توازن القوى بعد سقوط النّظام السّوريّ

وفاء راشد الدباس

بيان عاجل إلى الثورة السورية في الداخل

"مجزرة الحولة"

أ.د. محمد نعيم الساعي

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه وبعد:

فإن الفاجعة التي حلت في أهلنا في الحولة وتحل في أجزاء متعددة من أرض بلاد الشام المباركة على أيدي العصابات النصيرية والشيعية المجوسية الحاقدة لا يجوز ان تمر في عقول الثائرين وقلوبهم دون أن تحدث تغييرا جذريا في فكر الثورة ومعالمها, فالثابت المشاهد يدل بآلامه وجراحاته على أن آلة البطش المجرمة لم تضعف بل ازدادت بطشا وإجراما, وأن سكين الجزار الأثيمة لم تكل, بل لا زالت تعمل في رجالنا ونسائنا وأطفالنا ذبحا ونحرا, ولا زال من الواضح الأكيد أن الفحش والتفحش في التصدي لطلاب الحرية والعزة والكرامة لم يجد له من طرائق الصد والدفع ما يوهن قوته أو يضعف بأسه, فهل إلى شل يد الجزار وبتر ساق العاقر وقطع سيف الباطش من سبيل.... ؟

مرة بعد مرة, "لا يفل الحديد إلا الحديد"

لقد ذكرنا في بياننا الأول وفي بداية الثورة هذه السنة الإلهية وأن أصلها في كتاب الله "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع........ ", وذكرنا في هذا البيان وما ألحقناه من البيانات على مدى أشهر الثورة ومستجداتها أن المظاهرات السلمية لا يجوز في فهم النابهين والعاقلين عن الله أن تكون وسيلة الدفع لآلة القتل المجرمة, وإنما هو الحديد والبأس الشديد الذي أنزله الله معه, وأنه إن كانت المظاهرات خيارا من الخيارات فلتكن مظاهرات مسلحة يكون معها من الوعد والوعيد ما يبشر المؤمنين ويرهب الفاجرين, وقد مضى على هذه التحذيرات من الأيام والليالي والتي لم تجد لها آذانا مصغية ما حمل معها من المآسي والفواجع ما أدمى القلب وأدمع العين, أما وقد حل بأطفالنا ونسائنا ما حل بالحولة...........

فقد طف الصاع وبلغ السيل الزبى

أيها الثائرون الأحرار والمناضلون الأبرار

لا يخرجن بعد اليوم ثائر إلا وسلاحه بيده, ولا يبيتن أحد في بيته إلا وقد توسد بندقيته, ولا يغيبن أحد عن أهله وبيته إلا وقد ترك فيهم من تعلم حمل السلاح ولدا أوامرأة, تعلموا الرمي وعلموا أولادكم وأهلكم الرمي فهو فرض عين عليكم وقد ذبح أطفالكم واغتصب نساؤكم , فبئست حياة قد أصبحت دماؤكم وأعراضكم أرخص في موازين الفجار من ثمن رصاصة أو شحذة سكين

أيها المتظاهرون الشجعان.. فإما حياة تسر الصديق    وإما ممات يكيد العدا.

لقد أعلنتم للدنيا بأسرها أنكم بخروجكم من بيوتكم ثائرين متظاهرين قد أصبحتم مشاريع شهادة, وأنكم قد

 بلغت بكم الشجاعة والبسالة ما جعلكم تواجهون رصاص الوحوش الدخيلة على الكرة الأرضية بصدور عارية وأيد خالية, فإن كان الأمر على ما وصفنا وأنتم كذلك إن شاء الله, فهل يجوز لكم أن تفجعونا مرتين, مرة بسقوطكم صرعى في الساحات والشوارع, ومرة بترككم أهلكم وأولادكم عرضا مستباحا ودما مهراقا... ؟؟؟؟؟.... فلا والله لايكون هذا بعد اليوم أبدا إن شاء الله, بل ستكون مظاهراتكم جنودا مجندة , وجحافل مجيشة, وكتائب مدربة, قد اختلط دوي تكبيرها بأزيز رصاصها, واصطلمت أسنة رماحها بأصوات حناجرها, قد قالت لعدوها بلسان حالها قبل مقالها: أن حذاري أيها الوغد فلن تجوس خلال ديارنا بعد اليوم, ولن تكون دماءنا وأعراضنا رخيصة , بل دون ذلك خنادق أشلائكم, وأكوام جماجمكم.

