الغارة على جامعة حلب
الغارة على جامعة حلب
دلالات واستحقاقات
زهير سالم*
دفعت شبكة من العوامل – غير المعقدة – الموقف الدولي إلى التماهي مع كذبة النظام الكبرى حول وجود ( عصابات إرهابية مسلحة ) تعتدي في سورية على الوطن والإنسان . وأن المسئولية الرسمية تقتضي من أصحابها التصدي لهذه العصابات . وكان من أبرز العوامل ، التي دعت الأطراف الدولية إلى التماهي مع هذه الكذبة ، رفض مسبق لدى هذه الأطراف لرؤية الشعب السوري يتحرر من بين فكي الاستبداد والفساد لما يشكل ذلك من خطورة على المشروع الدولي ( للاستقرار !! ) في المنطقة . وكان من تلك الأسباب أيضا أن تشكل تلك الكذبة جسرا تلتقي عليه أطراف المجتمع الدولي إلى تسوية خلافاتها تحت سقف ( الحد الأدنى ) ، بإعلان الاتفاق على مبادرة ( لفض العتاب ) تتلخص جوهريا في منح بشار الأسد فرصة أطول هذه المرة ( تسعون يوما ) لتحقيق نصره الذي تتطلع إليه هذه الأطراف بقلق .
وكان ، من تلك الأسباب ، سطحية الصراع الأمريكي – الإيراني ، الذي لم يصل إلى حد أن تتبنى الولايات المتحدة والغرب موقفا دوليا لكسر فقار المشروع الإيراني الاستحواذي بالتصدي لواسطة عقده في دمشق ؛ لأن الولايات المتحدة والغرب ينظران إلى هذا المشروع بمنظومته الحالية كعنصر تهديد استراتيجي مطلوب لإثارة مخاوف دول الإقليم العربية ، وإلجائهم إلى البحث عن النصرة ، كما تراهن الأطراف الدولية أيضا على دور المشروع الإيراني الممزق لوحدة شعوب المنطقة ديمغرافيا وعقائديا وسياسيا ، وإشغال هذه الشعوب إلى حد كبير عن ( عدو ) تعمل الأطراف الدولية منذ زمن طويل لتخلع عنه ثوب العداوة ، وتقديمه حتى في أساليبه العدوانية أقل قسوة وبشاعة من الآخرين..
وتأتي الغارة على جامعة حلب في الثالث من أيار لتنقض وتكذّب ، ليس فقط ما يدعيه النظام ويفتريه ، بل ما يصر المجتمع الدولي والسيد ( بان كيمون ) و ( كوفي عنان ) و ( روبرت مود ) على تصديقه . فجامعة حلب ليست مقرا للعصابات المسلحة ، وليست ميدان صراع عنيف بأي أشكال من أشكال العنف ..
والجرائم التي ارتكبها النظام السوري في جامعة حلب كما في غيرها من المحافظات هي جرائم قتل تصنف تحت عنوان جرائم حرب مع كل ما في التعبير من قسوة وبشاعة : ( تم إلقاء طالب من الطابق الخامس ) و ( ذبح آخر بالسكين ) وقتل العديد من الطلبة الآخرين واحتجاز الطلاب والطالبات ببعض القاعات ، واعتقال مئات الطلاب من طلاب الجامعة مما أدى إلى تعليق الدراسة في الجامعة ....
إن الغارة التي شنتها عصابات بشار الأسد على جامعة حلب فقتلت واعتقلت واحتجزت وروعت تسقط كل مزاعم النظام عن أنه إنما يتصدى ( لعصابات مسلحة ) ، وتسقط تمسك المجتمع الدولي طبقا عن طبق بهذه المزاعم ، وإصراره على بناء موقف دولي عليها . وترداد الحديث الذي غدا ممجوجا عن مطالبة ( جميع الأطراف !! ) في سورية بوقف العنف ...
إن إقدام عصابات النظام على اقتحام جامعة حلب في ظل مبادرة السيد كوفي عنان ( الأممية – العربية ) ، وفي ظل وجود المراقبين الدوليين ومنهم اثنان في مدينة حلب لهو دليل واضح على رفض عصابات الأسد لهذه المبادرة ، وعلى استخفافها بالمراقبين ووجودهم ودورهم ...
إن الاستحقاق العملي لهذا الذي جرى في جامعة حلب والذي يجري على الأرض السورية ؛ أن يرد الجنرال روبرت مود الكرة إلى السيد كوفي عنان وأن يقوم السيد كوفي عنان بردها إلى مجلس الأمن . لأن الاستمرار في مهلة القتل المفتوحة على مدى التسعين يوما لن تثمر إلا المزيد من الإثم والمزيد من الشر ...
إن المطلوب من جميع فصائل المعارضة السورية على السواء مجتمعة ومستقلة المبادرة إلى اتخاذ كافة التدابير العملية لمواجهة حرب الاستئصال والإبادة التي تمارسها عصابات الأسد ضد كل نشاط معارض على الأرض .
من المفيد أن يتذكر قادة الفصائل المعارضة أن كل ما سبق يتم بغطاء دولي وبسقف زمني مفتوح !!! هل هناك من يماري في هذا فيصر على الذهاب مع السيد كوفي عنان إلى نهاية التسعين يوما أو هل من يرى أن المشهد يفرض استحقاقا يتبناه الجادون ...؟!
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية