في سورية من يحمل عبء قول لا
في سورية من يحمل عبء قول لا
زهير سالم*
في سورية من يتحمل عبء المشهد ؟ هل أصبحت الثورة يتيمة مع كثرة الأدعياء . ومع إصرار الشباب السوري على المضي إلى غايتهم من يملك الجرأة على أن يتحمل مسئولية خياراتهم بكل ما فيها من زخم وبكل ما تستحقه من دماء . المعارضة السورية ما زالت تضع رجلا مع الثورة وأخرى مع مجلس الأمن . لا أحد يستطيع أن يقنع الثوار على الأرض السورية أن مجلس الأمن الروسي عفوا أقصد الدولي هو مع تطلعات الثوار السوريين . السيد كوفي عنان يعمل إعادة الاستقرار إلى سورية أي بلغة أخرى إعادة شعبها إلى تحت نير النظام ، عودة سورية لتكون مملكة الظلال ومقبرة الأحلام وهو الهدف الذي تواطأ عليه لافروف مع بشار وعنان ...
السؤال المطروح بقوة في اللحظة التي نعيشها هل يمكن للمعارضة السورية بكل هياكلها وتشكيلاتها وفصائلها مجتمعة ومتفرقة أن ترفض مبادرة كوفي عنان ، هل يمكنها أن ترفض قرار مجلس الأمن 2043 وهي تعلم أنه مجرد مظلة روسية أو أممية لمنح النظام مزيدا من الفرص للإجهاز على ثورة الأحرار من أبنائها ؟ نامت سورية بالأمس على ثمانين شهيدا . كان هذا هو الحال قبل القرار الأممي وبعد القرار الأممي ، قبل وصول المفارقين وبعد وصولهم فما الفرق ؟!
يبدو أنه لا خيار للمعارضة السورية في ظل الواقع القائم إلا أن تتماهى مع لعبة القتل تحت مظلة الشرعية الدولية ، ومبادرة السيد كوفي عنان ، وقانون مجلس الأمن 2043 ؟!
وإذا كانت دلالات الأرقام مثل عشرين ضحية ، أو ثلاثين ضحية ، أو خمسين ضحية ، أو ثمانين ضحية ؛ واحدة في انعكاساتها الإنسانية عند كوفي عنان أو عند بان كيمون أو عند السيد لافروف أو السيدة كلينتون ، حيث أننا لا نجد فرقا جوهريا في المواقف بين هؤلاء ، فهل يمكن أن تكون لهذه الأرقام الانعكاسات نفسها عند قوى المعارضة السورية ، التي أعلنت ترحيبها المفتوح بمظلة دولية للقتل في صورة قرار مجلس الأمن 2043 ... صحيح أن قيمة النفس الواحدة هي قيمة الإنسانية أجمع في فقهنا ؛ ولكن جرأة النظام على أبناء شعبنا ، وإمعانه في القتل والانتهاك يفرض على المعارضة السورية كما على المجتمع الدولي تحديات جادة تقتضي موقفا يواجه سياسات هذا النظام ..
ولكن هل تملك المعارضة السورية مرة أخرى خياراتها في قول نعم أو في قول لا ؟ هل تملك خياراتها في رفض أو قبول قرارا ما مما يتبناه أو يقترحه المجتمع الدولي أو مجلس الأمن ؟! هل تملك هياكل المعارضة السورية اليوم وقد ثبت تلاعب النظام بمبادرة كوفي عنان أن تعلن رفضها الذهاب مع النظام في لعبته ، ورفضها بالتالي للقرار الدولي الذي يمكن النظام من الإمعان تحت قبة الشرعية في المزيد من دماء السوريين ...
لا يغيب عن العقل السياسي التبعات المترتبة على إعلان المعارضة السورية رفض الاعتراف بمبادرة مثل مبادرة عنان ، أو بقرار صادر عن مجلس الأمن يعرف النظام الذي يلتزم به كيف يجعله مدخلا لمناورة بعيدة المدى . ويحول المعارضين إلى متفرجين على عملية ذبح أبنائهم وتهديم ديارهم .
ولا يغيب كذلك كيف يمكن أن يوظف النظام هذا الرفض ، ولاسيما وهو قد وجد في هذه المبادرة فرصة للذهاب في مشروع القتل تحت عنوان سياسي . وأقل ما سيقوله : انظروا إليهم إنهم يرفضون الحلول الدولية ويصرون على الذهاب في مشروعهم العنفي ..!!!
إن التزام المعارضة السورية بهياكلها وفصائلها ا بقرارات مجلس الأمن ، الذي ما يزال يعتبر المجموعة المتسلطة على الشعب السورية حكومة شرعية ، يتعامل معها ويخاطبها على هذا الأساس فيه الكثير من الغمط لشهداء الثورة السورية وتضحيات أبنائها . لا أحد يدري لماذا لم تطالب المعارضة السورية مجلس الأمن الدولي أو الجمعية العامة للأمم المتحدة حتى الآن بتجميد عضوية سورية على مقاعدها إلى حين تقوم في سورية حكومة ديمقراطية معبرة عن إرادة جميع أبنائها ..