السلاح .. السلاح.. ثم السلاح السلاح

أبذلوا من أجله الغالي والرخيص

"وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة"

وليكن اقتناؤه أضر من الطعام والشراب وما هو أدنى من ذلك, فاجتهدوا في تحصيله, وتحايلوا لشرائه, فهو روح ثورتكم, ودرع انتفاضتكم, بل هو الآن سر بقائكم, ومفتاح نصركم بعد تقواكم لله وتوكلكم عليه.

كوفي عنان... وكف لعنان الثورة !!!!!!!!

ألا شاهت تلك الوجوه.... وتعست تلك العقول...

ألا شاهت وجوه المتآمرين والكائدين, سودا كانوا ام بيضا, وتعست عقول السذج والمتخاذلين, وطنيين باريسيين, أم ثوريين لندنيين,

أما تعب الأولون مكرا وكيدا, أما استحيا الآخرون لسذاجتهم وخمولهم, ألم يأن للكائدين أن يعلموا أن ثورة أحفاد خالد وصلاح الدين قد خرجت عن طوع الأعداء وطوق العملاء, وأنها ماضية بحول ربها لا يقف لزحفها شيء, أو ألم يأن للمتأملين الغوث والعون من غير الله أن يتوبوا إلى الله ويهرعوا إليه!!!!؟؟؟؟؟... اللهم إنا قد أيسنا إلا منك, وقنطنا إلا من رحمتك, وضل من ندعوه إلا إياك , اللهم اهدنا إلى أسباب نصرك, ووفقنا إلى سبل عزك, اللهم إنا نجعلك في نحور أعدائنا, ونتضرع إليك أن تجمع شمل من قام لنصرة دينك والدفاع عن أعراض ودماء وعزة وكرامة عبادك, اللهم سدد رميهم واستجب دعوتهم واشف صدورهم آمين اللهم آمين.

أ.د. محمد نعيم الساعي

عضو رابطة العلماء السوريين وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

وعضو مجمع الفقهاء في أمريكا الشمالية وعضو اللجنة الدائمة للفتوى

أستاذ الفقه وأصوله وفلسفة التشريع

               

الخطأ القاتل

فهمي هويدي

أكبر خطأ أن يتصور أى أحد أن المنافسة فى الانتخابات الرئاسية التى تجرى اليوم هى بين الإسلاميين والعلمانيين. أو بين مشروعى الدولة المدنية والدينية، لأنها فى حقيقة الأمر بين الثورة وبين الثورة المضادة. أو بين الحلم والكابوس.

وقد لا أبالغ إذا قلت إنها أيضا بين ميدانى "التحرير"، و "روكسى". وربما كان ذلك تعبيرا أدق.. لأن الذين احتشدوا فى ميدان التحرير فى 25 يناير هم شعب مصر بكل فئاته. أما الذين اجتمعوا لاحقا فى ميدان "روكسى" فهم الذين تعلقت أهواؤهم وربما مصالحهم وارتباطاتهم بالنظام القديم.

ومن المفارقات أن يقع ميدان روكسى فى قلب «مصر الجديدة»، فى حين أن الذين تظاهروا فيه ينتمون بامتياز إلى مصر «القديمة» التى جثم على صدرها مبارك (وأعوانه) وأراد أن يظل ممسكا بخناقها حتى «آخر نفس»، كما ذكر صراحة، وسعى لأن يورثها لابنه من بعده إلى أجل لا يعلمه إلا الله.

