عقارب ساعة الدم تدور
عقارب ساعة الدم تدور
دعوة إلى التفكير خارج مجلس الأمن
زهير سالم*
المواقف السياسية لا تصنع بردات الفعل. والسياسي لا يكون متعجلا ولا نزقا؛ هذه بعض قواعد العمل السياسي نذكرها حتى لا نُذّكر بها . ولكن دمنا الوطني المراق بإرادة دولية يجعل من الزمن عاملا أكثر أهمية في حساباتنا، وإن لم يكن كذلك بالنسبة للآخرين.
بشار الأسد يعتقد أنه كلما استطال أمد الأزمة أضاف إلى رصيد صموده يوما، واكتسب فرصة أخرى لإقناع العالم أنه الخيار الوحيد الممكن والقائم. ولا يبدو بشار الأسد مهتما أبدا بالجواب على سؤال : كم هو مستعد ليدفع ثمن بقائه من دم الشعب السوري؟! فالحساب بالنسبة إليه مفتوح على العشرين مليون ولا يبالي. ألم يكن جواب والده يوم الجولان: بقينا تعني انتصرنا، ولا يهم ما ضاع. وكم ظلوا يتفاخرون بانتصارهم في الثمانين على شعب سورية دون أن يشعروا بالحرج من الثمن الذي دفعوه!!!
ولم يجد أحد عليهم حرجا في ذلك.
والروس والصينيون هم الآخرون لهم تجاربهم المماثلة، بوتين وقتل مواطنيه في مسرح موسكو لا بد أن يذكرنا بشمشون والمعبد. والصينيون ليسوا أحسن حالا في الاهتمام بحياة الإنسان، وربما نسأل عن بعض ذلك أهلنا أبناء تركستان.
عام على الثورة مع عشرة آلاف شهيد، ولا يزال وزير الخارجية الروسي يريد أن يشرح وجهة النظر الروسية للسوريين أو للعرب أجمعين ، ولا يزال بعض أولئك وهؤلاء يريدون أن يشرحوا للروس وجهة نظرهم. علما أن عاما من الدروس الخصوصية المتبادلة ممهورة بدم عشرة آلاف سوري لم تنجح في تبادل مقدمة واحدة على طريق الشرح والتفهيم..
لا يشك أحد ولا يشكك في دور مجلس الأمن في صنع الموقف الدولي. ولا يشك أحد في أن الولوج إلى التعامل مع القضايا الإنسانية عن طريق مجلس الأمن هو خيار أساسي من نوع : إتيان البيوت من أبوابها.
وليس على صعيد الساحة الوطنية السورية كذلك من يحدد موقفه من روسيا أو من الصين على أساس إيديولوجي أو قومي أو على أي خلفية مسبقة. بل لقد كانت الرسالة الأولى التي أُرسلتها جميع القوى الوطنية السورية إلى القيادتين الروسية والصينية: أن الثورة السورية ثورة وطنية متطلعة إلى العدل والكرامة على الصعيد الوطني. مع إصرار القائمين بها على أنهم ليسوا جزء من أي صراع دولي أو إقليمي...
بعد كل هذا نؤكد أن عقارب ساعة الدم ، والتي يجب أن نلاحظها بما تستحق من حساسية، تجعل التفكير خارج إطار مجلس الأمن الأجدى على كل المستويات للتقدم في مشروع الثورة الوطنية السورية وفي مشروع نصرتها..
إنه وبعد التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة بأبعاده الإنسانية والأخلاقية والسياسية؛ ينبغي أن تُترك كل دولة في هذا العالم وما اختارت لنفسها.فلا وقت أكثر نضيعه في ضخضاخ الدم للمزيد من الشرح والتوضيح. ومن لم تقنعه جثامين خمس مائة طفل سوري ذبحوا على يد النظام لن يقنعه بعد شيء. ومعرفتهم بحقيقة الحديث عن المؤامرة والعصابات المسلحة ليست أقل من معرفة بشار الأسد.
نعتقد أن اللهاث بعدُ وراء موقف روسي أو صيني ليعيدنا إلى مجلس الأمن سيكون فيه مضيعة لمزيد من الوقت، وبتعبير حقيقي فيه هدر لمزيد من الدماء. وكذا سيكون الحديث عن انغلاق الخيارات خارج مجلس الأمن نوعا من العجز.
ونعتقد أيضا أن التحرر من التفكير تحت سقف الاشتراطات الروسية والصينية سيجعل المواقف العربية والدولية أكثر تجاوبا مع أماني وتطلعات الشعب السوري.
التفكير خارج إطار مجلس الأمن حين تتبناه صراحة المعارضة السورية سوف يسقط (الفيتو الذريعة) الذي يختبئ وراءه الكثير من اللامبالاة أو العجز الدوليين. سيوجه الواقع السوري خطابه الإنساني والأخلاقي لكل دولة في العالم وسيتلقى الجواب العملي عليه.
وعندما يقرر الروس والصينيون أن يصححوا موقفهم، وأن يلحقوا بالركب الإنساني ربما سيجدون بعد لهاث لأنفسهم مكانا في المنظومة الأخلاقية العالمية..
توقفوا عن اللهاث.. دعوهم يلهثون فقطار الثورة لن يتوقف..
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية