افتتاحيات 16-07-2011
الثورة السورية: حديث من القلب (10)
يا نشامى الفرات
مجاهد مأمون ديرانية
هذا يومكم؛ حقٌّ لكم أن تفخروا بأنكم حجزتم في ألبوم الثورة يوماً، وحقيقٌ على سوريا كلها أن تفخر بكم أيها الأكماء الأكفاء الجُرَآء البُسَلاء.
يا نشامى الفرات: أنتم أبناء النهر والصحراء، أبناء الحرية والكرامة والإباء. إنّ حَبَّ الرمل يسافر على صفحة الصحراء لا تحدّه حدود، وقَطْر الماء يتدفق في لجّة النهر لا تحجزه سدود، فكيف يطيق ابن النهر والصحراء أن تأسره وتحكمه عصابة من المجرمين والأنذال؟ هذا مُحال.
إذا كانت ثورات المدن كلها رياحاً فإن ثورات أبناء الفرات أعاصير... بوركَت أعاصيرُكم يا نشامى الفرات. لقد أثلجتم صدورَ إخوانكم في سوريا كلها بحشودكم التي ملأت الأرضَ حتى ضاقت عنها الأرضُ، وهتافاتكم التي ملأت الفضاء حتى ضجَّ منها الفضاء... إنها مواكب الحرية التي سيذكرها لكم الناس إلى آخر الزمان.
هذا يومكم يا نشامى الفرات، يا ليوث الدير والميادين والقورية والعشارة والطيانة والشحيل والبكارة والبورحمة والرقيب والبصيرة والحوايج والقرعان والشنان، وكل موطن وناحية من نواحي الفرات: إخوانكم في البوكمال يُصبحون ويُمسون على لهب النار. إنهم إخوانكم لا إخوانَ لهم غيركم، فلا تُسْلموهم إلى عدوهم وعدوكم، إنه عدو فاجر لا شرف له ولا خلاق.
بينكم وبين البوكمال مسيرة ساعة، فهبّوا إليهم بالفزعة الكبرى. أخرجوا من كل أربعة من رجالكم واحداً، فهؤلاء مئة ألف؛ لن تقف في وجه مئة ألف من عمالقة الفرات كتائبُ القمع والعدوان، لن تقف أمامكم عصائبُ البغاة والخُوّان؛ لن يُغلَب مئة ألف من قلّة!
يا عمالقة الفرات: لقد كنتم شامةً في جبين الوطن على الدوام، وكنتم فخراً لسوريا في كل حين. أيامكم الغُرّ في مجاهدة الاستعمار لا تُنسى، وبطولاتكم وتضحيات أبنائكم مسجَّلة في تاريخ سوريا بحروف الذهب. وها قد دار الزمان دورته وعدتم إلى صدارة الملحمة، فهيا انهضوا وقوموا يا أسود الفرات، يا أبطال الدير والميادين وهاتيك النواحي الماجدات، صِلوا المجد القديم بالمجد الجديد، وسجّلوا سطراً جديداً في ملحمة الخلود.
الثورة السورية: خواطر ومشاعر (17)
ليسوا منا، نحن منهم بَراء
مجاهد مأمون ديرانية
أمسى المساءُ أمسِ على الناس في دمشق الكبرى، المدينة وضواحيها وبناتها الحافّات بها من القرى والبلدات، وهم على خمسة أقسام: فريق انشغلوا بدفن شهدائهم ومداواة جراحهم؛ أولئك هم أهلنا المكلومون في دوما وحرستا وزملكا والكسوة والقدم ونهر عيشة والميدان وبرزة وجوبر وركن الدين والقابون.
وفريق انطلقوا إلى أهليهم وأحبائهم يشاركونهم آلامهم ويواسونهم في مصابهم؛ أولئك هم كرام أهل الشام، الأخيار الشرفاء الذين ساروا في مواكب الشهداء واجتمعوا في سُرادقات العزاء.
وفريق كانوا في شغل عن ذلك بعصابة المجرمين التي اجتاحت مدينتهم واقتحمت بيوتهم، فاعتقلت أحرارهم وروّعت حرائرهم في حملة هولاكية شرسة فاجرة؛ أولئك هم أهلنا المصابون المصابرون في قطنا.
وفريق انصرفوا إلى الطبل والزمر والرقص والغناء، يحتفلون بعيد المجرم الأكبر ويباركون جرائمه؛ أولئك هم سَفَلة دمشق وسوريا وأنذالها الذين اجتمعوا في مسخرة التأييد في ساحة الأمويين.
ومَن بقي من الناس من أهل دمشق أحيَوا نهارهم لاهين وناموا ليلهم مطمئنّين، لا همّ لهم في عير ولا نفير.
فأما المصابون والمصابرون فهم أهل دمشق الذين تفاخر بهم الدنيا، قد غدت بفضلهم دمشقُ جسداً واحداً على قلب واحد، لا فرق بين حيّ من أحيائها وضاحية من الضواحي، ولا فضل لناحية على أخرى إلا بسابقة الثورة والجهاد.