إن الحرص على الالتحاف بالشرعية الدولية تجعل المعارضين السوريين جميعا عاجزين عن أن يعلنوا نفيرا كالذي أعلنه السيد أحمد جنتي في جامع جامعة طهران : ( على الشيعة العرب أن يذهبوا إلى سورية للدفاع عن بشار الأسد لئلا تقع سورية في يد أعداء أهل البيت ) .. ومع أن تصريح السيد جنتي بكل ما فيه من نتن الطائفية ، وتحريض على الكراهية ، ودفع إلى ارتكاب القتل على خلفية إرهابية ؛ قد مر على المتابعين الدوليين والمثقفين العرب والمدافعين عن الثقافة المدنية والسلمية وعن المدافعين عن المقاومة والممانعة منهم سهوا رهوا ..وكأن الرجل ما قال ، وكأن القتلة تحت راية الولي الفقيه لم ينفروا خفافا وثقالا لذبح أطفال سورية في عالم يبدو أنه أمسى يفضل : لعبة لا أسمع ..ولا أرى ..
السؤال المحرج والذي لا نستطيع أن نطرحه صريحا مباشرا هو : أي تداعيات دولية وعربية وثقافية كنا سنسمعها لو أن معارضا سوريا أعلن الصريخ لحماية أطفال سورية وأعراض نسائها بالطريقة نفسها ؟؟؟؟؟ كان لك أن تفتح ديوانا خاصا لحفظ التنديدات والاستنكارات والتهديدات ومحاضرات أساتذة ( ومن نازعك الرداء فأعطه المئزر ) نعم المئزر أثبتها من غير وهم أو خطأ . وكنت ستسمع حمْلة من المتون والشروح والحواشي وبكل لغات الأرض وعلى جميع خطوط الطول والعرض تحذر من تسلل الأصوليين والإرهابيين والقتلة إلى سورية ..ففي حقيقة الأمر كل هذا القتل الذي يقع على الهوية في سورية لا يثير ذعرا ولا يدفع إلى أكثر من استنكار مداور . أما الرزية كل الرزية فهي أن يمتلك هؤلاء الضحايا المستضعفون أي وسيلة للدفاع عن النفس . كل هذا القتل لا يعني حربا أهلية ولا يعني حرب إبادة ولا حرب تطهير ولا جريمة ضد الإنسانية لأن في عرف الكثير من المنظرين والمتثقافين أن الله سبحانه خلق فريقا من أبناء سورية لكي يذبحهم فريق ، ستقع المصيبة الكبرى في فقه هؤلاء عندما يمتلك الضحايا أي قدرة للدفاع عن النفس عندها ستكون الحرب الأهلية قد اشتعلت وعندها ... وعندها .. !!
إن ثمن حرص المعارضة السورية على شفقة العالم وعطفه وعلى بركة السيد بان كيمون سيكون باهظا . وسيكون هذا الثمن من دماء السوريين وأعراضهم . والأخطر من كل ذلك أنه سيكون على حساب مستقبل ثورتهم . لم يعرف العالم ثورا متسولين للإرادة أو العزيمة ، جوهر الموقف الثوري في تاريخ الثورات الإنسانية كلها هو التمرد على الوهن والضعف والإثقال إلى الأرض .
وقد لا يكون – أخيرا - سبب تعلق المعارضة السورية بمبادرة السيد عنان أنهم لا يمتلكون الجرأة على أن يقولوا لأصحاب هذه المبادرة ( لا ) بأي صيغة من صيغها وتحمل تبعات ( اللا ) هذه ؛ وإنما ينضم إلى ذلك تلقائيا أن هذه المعارضة لا تمتلك بديلا تقدمه للشعب السوري أو للثائر السوري لا على الصعيد النظري ولا على الصعيد العملي . وهذا واقع شديد الخطورة بل هو أخطر في تداعياته المستقبلية من مبادرة عنان نفسها .
وربما من عجز بعض هؤلاء عن اقتراح بديل وتغطيته بما يستحق من إرادة وقدرة وتضحيات تراهم يفضلون دائما البديل الذي يقترحه عليهم النظام فهو أولى من عنان دون أن ينسوا التشديد على بعض الأصباغ ..
المعارضة السورية التي لم تقدم حتى الآن تصورا أوليا لخيار وطني يشق الصخر ليصل إلى غايته ترى في مبادرة السيد عنان نافذة للأمل تفتحها للشعب السورية وإن كانت تدرك أنها ( أُلهية ) تقطع بها الوقت رجاء أن يخطأ النظام خطأ كبيرا يجعل بعض أصحاب المروءات يبادر بالنيابة عنها ...
والمعارضة السورية يريحها أن تجد في مجلس الأمن وفي السيد كوفي عنان وفي بعثة المراقبين مشجبا للإثم تعلق عليه كل الشرور والآثام ، وتعفي نفسها أو يعفيها الناس من المساءلة الجادة : من أين ؟ وإلى أين ؟ وكيف ؟
لا يرتاح إلى لعبة الدم إلا الساديون . وربنا تبارك في علاه نادى على عبده يحيى : يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ . وعلى يحيى أنادي : خذ الكتاب بقوة فتحمل العبء وأعط الأمور استحقاقاتها ودع عن نفسك كل ما يمكن أن يقال . انظروا إلى بشار الأسد يفعل كل ما يحفظ ملكه ولا يبالي بما يقولون ... !!
السؤال الأهم من كل ما سبق من يملك من المعارضة السورية أن يرفض الانخراط في لعبة عنان العبثية ؟! من يظن في نفسه الجرأة على أن ينشد كما أنشد أبو الطيب من قبل :
ويلمها خطة ويلم قابلها ....
أجدني لا أجرؤ على إكمال بيت شعر ويحدثوننا عن حرية الرأي والتعبير ...
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية