتطاولة بأحداثها والخالدة بأخبارها ..

ونحن نستمع في كل لحظة ونشاهد في كل يوم آثار هذا النظام المتغطرس وهو ينفث حقده ، وينشب مخالب توحشه في جسم هذا الوطن قتلا وتدميرا ، فالذئاب إن حوصرت تتوهم بأنها صارت أسودا ، فتحكي صولة الأسد زورا وبهتانا ، فلا تقاتل إلا من وراء جدر ، ولا تتقدم إلا بالدبابات المحصنة ، والتي يتوارى من ورائها جبناء النظام ، يحتمون بوابل من قذائف المدافع الموجهة من بُعد ، وبدون هدف مسدد أو محدد ، فلا يجابهون إلا وحشة الفضاء ، ولا يستأسدون إلا على الأطفال والشيوخ والنساء ، يحولون البيوت إلى ركام والبلدة إلى حطام ويهددون ويتوعدون بالمزيد من الدم والخراب ،

ولا أكتمكم أن نفسا تراود الإنسان وتحدثه في أعماقه وتشف عن بشريته في بعض اللحظات ... لماذا اسلمنا أنفسنا إلى هذا المصير , وإلى اين تقودنا خطواتنا في هذا المسير ؟ 

أو ما كان يكفي أن نعيش في غرفنا آكلين شاربين ، وننال شيئا من متعنا غاطّين نائمين ، ونذهب إلى مساجدنا مطرقين متمتمين ، ونلف عمائمنا في مواكب المحتفين المحتفلين ، ونعيش في ربوعنا سالمين ..

وأسمع مثل هذه الهمسات في بعض المجالس والمنتديات تفصح عما في داخل الصدور من المكنونات ، ويحاول البعض التسلل بها وتهريب بعض معانيها بين الأحاديث, 

عيشوا كراما أو لئاما .. يكفي أن نتنفس بدون اضطراب ، كلوا خبزا أو تبنا .. يكفي أن نمضغ بدون توقف ، صلوا وراء أي إمام يطرز بالآيات تيجان الطغاة ، ويكفي أنكم تركعون وتسجدون بكل أمن وسلام ، 

اجلسوا مجالس العلم وافتحوا أي صفحة من الكتاب ، واسمعوا أي تأويل للخطاب ، ولا تبالوا هل حفّت بكم الملائكة أو كتائب المخابرات ..

ويهتز الكيان ... والمهم أن الحرب قد أعلنت الآن ، والحرب كما تعلمون لن تفرق بين انسان وطير وحيوان ، أُعلنت الحرب على المقاتلين والمدافعين عن أعراضهم والواقفين يصرخون مطالبين بحريتهم ، والمنادين الذين يبتغون كرامتهم ،

أعلنت الحرب على كل بيت مغلق فيجب أن يُكسر بابه ، وتُنهب ثرواته ، ويُتعدى على من فيه ، ويُداس شرف كل من يسكنه ، 

أعلنت الحرب على كل مسجد فيجب ان تُهدم قبابه ويجب أن تُقصف مئذنته وتدك جدرانه ويُفجر محرابه ، 

اعلنت الحرب على كل أسواقكم ومتاجركم ايها البرجوازيون يا أهل دمشق وحلب فقد أُعطيتم الفرصة أربعين عاما فلم ترعووا ...ولا زالت دماؤكم وطنية وصبغتكم إيمانية مهما أظهرتم لنا من اساليب التوافق أو أبديتم لنا من مرونة المواقف ..

لا امان لكم .. مهما ألّفتم من الكلام وتأخرتم في التحرك مع الثوار اللئام ..

انتم ملة واحدة .. والحرب معلنة عليكم شئتم ام ابيتم ، الحرب معلنة على سائر العمائم الحلبية والشامية التي قاومت أو التي واكبت أو التي تحايدت ، سيشنق الجميع بقماش عمائمهم, فمن ليس منا فهو عدونا , وراكبوا الموجة نعلم بأنهم لا يصلحون للبقاء إذا اعلنت الحروب ووجبت التصفيات , فمركبنا ليس مركبكم ....

أعلنت الحرب ... ولن يكون هناك إلا سفينة واحدة لعباد الله الصادقين ، من ركب فيها فهي سبيل النجاة الوحيد , ومن تأخر عنها فليس له إلا الغرق ، سواء صعد على جبل يتوهم بعصمته أو لحق بالغابرين مطرودا إلى زمرته ،

نعم لن تكون هناك إلا سفينة واحدة لعباد الله الصادقين ، لأهل الشام المباركين ، لأبناء سورية المكرمين ، سينادي المنادي المجاهدين أن لا يلتفت منكم أحد عن هدفه الأول فقد توضح الهدف للمؤمنين , لا يلتفت منكم أحد عن هدفه الأول والأخير ، وطن مؤمن حرّ كريم ، لا يلتفت إلى عابث أو مستهتر أو متراخ ، لا يلتفت منكم أحد إلى دار يريد إتمام عمارتها ، أو إلى امرأة عقد عليها وينتظر الدخول بها .. ولا إلى أرض يريد غرسها وزرعها , ولا إلى أنعام ينتظر نتاجها ، ولا إلى شركة أو وكالة يريد تصيدها ، 

لا يلتفت أحد منكم إلى منصب أو كرسي قد يتاح أو لا يتاح , لا يلتفت منكم أحد إلى وهم تطارَحَه على مر الأيام ، ومن التفت فقد ضاع وضيّع ، 

فليهدموا القصور ، وليدكوا المساجد ، وليسرقوا الأسواق والمتاجر , وليجعلوا مدننا صحارى ، ويكفينا أن نصل إلى الهدف الأسمى ، أرضٍ بيضاء نقية ننصب فوقها خيامنا ، ونفترش أرضها الطيبة الحنون ، ونرفع الأذان في فضائها ، ونحولها مع الدنيا إلى مسجد طاهر محددة قبلته ، نتيمّم من ترابه ونقف صفا واحدا وراء إمام صادق , ونرفع الصوت الله أكبر.. الله أكبر..

خذوا كل شيء وأحرقوا كل شيء ولكن لا نريد ان نراكم بعد اليوم .. أيها الغدارون الظلمة 

نعم يا اخوتي ، دعوهم يعلنون الحرب فهذا هو قدرنا .. لن يلتفت منا أحد ، فنحن قد عرفنا طريقنا وحددنا أهدافنا ,

علينا أن نوحد كلمتنا ، وأن نجمع صفنا , فاستعانتنا بالله وقد ناديناه اللهم إنا مظلومون فانتصر ، وافتح يا ربنا أبواب تأييدك رجماً للأعداء من كل جوانبهم ، وأمناً لعبادك في كل مواقفهم ,

فيا من أعلنتم الحرب على شعبكم ، إننا نعلن الثبات والعزم على مواجهتكم ، وسنتقدم دون أن يلتفت منا أحد لغير مقاومتكم ,

ويستوي الركب على جودي الأمن والأمان ... ووطن الحرية والكرامة والإيمان والسلام