حقد أسدي متوارث على مدينة أبي الفداء
الثورة السورية: عِبَر وفِكَر (7)
إلى من يَهْجون حلب:
لا تساعدوا عدوَّكم على أنفسكم
مجاهد مأمون ديرانية
منذ الأيام الأولى للثورة وأنا أقرأ تعليقات سلبية تعرّض ببعض المدن وأهلها. في الأسبوع الأول ضمّت قائمةُ الهجاء دمشقَ وحلب وحماة، وما لبثت حماة أن انفجر فيها البركان فانقلب الهجاء إلى ثناء، ثم ازدادت مشاركة دمشق في الثورة أسبوعاً بعد أسبوع فكفّ عنها العاتبون، وبقيتُ إلى اليوم أقرأ تعليقات مشحونة بهجاء حلب.
أنا لست من حلب ولا أعرفها ولم أزرها في حياتي قط، ولكني أحببت أن أقول كلمة الحق، فليحتملها مني الناقمون منكم على حلب والناقدون: اسمحوا لي أن أقول لكم إنكم مخطئون يا أيها الغيورون على الثورة، وإنكم لا تخدمون ثورتكم بهذا السلوك بل تخدمون عدوَّكم من حيث لا تشعرون.
هذه ثورة أمة، ثورة شعب كامل رفض الاستبداد والاستعباد، فلا ينبغي للثورة أن توزع الناس على قوائم المدن والمناطق والطوائف والأعراق، بل فقط على أساس مواقفهم من الثورة والنظام. عندئذ سنقول إن فلاناً من الناس ثائر حر شريف اصطفّ مع ثورة الأحرار الكرام، وإن فلاناً مجرم عبد ذليل اصطفّ مع نظام الخيانة والإجرام، أي أننا سنصدر الحكم على فلان وعلى فلان، أما أبو فلان وأم فلان وزوجه وبنوه وعائلته وعشيرته فلا شأن لنا بهم، وإنما يدخل الواحد منهم إلى إحدى القائمتين: الشرف أو العار، بعمله وبما تكسب يداه.
نحن نعلم -مثلاً- أن كثيراً من مجرمي النظام وعملائه من حوران، لكنهم لن يضروا أهل حوران الكرام الأشراف ولن يُلحقوا العار لا بالعائلات التي ينتسبون إليها ولا بالمدن التي وُلدوا فيها وخرجوا منها، إنما عارهم على أنفسهم، أما حوران فسوف تبقى جوهرةَ الثورة ودُرّتها، وسيبقى عامّة أهلها في صدر صفحات الشرف والكرامة في سجل الثورة السورية العظيمة.
الأمر نفسه ينطبق على كل مدينة وقرية وناحية في سوريا، فإنها لا تخلو أمة من الأمم ولا جماعة من الجماعات من المجرمين والانتهازيين والسّفَلَة وضعاف النفوس، وبعد انتصار الثورة (القريب بإذن الله) سيكون الحساب للأشخاص لا للعشائر ولا للطوائف ولا للمدن والمناطق؛ هذه قاعدة من أهم قواعد الدين والأخلاق: "لا تَزِر وازرة وِزْرَ أخرى"، و"كل نفس بما كسبت رهينة". أما النظام المجرم الذي يحكم سوريا فله قاعدة أخرى، فإذا أجرم -بميزانه الظالم- رجلٌ من عائلة فالعائلة كلها تصبح عرضة للرهن والملاحقة، وإذا أساءت -برأيه الأعوج- جماعةٌ من مدينة فالمدينة كلها تستحق العقاب! حَذارِ أن نكون مثله! ونحن نصبح مثله حينما نعمّم الحكم ونأخذ بجريرة المجرم (أو عصابة المجرمين) المدينةَ من المدن أو الطائفةَ من الطوائف أو العشيرةَ من العشائر.
