سيدي يا أبا عبد الله
كاظم فنجان الحمامي
تعلمتُ من نهضتك وثورتك انتصار النفس المطمئنة على النفس الأمارة,
وتيقنتُ أني لا استغني عنكَ يا سيدي. تعلمتُ منك أن أتدبر القرآن ومعانيه وأهدافه, وأتمسك بمدرسة الحق والهدى, ولا أتخلى عنها, وأن أدافع عن عقيدتي وأخلاقي بالعلم والمعرفة والجهاد الأول لنفسي.
أنت يا سيدي تعيش في ضمير كل محروم ومظلوم في أرجاء المعمورة, وليس في عقول وضمائر المسلمين وحدهم، لأنك جسدت إرادة الخير والعدل والمساواة بين الناس, بعيدا عن انتمائهم واحسابهم وأنسابهم. وكانت رسالتك في عاشوراء قائمة على أبعاد سلمية تتخذ من وسائل اللاعنف طريقا لنشر الهداية والرحمة, ومبنية على الاستقامة وإصلاح ذات البين, وتحقيق الحرية والعدالة، بما ينسجم مع رسالة المحبة والسلام, فما أحوجنا اليوم يا سيدي إلى العمل بوصيتك التي قلت فيها : (أأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، وإلا ليسلطن الله عليكم شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم), وقلت: (ألا ترون إلى الحق لا يُعمل به, وإلى الباطل لا يُتناهى عنه . . ), فكانت دعوة الانطلاق إلى كربلاء أن (افشوا العدل في الناس فهم عبيد الله وانتم مثلهم). ما أعدلك يا سيدي حينما قلت لأنصارك في واقعة الطف: (اكره أن أبدأهم بقتال قط. . ). فسلوك اللاعنف الذي تمسكت به هو مصداق, وامتداد واقعي لرسالة الإنسانية, فالإسلام يحرم الغدر والاغتيال والإرعاب, وينبذ كل ما يسمى اليوم بالعنف والإرهاب، فلا عنف في الإسلام، ولا يسمح الإسلام بأي عمل من أعمال العنف والترهيب والترويع الذي يوجب إيذاء الناس ومصادرة حرياتهم, وإزهاق أرواحهم، وتعذيبهم والغدر بهم وبحياتهم، أو يؤدي إلى تشويه سمعة الإسلام والمسلمين, اما اليوم فنحن يا سيدي نموت بالجملة في فراشنا, نموت مجانا كما الذباب, من دون أن نتعرف على ملامح الذين قتلونا واسترخصوا دمائنا, ومن دون أن نعرف الأسباب والدوافع والمبررات. فهل كتب علينا أن نموت ونحن أبرياء بلا ذنب. فبأي ذنب نُقتل ؟. ولماذا نُقتل ؟.
ألا يكفينا دمارا وتمزيقا وتشريدا ؟, ألا نخجل من أنفسنا ونحن نرى العالم من حولنا يتقدم بخطوات ثابتة نحو البناء والمجد ؟, وينعم بالأمن والاستقرار ؟. ونحن نتعرض إلى التشرذم والتمزق والفرقة, ويطاردنا الخوف في كل مكان, وينتظرنا الموت على أبواب المدارس والأسواق والمساجد والمستشفيات, ألا نخجل من أنفسنا ونحن نثقف الأطفال على القتل وسفك الدماء, ونتفنن في صناعة الموت والدمار. ألا نخجل من أنفسنا ونحن متبعي خير الرسل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ؟؟.
أين نحن من كل ما قدمه الشرفاء عبر التاريخ, أين نحن من تضحيات الحسين, الذي دفع دمه ودم أهله الكرام ثمنا لحريتنا ولاستقلالنا ؟؟.
ما أحوجنا يا سيدي إلى إدراك معاني كلمتك التي قلت فيها: (أحذركم الإصغاء إلى هتوف الشيطان بكم فإنه لكم عدو مبين، فتكونوا كأوليائه), وقلت في هذا (أيها الناس تنافسوا في المكارم وسارعوا في المغانم), وكم كنت محقا حينما قلت: (أيها الناس لقد خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي.. فتذكروا دوماً هدفي ومبدئي), وقلت: (اللهم انك تعلم أنه لم يكن ما كان منا منافسة في سلطان، ولا التماساً من فضول الحطام، ولكن لنُريَ المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك، ويأمن المظلومون من عبادك، ويعمل بفرائضك وسنن أحكامك).
كانت رسالتك يا سيدي هي رسالة السلام والحب والخير لبني البشر بعيدا عن العنف والإخضاع والتفرقة والتمييز. فقد كنت حريصا على إصلاح الفاسد من أمور المسلمين، وتقديم جميع الحلول الممكنة بعيدا عن التطرف والتعصب. ومع الأسف الشديد معظمنا لا يتذكر أبا عبد الله إلا في عاشوراء, ولا يقتدي به إلا في عاشوراء, ألم نتعلم من الحسين ؟.
فيا من تريدون فهم الحسين، وعطاء الحسين، وتعشقون نور الحسين، وتهيمون بعلياء الحسين، افتحوا أمام عقولكم مسارب الانطلاق إلى عوالم الحسين، واكسحوا من حياتكم تراكمات الزيف السياسي المقيت، وحرّروا أرواحكم من ثقل التيه في الكهوف المعتمة، عند ذلك تنفتح أمامكم دنيا الحسين، وتتجلى الرؤية، وتسمو النظرة، ويفيض العطاء، فأعظم بإنسان, جدّه محمد سيد المرسلين، وأبوه علي بطل الإسلام الخالد، وسيد الأوصياء، وأمه الزهراء فاطمة سيدة نساء العالمين، وأخوه السبط الحسن ريحانة الرسول، نسب مشرق وضّاء، ببيت زكي طهور. اشهد انك يا سيدي كنت نورا في الأصلاب الشامخة, والأرحام المطهرة, لم تنجسك الجاهلية بانجاسها, ولم تلبسك من مدلهمات ثيابها.