عندما تقع المعارضة السورية في مأزق
عصام الشمالي
كاتب سوري
[email protected]
تشكو المعارضة السورية بمختلف أطيافها من تواطئ دولي وإقليمي ضدها. ويتحدث المعارضون السوريون عن تعتيم وتهميش وتجاهل وتضييق.
كل التضييقات الظاهرية المعلنة ضد النظام السوري، دولياً وإقليميا ما يزال هذا النظام هو الخيار الاستراتيجي ،ً وما يزال هناك تعتيم متعمد على مجريات الواقع السوري .
يقول الكرد السوريون إن أحداث النيروز التي أودت بحياة أكثر من شخص في عدوان سافر على حياة الناس ومنظومة القيم الاجتماعية لم تستحق من الإعلام العربي بكل قنواته وصحفييه، ولا من الإعلام العالمي عشر ما يستحقه حدث يتعلق باحتراق شجرة على بعد آلاف الأميال من منطقتنا. وبقاء مئات الألوف من الكرد في تصنيف ( البدون السوري )محرومين من حقهم في الانتماء وحمل الهوية السورية .
رجال إعلان دمشق هم الآخرون يهزون رؤوسهم، يأساً، من كل من حولهم. فكما لم تحظ أنشطتهم منذ عقد مؤتمرهم الوطني في قلب مملكة الصمت بأي اهتمام إعلامي، كذلك لم تحظ نهايتهم البائسة أن ألقي بهم في غياهب السجن تحت طائلة المحاكم الاستثنائية والعرفية بأي تعاطف حقيقي لا من الإعلام العربي، ولا من المنظمات الدولية لحقوق الإنسان، ولا حتى من المنظمات الإنسانية العربية، أو منظمات المجتمع المدني العرب.
الناشطون في جبهة الخلاص الوطني يبدون أكثر مرارة. يقول أحد الناشطين في الجبهة، كل الإعصار الذي أثاره الإعلام العربي والدولي إبان مؤتمر القمة العربي.. هل لمحت معارضاً سورياً من أي اتجاه تتاح له فرصة إبداء الرأي. القنوات العربية /المعارضة للقمة/ استضافت شخصيات من السودان والصومال وأرتيريا وموريتانيا للتعليق على القمة بالطبع مع إعطاء الفرصة الكاملة لرجال النظام وعملائه على أرض لبنان، دون أن تتاح أي فرصة للمعارضة السورية سواء كان المشارك من الجبهة أو من الإعلان، من الكرد أو من العرب، من الإسلاميين أو من العلمانيين .
ويضيف الناشط الجبهوي أما أنشطة الجبهة، والبيانات والنداءات الصادرة عنها فذلك أمر أصبح الحديث عنه من المحرمات العربية والدولية تعتيم مطلق وتجاهل كامل لكل ما يمت إلى الراهن السوري الإنساني والمدني وكل ما يمت إلى المعارضة السورية وبرنامجها الإصلاحي، وكل ما يتصل بجبهة الخلاص وبرموزها السياسيين.
أما الإسلاميون، الذين يشكلون قاعدة بشرية متقدمة خارج سورية فيبدو أن جراحهم أبعد غوراً. يقول متحدثهم إن النظام الدولي والإقليمي مجمع على بيع سورية بكل ما فيها لآل الأسد. وهو مجمع على تكريس هذا النظام والمحافظة عليه، وبذل ما بوسعه متضامناً مع النظام في قمع تطلعات الشعب السوري نحو تغيير ديموقراطي حقيقي هادئ، ومتدرج.
يتساءل المتحدث الإسلامي لمصلحة من يتم هذا ؟! لمصلحة مَن تسلخ سورية عن انتمائها الإنساني والمدني ولن نتحدث في هذا السياق لا عن العروبة ولا عن الإسلام.. لمصلحة مَن يطحن الإنسان السوري بين حجري الرحا: الاستبداد والفساد.
مَن يبالي ؟!
يتساءل الإسلامي السوري، من يبالي في هذا العالم بآلام عشرات الألوف من المفقودين بل بآلام أمهاتهم وآبائهم وأسرهم، عندما تسمع الإعلام العربي يهتز ويرتج من أجل ما يجري في التبت دون الالتفات إلى معاناة شعب بأكمله، تتساءل: كيف يقف القائمون على هذا الإعلام بل على هذه الدول أمام المرآة ؟!
من يبالي؟!!