لذلك قلنا من قبل ولن نزال نقول: معركتنا هي معركة مع مجرمي النظام ومع عبيد النظام من أي فئة أو طائفة أو منطقة كانوا، ولن نسمح لأحد أن يجرّنا إلى استعداء الأبرياء والشرفاء من أي فريق. والآن: هل يمكن أن يظن عاقل أن حلب بطولها وعرضها ليس فيها آلاف -على الأقل- من الشرفاء الأحرار الذين اختاروا لأنفسهم طريق الثورة وركبوا مركبها؟ الجواب: لا يمكن تصوّر أمر كهذا. ألا تخرج في حلب أصلاً مظاهرات؟ بلى، بل إنها تزداد اتساعاً وعنفواناً أسبوعاً بعد أسبوع. حسناً، عندما يهجو أحدكم أهلَ حلب جملة واحدة، ألا يهجو معهم أولئك الأحرار الثائرين؟
نحن نعلم أن في حلب كثيرين ممن رضوا بالسكوت ولاءً للنظام، أو خوفاً من شرّه، أو تغليباً للمصلحة، أو لغير ذلك من الأسباب، المهم أنهم كثيرون. ونعلم أن في حلب جيشاً من عبيد النظام من عصابات بعض العشائر والعائلات الذين باعوا للنظام أرواحهم وضمائرهم وانقلبوا على بنيهم وأهليهم، وهؤلاء أيضاً كثيرون. وسط هؤلاء وأولئك قامت ثُلّة من الأبطال الشجعان تهتف أن لا للسكوت ولا للظلم ولا للاستعباد والاستبداد، ونزلت إلى الميدان تحارب على الجبهتين: النظام المجرم بشبّيحته وأجهزته الأمنية القمعية، وجمهور الساكتين المستسلمين من أهل المدينة. أولئك خياركم يا ثوار سوريا، ليس لأنكم أقل منهم وطنية، بل كلكم في الوطنية والشهامة والرجولة سواء، ولكن لأنهم يَلقَون من العنت ما لا يكاد يلقاه ثوار سوريا كافة.
في حمص وحماة يواجه المتظاهرون النار والأمن، ولكنهم يلتقون عشرةَ آلاف متظاهر مع بضع مئات من عناصر الأمن. حتى درعا التي تظاهر أهلها كلهم تقريباً في أيام الاستقلال الأولى (هكذا أسمّي الشهر الذي سبق اجتياح درعا بالجيش والدبابات) درعا احتلتها كتائب الاحتلال الأسدية التي وصل عدد عناصرها إلى عدة آلاف... أي بمعدل عنصر أمن لكل عشرين من السكان أو عشرة في أعلى التقديرات. بالمقابل أنظرُ إلى مظاهرات حلب في سيف الدولة وصلاح الدين والصاخور والشعار وغيرها من المناطق فأجد أن المئة من المتظاهرين والمئتين يواجههم ألفٌ من الأمن والشبيحة المسلحين بما هو أسوأ من المسدسات والرشاشات: العِصِيّ الحديدية والكهربائية والسلاح الأبيض... وما أهونَ الموتَ برصاصة في الجبين أو العنق مقارَنةً بالموت ضرباً بالعصي والهراوات وتشريطاً بالسكاكين والشفرات!
إنهم قلّة يخرجون إلى المظاهرات في عين الخطر، وسط بحر من الجبناء المتخاذلين والأعداء المستأسدين، فلا تَزيدوا همهم وتنثروا على جراحهم الملح بكلمات حِداد شِداد يا عباد الله. لا تخوِّنوا مدينة بجريرة بعض أهلها، ولا يكُنْ بعضُكم عوناً للنظام الظالم على بعض، بل ليضع الصادقون المخلصون أيديهم في أيدي إخوانهم في حلب وفي غير حلب، حتى نعبر معاً الطريق الصعب إلى الحرية بأقل الخسائر بإذن الله.
أما أنتم -يا ثوار حلب الأبطال- فأدعو الله أن يثبّتكم في وجه عدوكم وأن يثيبكم على صبركم ويعقبكم نصراً مؤزراً، ولا أملك مع الدعاء إلا الرأي، فإن كان يفيدكم فها هو بين أيديكم في المقالة الآتية.
تعليق على الموضوع أعلاه
السلام على أهلنا المجاهد بالسلم وليس بالحربة ورحمة الله وبركاته
كلام الأستاذ مجاهد في
الموضوع أعلاه فيه من الصواب الكثير ولكن أود التأكيد على أن "الشعب الحلبي" الأبي والمعروف برباطت جأشه وعناده وفدائيته لابد له من أن ينتفض في كل يوم وساعة ويكون قدوة لباقي المدن السورية وحتى العربية - فالكثرة تغلب الشجاعة - ولو أراد هذا الشعب الخروج بنية صادقة وعزم مجاهد سيتغلب بقوة الله على كثرة الغوغائيين من أزلام السلطة الجبناء وأبواقها العبيد.فأنا أشعر بأن مدينة الشهباء كالنسر بكبر حجمه وقوته ولكن أشعر بمدينة أبي الفداء بالعقاب مع صغر حجمه هو أقوى وأشجع من باقي الطيور الجارحة - وأتمنى لهذا النسر "الأشهب" أن ينتفض من سباته ويحلق ويغطي سماء وأرض الوطن بالكبرياء والشهامة ويمنحها الحرية والكرامة.