وأما اللاهون النائمون فما زلنا نرجو لهم أن تستيقظ ضمائرهم من سُباتها وأن تنشط هِمَمهم من عِقالها، فيغالبوا خوفهم ويتعالوا على مصالحهم، ويصطفّوا مع إخوانهم في موكب الثورة، ويركبوا معهم مركب الكرامة والحرية.
وأما الراقصون على جراح المدينة فليسوا منها ولا هي منهم. لقد استجديتُ العذر في مرات سابقة للمشاركين في مساخر التأييد وافترضت فيهم حسن النية، قلت لنفسي: لعلهم بين مُكرَه على المشاركة ومخدوع، ولكنهم لا عذر لهم منذ اليوم.
ليس دمشقياً من يرقص ويمرح وفي دمشق جرحى لم تندمل جراحهم وشهداء لم تجفّ دماؤهم، برئت منكم دمشق يا أيها الراقصون. ليس سورياً من يهتف بحياة المجرم فيما ضحاياه في طول سوريا وعرضها تحت النار يتساقطون وإلى العذاب يُساقون، برئت منكم سوريا يا أيها الهاتفون. ليس عربياً من يلهو ويعبث غيرَ مُبال بالثكالى والأيامى واليتامى من إخوته في العروبة، برئت منكم العروبة يا أيها العابثون. ليس مسلماً من يسلو ويلهو وإخوانه في الدين يُقتَّلون، ثم يتخذ الطاغية وثناً يصلي له ويسجد، برئ الإسلام منكم يا أيها اللاهون الصابئون.
يا أيها الناس: دمشق لم تفقد بضعةً وعشرين بطلاً من أبنائها يوم الجمعة، أولئك الشهداء أحياءٌ في معيّة الرحمن. دمشق فقدت مئة ألف من سَفَلتها يوم الأحد في مسخرة التأييد، أولئك الموتى حقاً، الذين مات فيهم الشرف والضمير.
لن يضرّ سوريا أن تطرح عن نفسها مئة ألف خائن، ففيها ما يكفيها من ملايين الثائرين الأحرار والصادقين الأخيار.
الثورات العربية..
وإشكالية المواقف النخبوية
د. عيدة المطلق قناة / الأردن
الأوضاع العربية تكاد تكون متشابهة .. فجل العرب يعانون من بطالة قياسية ، ومن فقر يزداد اتساعاً وعمقاً .. وتآكل للطبقة الوسطى، وتدهور للقدرة الشرائية .. واقتصادات ينخرها الفساد وتثقلها المديونيات العالية ..وجلهم يعانون من أنظمة استبدادية بوليسية .. لا تحترم الإرادة الشعبية ولا تؤمن بتداول السلطة .. وجل العرب يعانون من عدم استقرار تشريعي ..ومن تغييب لدولة القانون والمؤسسات .. فالانتخابات مزورة والدساتير عرضة للتلاعب والتغيير وفق المصالح والأهواء !!
لقد سامت الأنظمة شعوب أمتنا سوء العذاب ؛ حتى باتت تمتلك خبرات تراكمية في القمع المنهجي المتكامل الذي ربما يبدأ بالغاز المسيل للدموع .. ليتحول وبسرعة قياسية إلى الرصاص الحي وإلى أشكال غير مسبوقة من العنف الدموي قتلاً وذبحاً وتنكيلا حتى الموت وتشويهاً للأجساد وصولاً إلى الرقص والعربدة فوقها .. إذ لا مانع لدى هذه الأنظمة - في سبيل حماية "الثورة - من حملات تطهيرية استئصالية متلاحقة .. تشيب الولدان أمام النزر القليل الذي رشح من حيثياتها .. حتى لو اقتضى الأمر تدمير المدن واستباحة حتى مساجدها وكنائسها ومواقعها الأثرية .. فمن لا يقف مع الثورة هو بالضرورة في صفوف أعدائها.. !!
لقد حولت هذه الأنظمة جيوشنا الوطنية إلى قوات احتلال تغزو وتجتاج المدن وتنكل بمواطنيها .. وتبدل أمنهم خوفاً .. واستقرارهم تشرداً ولجوءا .. وبيوتهم الآمنة المستقرة إلى مخيمات تعصف بها الرياح .. جيوش جعلت خيارات الشعوب محددة بين مقابر جماعية .. ومخيمات النزوح في الجبال والصحاري .. !!
فلا غرابة والحال هذه– بعد أن وصل الاستبداد مداه - أن ترتفع حرارة الشارع العربي حتى درجة الغليان .. ولا غرابة أن تخرج الملايين للمطالبة بإسقاط أنظمتها .. ولا غرابة من ارتفاع وتيرة وكثافة الزخم الاحتجاجي وانتشاره واتساع نطاقه يوماً بعد يوم .. !!