يقول لك لعلك سمعت حتى مللت، ولا أظن أن الأمر ممل، وذلك بعض الحق الواجب على الإعلام العربي والإعلام الدولي. عن قضية الفلسطينيين المقيمين في العراق والعالقين على الحدود السورية. قضية شارك الإعلام العربي كما شاركت الهيئات والمنظمات الدولية كما شاركت الدول العربية، في حل عقدتها. ولكنك لم تسمع أبداً عن الأسر السورية المحاصرة في العراق، رجالها في سجون الاحتلال أو سجون آل الحكيم . وقد رفض آل الأسد رغم توالي النداءات أن يفتحوا لهذه الأسر باب العودة . وتجاهل العالم أجمع المأساة . والعراق مغلق من جميع أقطاره في وجه هؤلاء (المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً..). هؤلاء يتصورون العالم أجمع متواطئ عليهم، ولا أحد يسعفهم ولو بكلمة طيبة.
النظام الأمريكي، المناصر للديموقراطية والمحارب للإرهاب، والذي أغلق الكثير الكثير من منافذ العمل الخيري الإسلامي، وجعل المانح يفكر عشرات المرات قبل أن يمنح المعونة، ضاعف من معاناة هؤلاء المنقطعين وراء حدود الزمان والمكان. مئات بل آلاف الأسر أربابها من الطبقات العلمية الأكثر ثقافة.. محامون ومدرسون وأطباء ومهندسون محاصرون في بيوت مغلقة عليهم في أقطار الأرض وفي بلاد العرب والمسلمين يحاصرهم (نظام الإقامة) و(نظام العمالة)، وتفشي البطالة كل هذا بعض المعاناة.
يضيف المتحدث الإسلامي منذ أكثر من عشرين سنة قامت الحركة الإسلامية في سورية بالكثير، نبذت العنف، والتزمت أدبيات منفتحة وطنياً وعربياً ودولياً.
تقدمت جماعة الإخوان المسلمين بشكل خاص بمشروعها السياسي الذي استقبل بحفاوة بالغة من عقلاء رجال السياسة ورجال الثقافة على السواء. ساهمت الجماعة في إطلاق (إعلان دمشق) وانخرطت فيه ودعمته، ثم ساهمت في قيام (جبهة الخلاص).. ومع ذلك لم يتغير شيء. بل لقد تغيرت أشياء كثيرة لقد بدأت الأوضاع تضيق، والظروف تزداد سوءاً، والأشقاء الذين أغضوا على وجود أبناء الجماعة ببعده الإنساني على أرضهم بدؤوا يتململون. أهو الزمن!! أو الملل!! أو وراء الأكمة ما وراءها؟
منذ أكثر من عام، يقول الناشط الإسلامي، بدأنا نشعر أنه يراد بنا ما أريد من حماس من قبل. يوم انتزعت حماس من حاضنها العربي الإسلامي لتلجأ على غير خيار منها إلى سورية وإلى إيران. حيلة المضطر، ثم نسمع الكثيرين اليوم يعيبون على حماس أنها تقيم في الحضن السوري، وتمد يداً إلى إيران. نحن منذ أول يوم ومن قرارة المعاناة تفهمنا موقف حماس: أسبابه ومحدداته وأبعاده. ولكن موقف المعارضة السورية الإسلامية منها بشكل خاص هو أكثر صعوبة ودقة من موقف (حماس). فهي اليوم في خضم المعركة مع نظام الاستبداد والفساد والاغتيال والتحريض والتدخل بشؤون دول الجوار وتأليب أبنائها على حكامهم، المعارضات العربية مصرية ومغربية وسودانية وأردنية تتصدر المجالس وأمام عدسات الفضائيات إلى جانب بشار الأسد ، ولا يجد المعارض السوري موطئ قدم حقيقي يقف عليه، كما لا يجد نافذة مفتوحة على الهواء والشمس .
إلا أن ـ يضيف المتحدث الإسلامي ـ مقتل عماد مغنية في دمشق عمق المفارقات المتوارية وراء الكواليس بين الموقف السوري والموقف الإيراني. ثم انخراط سورية في مشروع السادات ولو بعد ثلاثين عاما ،وعلى يد الوسيط التركي المناوئ تاريخيا لإيران ؛ جعل الرسل الإيرانيين يتحركون ليبلغوا المعارضة السورية رسالتهم الأولى : لاتظنوا أننا نقر الظلم..( تعليقاً على مظالم الداخل السوري ) رسل إيران يفتحون الأبواب لأنشطة وعلاقات مشتركة. وإيران في معركتها القادمة بحاجة إلى العالم الإسلامي بدرجة لا تقل عن حاجتها للنظام السوري. بحاجة إلى الشعوب الإسلامية أكثر من حاجتها إلى الأنظمة التي ربما لا تمتلك قرارها. والمعارضة السورية تعرف حاضنها وتعرف موردها وتعرف مصدرها ، ولكن... يضيف آه مما بعد ولكن.