لذلك فإن حلم مصر الجديدة كان ولايزال فى ميدان التحرير، وأى التباس أو خطأ فى قراءة المشهد والعنوان يغدو كارثيا. يفتح الباب لإجهاض الثورة والانقضاض عليها.

أدرى أن ثمة تناقضات بين التيارين الإسلامى والعلمانى، وأن التنافس والصراع بينهما لم يتوقفا طيلة الخمسة عشر شهرا الماضية. وكلنا شاهدنا بأعيننا التجاذب بين الفريقين، وكيف أنه اتخذ فى بعض الأحيان «صورا غير صحية تجرح هذا الطرف أو ذاك. إلا أننى أشدد على أن التناقض الرئيسى ــ الأكبر والأخطر ــ هو بين التيارين معا وبين نظام مبارك.

وأنبِّه إلى أن كل التراشقات التى حدثت بين الإسلاميين والعلمانيين مرجعها سوء التقدير أو سوء الظن أو إساءة إدارة الخلاف، أما ما بين الطرفين وبين أركان النظام السابق وأعوانه: فهو أعمق وأعقد بكثير. هو شىء أبعد من الظنون وسوء التقدير، وأقرب إلى الخصومة المتأصلة التى صنعتها مرارات ثلاثين عاما من الاستبداد والفساد.

من هذه الزاوية، فإن أية سوءات تنسب إلى الإسلاميين أو العلمانيين لا تكاد تقارن بجرائم النظام السابق وسجل جناياته على الوطن. لا أنكر أن التيار الإسلامى- بوجه أخص- أساء تقديم نفسه، بعدما حاز الأغلبية فى الانتخابات التشريعية. كما أنهتعرض لحملة تشويه عاتية، أسهمت فيها وسائل الإعلام التى مازالت متأثرة بخطاب الفزاعة الذى اعتمده النظام السابق. لكننى أذكر أن الجميع حديثو عهد بالممارسة الديمقراطية، التى حرمنا منها النظام السابق.

إلا أننى أرجو ألا نتعامل مع ذلك التيار باعتباره كتلة صماء واحدة، ولكنه يضم جماعات من البشر تتباين أفكارهم ومواقفهم. وشأنهم شأن أى جماعة بشرية، فيهم العقلاء المعتدلون، وفيهم المتطرفون والحمقى.

وليس صحيحا أن الصراع فى مصر بات محصورا بين الدولتين الدينية والمدنية. فهذا اختزال مخل، بل خبيث ومشكوك فى براءته. حتى أزعم بأن الترويح لهذه الصيغة هو من قبيل التدليس والغش، ليس فقط لأن الإسلام لا يعرف الدولة الدينية المتعارف عليها فى التجربة الأوروبية، ولكن أيضا لأن النماذج التى تستدعى فى هذا الصدد بعضها له خصوصيته المذهبية (ولاية الفقية مثلا عند الشيعة الاثنى عشرية) أو أنها مرتبطة بحالة من التخلف يستحيل استنساخها فى الحالة المصرية (دولةطالبان فى أفغانستان مثلا).

ثم لا ننسى أن ثمة توافقا بين الجميع فى مصر ــ إسلاميين وعلمانيين ــ على الإبقاء على المادة الثانية من الدستور التى تنص على اعتبار مبادئ الشريعة الإسلامية مرجعا للقوانين، و وثيقة الأزهر- التى أيدها مختلف الأطراف، لا تدع مجالا لاستمرار ذلك الصراع المفتعل، من حيث إنها صححت المعادلة وانحازت إلى الدولة الديمقراطية الحديثة التى تحفظ للدين مكانته وتديرها المؤسسات المدنية فى مختلف المجالات.