ولكن هذه الأنظمة بعد أن تجرف الجثث والدماء شرعيتها.. تحاول بكل ما بوسعها من أدوات وأوهام القوة .. بأن تتجمل وترمم صورتها بالدعوة لحوارات وهمية .. إذ تحدد السلطة شروط هذه الحوارات وجداول أعمالها ووثائقها وشخوصها والناطقين باسمها وأدواتها الإعلامية.. فهي تدعو للحوار في نفس الوقت الذي تتواصل فيه عملياتها القمعية وتقوم أجهزتها الأمنية والعسكرية بغزو المدن وحصارها ..وتنفيذ حملات مكثفة من الاعتقال والقنص والقتل والتنكيل!!
ولا ندري كيف يستوي الحوار مع أنظمة تقتل وتغتصب وتنكل بالجثث ؟؟ وكيف يمكن للشارع أن يثق بمخرجات هكذا "حوار" يدار تحت أسنة الحراب وجنازير الدبابات وعربدة الشبيحة والبلطجية...؟؟
أمام هذه المشهد الحافل بالتناقضات..بات من الطبيعي أن تفقد أدوات السلطة القمعية فعاليتها وأن تفشل في إعادة عقارب الزمن إلى الوراء وإعادة المارد إلى قمقمه ثانية .. فالأنظمة لم تعد قادرة على السيطرة وضبط إيقاع الشارع!!
ورغم كل مافي هذا المشهد من إشكاليات وحيثيات قاسية .. إلا أن الإشكالية - التي تبدو عصية على الفهم - تكمن في ردود الأفعال والمواقف المتضاربة التي تصدر عن بعض النخب..!!
بعض هذه النخب أخذت تدافع عن الأنظمة وتشرعن ممارساتها وتروج لمزاعمها وترهاتها .. وتتبنى روايتها خاصة في اتهام الإعلام والفضائيات بأنها "تأتينا بأنصاف الحقائق" وتفبرك الروايات لان هدفها إسقاط " الأنظمة الثورية الممانعة" تلبية للرغبة الأمريكية.!!
وبعضها أخذ يتهم الثورات العربية – وخاصة الثورة السورية – بأنها مفتعلة، يقودها "الزعران والحشاشون " .. !!
وبعضها تكرم بالاعتراف بجزء من الحقيقة – بأن هناك متظاهرين "سوريين" خرجوا مطالبين بـ"حقوق مشروعة ومحقة ".. ولكن هذه النخب تجزم بأن "أياد خفية" تسللت بينهم .. لإثارة الفوضى وإسقاط الدور القومي لـ"سوريا" ..
في حين بلغت جرأة بعض النخب حد اعتبار ثورات عربية بعينها بأنها "صناعة امبريالية" .. تهدف إلى إجهاض أنظمة الممانعة والمقاومة والصمود .. وكأن التغيير في هذه الأنظمة إن حصل فسوف يؤدي إلى تصفية المقاومة !!.. علماً بأن - هذه النخب على تعددها – لم تقدم لنا تفسيراً لتصريحات أحد بعض رموز النظامين الليبي والسوري للصحف الأمريكية والبريطانية ومفادها أن "استقرار إسرائيل هو في استقرار هذه الأنظمة " !!
ونتساءل : هل بلغ الاستزلام إلى درجة أن تقوم هذه النخب بتجنيد نفسها للعبث بالذاكرة العامة والتشويش على مسار الوعي الشعبي وشن حرب نفسية ضد ثوار هذه الأمة لإجهاض الثورة والقطع بين الثوار والشارع عبر إطلاق موجات متواصلة من حملات التشكيك والتخوين ؟؟
فحين تتم إحاطة كل فعل ثوري بشبهات الخيانة والعمالة .. وحين يتم الترويج لهذه الشبهات بالتخويف من أخطار تختبئ في عباءة هذه الثورات وأقلها الفوضى والحرب الأهلية أو التقسيم والتفكيك .. وحين تختلط المفاهيم .. وتتحول الثورة لتصبح تمرّداً، والحرية فوضى، والوحدة طائفية أو عرقية أو جهوية .. عندها تبدأ منابع الثورة الشعبية بالانحسار .. فتضعف الثورة وتعود الشعوب إلى حالة السبات القهري مرة أخرى !!
فأي منطق هذا الذي تروج له هذه النخب ؟؟
وهل المقاومة والصمود والممانعة صناعة الأنظمة؟؟
أو ليست المقاومة صناعة الشعوب الحرة الكريمة التي تمتلك أقدراها وخياراتها ؟؟ أو ليست الشعوب هي سدى المقاومة ولحمتها وخزانها البشري والمادي والاستراتيجي؟؟..
أم أن إيصال الثورات العربية إلى حالة العقم هو هدف بحد ذاته تعمل عليه بعض هذه النخب – هداها الله - ؟