ما بين النصرة بالحناجر والخناجر في سوريا
ما بين النصرة بالحناجر والخناجر في سوريا
أ.د.صلاح الدين سلطان
ما يجري في سوريا من مجازر لا يمكن أن ينتهي بالحناجر دون الخناجر، فالحرب كما قالت العرب: أولها كلام، وأقول: وأوسطها سهام وآخرها سلام، ولم أرَ في التاريخ شرا أبيد بالكلام دون السهام، أو الحناجر دون الخناجر، ولا سلام دون سهام تردع اللئام وتؤمّن الكرام، والأمر في سوريا بلغ الذؤابة من القتل والسفك، وطال الأطفال؛ لإذلال الرجال، وافترشت النساء بصورة مذهلة خسيسة، وكله مع التصوير دون حياء ولا ذرة من إنسانية أو حتى حيوانية، ولا أعلم حيوانات في الكرة الأرضية تفعل ما يفعله النظام السوري بشعبه الحر الأبي، ولو تكلم الأسد الحقيقي من أية حديقة حيوان لتبرأ من عائلة الأسد كلها، أو جمع الأسود النبلاء من حدائق الحيوان؛ ليغيّروا أسماءهم حتى يسقط جزار الأسد وعائلته.
هل رأيتم عبر التاريخ بنتا تمشي في شوارع سوريا لم تتجاوز العشرين عاما فيخطفها زبانية النظام ويتناوبون عليها هتكا لعرضها في السيارة العسكرية واحدا وراء الآخر، ثم يذبحون البنت ويلقون بفتاتها كي يتلطّخوا بالدم والفجور معا، وهذا تحت عدسات الكاميرا كي تكون الجرائم مركبة، ببيع الصور وكسب ملايين الليرات منها، وهم يشيعون الفاحشة في الناس، ويلقون الرعب في النفوس.
لكن أحرار وحرائر سوريا نرى منهم صبرا جميلا، ورباطا طويلا، وصمودا عظيما، وتحديا كبيرا، وفوق ذلك يفوضون أمرهم إلى الله تفويضا جليلا، وقد اكتفى العالم بنصرتهم بالحناجر دون الخناجر، واللسان دون السنان، مخالفين هدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي حرك جيشا على يهود بني قينقاع بسبب كشفهم عورة امرأة مسلمة واحدة، وأقام حربا على يهود بني النضير لمجرد الشروع في محاولة اغتيال، وحرك جيشا آخر لأن يهود بني قريظة نقضوا عهدهم دون قتل إنسان، وانتصر لقتيلين غير مسلمين من بني خزاعة وفاء بعهد معهم أن ينصر بعضهم بعضا فكان فتح مكة شاهدا على وجوب الانتصار لأي مظلوم ولو كان غير مسلم، فكيف ساغ الأمر لأمة بأكملها وجماعات إسلامية درست النصوص القرآنية والأحاديث والسيرة النبوية التي تؤكد على أن واقعة الاعتداء أو الهمّ بها توجب حربا وتحرك جيشا؛ لأنه لا يفلّ الحديد إلا الحديد، ولا يُعامل الكرام بما يُعامل به اللئام.
وأريد أن أسال المسلمين، بل علماء المسلمين، والجماعات الإسلامية الكبرى والصغرى في العالم: هل تُجدي الآن الحناجر دون الخناجر لوقف هذه المجازر؟ يا قوم إن النظام السوري قد استفاد من أحبابه الصهاينة "وفقا لمنهج الباطنية والتقية" حيث قالت جولدا مائير إن أسوأ يوم في حياتها كان يوم 4 يونيوسنة 1967م قبل الضربة القاصمة لمصر وسوريا؛ حيث كانت تخشى من رد فعل بالخناجر من العرب والمسلمين، لكنها قالت بعدها: لم أكن أسعد مني من يوم 6 يونيو؛ حيث لم أجد سوى ضجة كلامية وظاهرة صوتية، وبالعربي: حناجر دون خناجر، فاستراحت وقالت: "إن الاحتجاجات ليست رصاصا موجها إلى صدر إسرائيل" وراح الصهاينة في مشوارهم الطويل من القتل والسفك والتهويد لأن العرب كانوا ولا يزالون- إلا المقاومين - يقدمون بين يدي حمامات الدم قصائد نارية، وخطبا منبرية لا تتبعها مواقف عملية، والأصل أن بعض ما يجري في سوريا يقتضي إعلان الحرب على هذا النظام لا إرسال لجان مراقبة من الجامعة العربية، أو إصدار قرارات إدانة من الجمعية العمومية للأمم في الغرف المكيفة بينما الضحية في سوريا يعاني من قسوة لاحد لها ، والعالم يرى أن النظام كافأ شعبه على هذه اللجان والإدانات بمزيد من القتل حيث ارتفع متوسط القتلى- الذين يعرفون- من ثلاثين إلى أربعين يوميا إلى ما فوق المائة الآن، ولذا يجب أن تخرج الشعوب الإسلامية عن صمتها، والجيوش العربية عن ثكناتها، والسيوف عن أغمادها، كي تتحول الظاهرة الصوتية إلى غارات جوية، وقذائف نارية، دون أن نسمح للغرب أن يكون له دور في إنهاء الأزمة السورية، ولابد أن تجتمع المجامع الفقهية من أجل سورية، وأن تلتقي وزارات الدفاع في الأمة الإسلامية لحماية السنة بعد أن فَجَرت إيران وانجرف حزب الله إلى الميدان السوري يخططون ويهجمون ويقتلون ويغتصبون، ونحن في الجوامع والصوامع ندعو فلا يستجاب لنا لأن الله تعالى لا يجيب الكسالى، ولا يقبل من المخلّفين، ولا يرضى عن القاعدين، ولا ينصر الذين يقولون ما لا يفعلون، بل كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو في العريش: "اللهم إن تغلب هذه العصابة، فلن تعبد في الأرض بعد اليوم" كان هذا والجيش قد تلمظ وخطط، واستعد الرجالُ للنزال، وهنا كان الدعاء مقبولا، ونزلت الملائكة تثبت الذين آمنوا وتضرب فوق الأعناق، وتبث الرعب في نفوس الكافرين، وهي جاهزة فقط لأصحاب الحناجر والخناجر، القول والفعل، فهل يسمع شعب سوريا المظلوم صوتا عربيا واحدا من الشعوب أو الأنظمة يقول: لا تحزني أختاه ولا تبتئس أخي في الله والعروبة والإنسانية، فسوف يأتي لجزار الأسد ما يرى لا ما يسمع؟!
لا حرج على الإنسان أن يحلم فحقائق اليوم هي أحلام الأمس، فناموا واحلموا بأن تلحقوا الخناجر بالحناجر والسنان باللسان، والله وحده المستعان وعليه التكلان.