إضافة إلى ما سبق لا يغيب عن البال أن الفشل فى التوافق المرجو بين الطرفين الإسلامى والعلمانى يتحمل الطرفان المسئولية الأكبر عنه لا ريب. لكن النظام السابق الذى تحكم فى البيئة السياسية فى مصر طيلة الثلاثين سنة الأخيرة يتحمل بدوره جانبا من تلك المسئولية. لأن سوء إدارته للمجتمع وإصراره على تغييب المشاركة والثقافة الديمقراطية أسهما فى تشويه العلاقات بين القوى السياسية. ولم يكن سرا أن له مصلحة فى جعل العلاقات فيما بينها تقوم على التقاطع والتنابذ وليس التوافق.

إن التحدى الذى يواجهه الناخب اليوم يتمثل فى إدراكه لجوهر التناقض المطروح فى اللحظة الراهنة، المتمثل فى الاختيار بين استمرار الثورة وبين النكوص عنها وإجهاضها. وفى ضرورة التصويت للثورة- وليس لأى طرف آخر منسوب إلى النظام - الذى رفضته، ودفعت لأجل ذلك ثمنا غاليا من دماء الشهداء وعيون الأحياء.

ذلك أننا لا نريد فى نهاية المطاف أن يرأس مصر مبارك مستنسخ أو معدل. لا نريد بالضرورة أن يكون الرئيس واحدا «مننا» كما تقول دعاية صديقنا حمدين صباحى، لأن الأهم ألا يكون واحدا "منهما".»

               

توازن القوى بعد سقوط النّظام السّوريّ

وفاء راشد الدباس

المختصر / بينما تواجه منطقة الشّرق الأوسط مخاض الرّبيع، وقد اكتست ملامح سياساتها بالحيرة والارتباك، نجد أنّ القوى العظمى في العالم قد عكفت على تطوير خططها الإستراتيجيّة في محاولة منها للهيمنة على تلك الثّورات تحت غطاء مناصرة حقوق الشّعوب.

وبينما الغرب يخطّط نجد أنفسنا في المقابل نتخبّط تاركين له المجال ليشرع أوراقه ليهندس سياسة أهمّ منطقة إستراتيجيّة وحيويّة في العالم، محاولة منه لاحتواء ثوراتها، وبالتّالي الهيمنة على ثرواتها.

فإلى متى نظلّ ندور نحن العرب في حلقة مفرغة منسحبين من مسرح أحداثنا؟

ومتى نرفع أعيننا كي نرى الواقع بطريقة خالية من الضّبابيّة؟

إنّ هناك أمورًا يتوقع حدوثها في المستقبل القريب، ومن أهمّها حدث سيكون له تداعياته الحادّة علينا، فما هي الخطوات والإجراءات التي يجب علينا اتّخاذها اعتمادًا على أنفسنا لا على ما تمليه علينا الوصاية الخارجيّة؟

.. إنّه انهيار النّظام السّوريّ!

فكل متأمّل في الأحداث يدرك أنّ من أولويّات استعادة التّوازن في منطقة الشّرق الأوسط هو دعم الثّورة السّوريّة والإسهام في إنجاحها بكلّ قوّة وبأسرع وقت، خشية أن تقوى شوكة النّظام السّوريّ الذي بات قاب قوسين أو أدنى من السّقوط.

ولا أبالغ إن قلت بأنّ لهذا الحدث تداعيات كبيرة ليس على منطقة الشّرق الأوسط فحسب، بل سيتجاوزه ليؤثّر على التّوازن بين القوى بين الدّول العظمى، فإن كانت سوريا لا تمتلك الغاز والنّفط الذي يسيل له لعاب الغرب والشّرق، فإنّها ذات موقع إستراتيجي يجعل الدّول الكبرى تتهافت عليها.