فما على الشارع "الحلبي" إلا التنسيق فيما بينه وبالطريقة التقليدية (غير الألكترونية المراقبة) وليتعامل مع النظام وكأنه في الثمانينات من القرن الماضي وينظم صفه ليخرج بساعة واحدة بكل الحارات والأزقة والشوارع ولتقوم النسوة الحلبيات النشميات ومن شرفات منازلهم بدعم هذا الحراك السلمي من خلال الهتاف والتشجيع لشباب الثروة ورمي رجال السلطة بما تجود به أنفسهن من بقايا طعام والأثاث وحتى الماء المغلي حتى يخاف ويتشتت رتل هؤلاء الجبناء من الشبيحة ويواجهون الشعب من الأرض (الشارع) والسماء (غضب الرب والعباد من شرفات وأسطح العمائر) وبقوة الله وعونه ستتغير الكفة لصالح هذا الشعب المسالم "ليس للأبد طبعاً" وتنتصر الثورة النزيه هذه على الظلم والطغيان ولا يكون لحلب وأهلها سطر في مجلد الثورة فيها إهانة أو خذلان أو حتى نسيان.
بارك الله بالأخوة المجاهدين والمناضلين بكل بقاع سوريا الحبية والوطن العربي الأبي
والسلام عليكم ورحمة الله
عقاب حلب - بو عبدالله
حقد أسدي متوارث على مدينة أبي الفداء
د. ياسر سعد
[email protected]
في جمعة أرحل، اختصرت
حماة المقالات وتجاوزت المناظرات، فسلحت بالمنطق والبرهان ثوار الحرية وأخرست
بالصورة والصوت أبواق النظام وناعقيه وداعميه. الشعب السوري بألوانه وأطيافه
وطوائفه، بشيبه وشيبانه، وبرجاله ونسائه يريد الحرية، وإذا كان نقيض كلمة الحرية في
العالم العبودية أو الاستعباد، فإن نقيضها في سورية الأبية ومنذ عقود أربعة هو حكم
آل الأسد.
هل يجرؤ الآن أي شاهد
زور بعد جمعة أرحل الحموية ولو تنكر بزي المقاومة أدعاها أن يزعم بأن غالبية الشعب
السوري مع حكم الطغيان أو أنهم يؤيدون بشار؟ وهل سنستمع بعد الآن لتخرصات أمريكية
تطلب من بشار أن يقود الإصلاح وقد قال الشعب السوري كلمته وبصوت عال ومدو: أرحل؟
لم تكن حماة استثناء في
المدن السورية على الرغم من الخصوصية الحموية وعبر التاريخ: شجاعة وإقدام وتضحية
وإباء؟ نعم لم تكن حماة إلا واسطة العقد في مدن وقري سورية تتألق حرية وتزدان كرامة
وتنتفض عزة وإباء. الأقدار كتبت لحماة محافظا لا يحب سفك الدماء ولا إزهاق الأرواح،
فأقنع الدولة بسحب قواتها وشبيحتها وعصاباتها الأمنية أسبوعين أو أكثر، فاختفى
المندسون وساد الأمن وعم الأمان وكانت المدينة مثالا للانتظام وسيادة لغة القانون
ومنطقه وكان نصيب المحافظ إقالة سريعة وعاجلة.
لو أن القصة تكررت
واختفى الأمن في مدن سورية... في حلب أو السويداء أو الدير أو درعا أو بانياس وفي
غيرهم، لرأينا فيها ما رأيناه في حماة، مظاهرات حاشدة وحشود هائلة وكلمة واحدة:
"أرحل".
هل يجرؤ النظام أو
أبواقه أن يزعموا أن الجيش السوري اقتحم حماة بناء على طلب أهلها ومناشدتهم كما كان
يزعم قبل استباحة مدن سورية؟ وإذا كانت عشرات الدبابات السورية تنتشر في القرى
والمدن والأزقة والشوارع فمن يحمي الحدود وممن؟
منذ نحو أربعة أشهر
ونظام الأسد يقتل ويعذب ويستبيح ويعتقل ويحاصر والعالم العربي صامت والإسلامي غائب
والدولي عابث بألفاظ متأرجحة وعقوبات ثانوية وكأن الجميع يعطي الأسد وقتا كافيا
لإذلال الشعب السوري وإخضاعه.
لكم الله يا أهل الشام
أبطال حماة وانتم تصنعون أطهر الثورات وأنقاها وأرقاها، لا يضركم من يخذلكم ولا
يشغلكم من خانكم.