وإن كان سقوط النّظام السّوريّ بأيّ شكل كان، سيعيد تشكيل الشّرق الأوسط بطريقة تعزّز مصالح دول الخليج، ويشكل ضربة قويّة لهلال إيران الممتدّ من طهران مرورًا ببغداد ودمشق وانتهاء ببيروت، إلاّ أنّه لا يكفي بمفرده لاستعادة التّوازن الذي اختلّ بسقوط ألدّ عدوّين لإيران: صدام حسين وطالبان؛ إذ لا بدّ من عمل دؤوب لاستعادة التّوازن كما كان عليه قبل عام 2001.

بعد سقوط النّظام السّوريّ، ولكي نستعيد التّوازن كاملاً، ونتجنّب المزيد من الخسائر السّياسيّة التي يجنيها علينا دومًا موقفنا السّلبيّ المتهاون أمام الأحداث، والذي سمح لإيران أن تتجرّأ علينا باستغلالها كلّ ثغرة لا نقوم بسدّها لصالحها، فإنّه لا بدّ لنا من الاطّلاع على خريطة مناطق النفوذ الإيراني جيّدًا واستيعابها حتى يتبيّن لنا أين الخلل، وأين الفراغ الذي تركناه لنبدأ فورًا بمحاولات مستميتة لسدّه.

ويجب أن ندرك أنّ الهلال الشّيعيّ وإن كان قد كُسر في دمشق، فلا يزال منتصفه قويًّا في العراق، وطرفه الآخر لايزال متماسكًا في لبنان بوجود حزب الله، الذي لن تعدم إيرن حيلة للتّواصل معه حتى في حالة سقوط النّظام السّوريّ.

ولايخفى أن توازن القوى في الشّرق الأوسط قد مرّ بسلسلة معقّدة من التّغيّرات والاهتزازت البنيويّة في تركيبته وهيكليّته؛ لذا فإنّ استعادة توازنه يستلزم منّا وضع خطط مدروسة بعناية فائقة تراعي أنّ التّخلص من وصاية أمريكا شرط أساسيّ لاستعادة توازن متكافئ مع إيران لا يخضع للإرادة الصّهيونيّة.

وبالطّبع فإن أمريكا لن ترضى بأن نتصرّف بعيدًا عن وصايتها، ولكن يجب أن نعي جيدًا أنّ لدينا نفطًا يجعلها تغضّ الطّرف عنّا إذا ما توفّرت الإرادة لدى القيادات السّياسيّة في منطقة الخليج لاستخدامه كسلاح يرغمها على احترامنا، فليس من المعقول أن تبقى سياساتنا مرتهنة للإرادة الأمريكيّة التي لا يهمّها سوى مصالحها وأمن إسرائيل!

فلدينا ما يكفي من القدرات والإمكانيّات الذّاتيّة، التي نستطيع إذا استخدمناها بشكل صحيح أن نحدّ من نفوذ تلك القوّة الوهميّة التي صنعها الغرب ليجعل منها بعبعًا يهدّدنا فيه وقت يشاء.

ثم إنّ استعراضات إيران العسكريّة وتحدّيها بل وتهديدها للقوى الدوليّة والإقليميّة، رغم افتقارها للكفاءة اللازمة لتنفيذ تهديدها ووعيدها، ما هو إلاّ نوع من ذرّ الرّماد في العيون لصرف النّظر عن داخلها الذي يعاني من اضطرابات حادّة تهدّد كيان نظام الملالي الذي فقد الثّقة عند قطاع واسع من النّاخبين الإيرانيّين .

حال إيران كحال الدّول العربيّة؛ فجميعهم لا يستطيع أن يحمي سماءه من أيّ هجمة إسرائيليّة كانت أو أمريكيّة، ودولة لا تستطيع حماية سمائها لا تستحقّ مسمّى دولة، ناهيك عن إطلاق تهديدات عنتريّة وفرض نفوذ.

إنّ استعادة التّوازن العام في المنطقة يتطلّب ما يلي:

أوّلا- دعم الثّورة السّوريّة:

سوريا دولة محوريّة في المنطقة، وكان لانحيازها الواضح لإيران أثر قويّ جدًّا في ميل كفّة ميزان القوى لصالح إيران، حتى قامت ثورة الشّعب السّوريّ التي جعلت ملالي إيران يهرعون بكلّ قوّتهم للدّفاع عن نظام الأسد عمليًّا بالمال والرّجال والسّلاح والخبراء العسكريِّين والأمنيِّين.

ومع ذلك استطاع الشّعب السّوريّ الصّمود أمام ما لا يستطيع الصّمود ضدّه شعب غيره؛ فبات نظام الأسد يترنّح بين انهيار اقتصاديّ وانهيار عسكريّ، ولم يتبقَّ إلاّ أن تُسدّد له لكمة قاضية تُسدّد إليه بقبضة اليد لا باللّسان، كما يحدث الآن.

إنّ دعم الجيش السّوريّ الحرّ بالمال والسّلاح هو السّبيل الوحيد لتوجيه تلك اللّكمة القاضية؛ فهذا الجيش الذي كبّد الجيش السّوريّ النّظاميّ تلك الخسائر الفادحة بإمكانياته البسيطة كفيل بأن يسدّد لكمة كهذه إذا ما تلقّى الدّعم المطلوب.

ثانيًا- استعادة التّوازن داخل العراق:

لا يخفى على أحد أنّ موازين القوى بين السّنة والشّيعة داخل العراق نفسه قد اختلّت كثيرًا بعد احتلال أمريكا للعراق، ومع ذلك فإنّ تواجدها فيه كان يفرض نوعًا من التّوازن المعقول، ولكن بعد انسحابها أصبح الميزان راجحًا بوضوح لصالح الشّيعة على حساب العرب السّنة والأكراد.

إنّ خلق التّوازن داخل العراق يُناط به جزء كبير من مهمّة تحقيق التّوازن الاستراتيجيّ العامّ في المنطقة، لذا يتوجّب علينا أن نوليه عناية خاصّة وعملاً دؤوبًا لا يعرف الكلل والملل له سبيلا.

ولتحقيق التّوازن المنشود داخل العراق، لا بدّ لنا من دعم العرب السّنة بكافّة أنواع الدّعم المادّيّ خاصّة والسّياسيّ عامّة، ثم نخلق تحالفًا استراتيجيًّا بينهم وبين الأكراد السّنّة، ليتمكّنوا جميعًا من الوقوف ندًّا للشّيعة ولمدّ إيران الذي التهم العراق.

وبالطّبع فإنّ محاولة إحداث التّوازن داخل العراق لن تتمّ بدون عراقيل إيران وشيعة العراق، ولكن لا بدّ لنا من خوضها إن أردنا أن ننعم بمستقبل سياسيّ آمن تكون لنا فيه سيادة نفرضها بقوّتنا الذّاتيّة بعيدًا عن الوصاية الأمريكيّة أو الإيرانيّة.

ثالثًا- استعادة التّوازن داخل لبنان:

لحسن الحظّ أنّ استعادة التّوازن في لبنان ليس بصعوبة استعادته في العراق؛ فقد يحصل بشكل طبيعيّ بسقوط النّظام السّوريّ الذي يعتبر حلقة الوصل بين حزب الله و إيران.

ومع ذلك لابدّ من تقوية جبهة السّنة بدعمهم سياسيًّا وماديًّا ومعالجة كافّة الاشكاليّات بينها وبين بقية الطوائف هناك عن طريق حوار جادّ تستضيفه السّعوديّة.

رابعًا- السّيطرة على الطّوائف الشّيعيّة في دول السّنة:

يجب أن لا نغفل عن قضيّة وجوب قطع علاقات الطائفة الشّيعيّة داخل الدول السّنيّة عن إيران، حتى لا يكونوا عامل ضغط تستغلّه إيران وتحرّكه وقت تشاء.

وهذا القطع لن يكون إلاّ بحوار جادّ تتمّ فيه مناقشة متطلّبات المواطنين الشّيعة، والتي دفعتهم لبيع ولائهم لإيران ضدّ دول يحملون هويّاتها، فإن كانت طلبات مدنيّة محقّة، فيجب تنفيذها لهم، وإن كانت متطلّبات تخلّ بسيادة البلاد ومعتقدات عامّة أهلها فيجب إقناعهم بذلك، وإن أصرّوا عليها كان لزامًا على الدّولة القيام بواجبها كحافظة للأمن والسّيادة.

خامسًا- الاتّحاد الخليجيّ:

حقيقة لا أعلم ما الذي يمنع تحقيق الاتّحاد الخليجيّ حتى الآن، فقد ثبت عمليًّا وخلال عشرات السّنين أنّ التّحدّيات التي تواجه دول الخليج واحدة والمخاطر واحدة والأعداء واحدة وتحدّيات المرحلة المقبلة واحدة!

إن كان أهل الدّين والعرق والقبائل المتنافرة اتّحدوا، فلماذا لا يتّحد أهل الدّين الواحد والعرق الواحد بل والقبائل الواحدة، ليكونوا جبهة واحدة، ورأيًا سياسيًا واحدًا وموقفًا واحدًا ضدّ كلّ طامع بهم.

وكم يتمنّى مواطنو دول الخليج أن يأتي اليوم الذي يستطيعون فيه حماية مصالحهم الاستراتيجيّة دون انتظار عون من أحد، وهذا لن يكون إلاّ بإقامة اتّحاد كونفدرالي على غرار الاتّحاد الأوروبيّ، ممّا يضمن لها القوّة والسّيادة، ويجعلها في مستوى القدرة على الرّيادة وصنع القرار على الصّعيد العالميّ، فلِمَ الانتظار؟!

سادسًا- تحالفات إستراتيجيّة:

يجب عقد تحالفات عسكريّة اقتصاديّة إستراتيجيّة بين دول الخليج وبين كافّة الدّول العربيّة وتركيا وباكستان إن أمكن، بحيث يتمّ فيه اعتبار أيّ اعتداء على إحدى دول الحلف اعتداء على الجميع، أيًّا كانت أسباب ذلك الاعتداء.

سابعًا- إشغال إيران بقضاياها الداخليّة:

عرب الأحواز هم إخواننا من العرب الأقحاح يعتنقون المذهب السّنيّ، احتلتهم إيران منذ زمن بعيد، وهم كرت نستطيع تحريكه في أيّ وقت عن طريق دعمهم للمطالبة بحقوقهم داخليًّا، ونحن بدورنا نقوم بتحريك قضيّتهم على المستوى الدّوليّ سياسيًّا وإعلاميًّا، ممّا سيكون له دور كبير في نصرتهم وفي إشغال إيران بنفسها وبقضاياها الدّاخليّة، كما نستطيع دعم الحركات التّحرّريّة داخل إيران و التي تطالب بالإطاحة بحكم الملالي .

وختامًا ..

لا بدّ أن ندرك أنّ ما زرعناه بالأمس من إهمال ولا مبالاة تجاه قضايانا الملحّة، نجنيه اليوم ضعفًا وهوانًا على الأمم؛ لذا يتعيّن علينا أن نتدارك أمرنا، ونرتقي بطريقة تعاملنا مع الأحداث لنجعل من مستقبلنا السّياسيّ مستقبل عزّ وسيادة ومنعة.

وكم آمل ألاّ يتعاطى العالم الإسلاميّ والعربيّ مع هذه الأحداث الجسام ببرود، وكأنّها أحداث عابرة، بل يجب أن نضع في حسباننا جميعًا أنّها مرحلة تقرير مصير، ومعركة بقاء لا تعترف إلاّ بالقوّة والدّهاء.

المصدر: الاسلام اليوم