واإسلاماه.. واعرباه.. وامعتصماه
م. غسّان النجّار
نقابي – إسلامي
[email protected]
ما آل إليه الكبت والقهر اليومي للشعب السوري على يد النظام الحاكم في سورية ، أكبر
من أن يحتمل ، بينما الصمت العربي والعالمي مطبق بكلكله على آلام الشعب السوري
وعذاباته ولا ناصر ولا مغيث ، ولا شهامة ولا فروسية من أخوة الدين أو العقيدة أو
دعاة الحرية من أصحاب العولمة !!
لقد كان العرب في الجاهلية قبل خمسة عشر قرنا أفضل حالا وأكثر شهامة ونبلا وأحسن
أخلاقا من حالنا اليوم ، كانوا يغيثون الملهوف ويفكّون أسر العاني وينصرون المظلوم
ويطعمون الجائع ، كانت معركة ذي قار ، وحلف الفضول وتمزيق الصحيفة وفك الحصار عن
بني هاشم في مكّة ، فأين نحن منه الآن ؟؟!! .
هل ماتت الضمائر ؟! أم تحجّرت القلوب ؟! أم صمّت الآذان ؟! فلم تعد تسمع أنين مظلوم
أو ترى نزيف مكلوم الآلاف من مستضعفي الشعب السوري يرزحون في زنزانات القمع السوري
ولا من مغيث !! .
البعض يظنّ أنّها قضيّة عشرات من الأفراد من ناشطي الحرّيّات الديمقراطية والحقوق
المدنية وقادة إعلان دمشق ، يقبعون خلف القضبان ، كما تصوّره وسائل الإعلام الخجولة
! ! .
القضيّة أكبر من ذلك بكثير ، القضيّة هي حرّيّة موءودة وكرامة مسلوبة وأموال منهوبة
وبطون جائعة ونفوس ضائعة وقلوب واجفة أبصارها خاشعة تظنّ أن يفعل بها فاقره ،
يقولون أإنّا لمردودون في الحافرة ؟؟ !!.
القضيّة هي قضية الشعب السوري بأسره ، المقموع في حرّيّته، المهان في كرامته ،
المعذّب في جسده ، المحارب في لقمة عيشه ، الفاقد لدوائه وكسائه ، ستّون بالمائة
من الشعب السوري دون خطّ الفقر ، وأسعار السلع والمواد الغذائية والاستهلاكية قد
تضاعفت خلال عام ، ولقد انتحر مواطن في وظيفته لأنّه لم يجد ما يسدّ رمق أولاده
وإعالة أسرته ، كلّ ذلك ولا يحقّ للمواطن أن يتكلّم في المعاش والغلاء والاقتصاد
والسياسة والحرّية والتعددية ويجب أن يبصم المواطن زورا على ( الصمود والممانعة )
ويهتف (بالروح والدم ) .
إن سيّدة مثقّفة و مناضلة مثل الدكتورة فداء الحوراني ، تئن تحت عذابات المرض وقهر
السجون منذ ثلاثة شهور وقد طرد زوجها الدكتور العربي الفلسطيني غازي العليان خارج
الحدود ، لا يسمع أحد حشرجتها أو أنينها ولا زئيرها ! ! ؛ وفي هذا المقام فإنني
أعرض على أجهزة النظام الأمنية تقديم نفسي مقايضة عن السيّدة الفاضلة الدكتورة فداء
الحوراني – رئيسة المجلس الوطني لتحالف إعلان دمشق – وتسليم نفسي مقابل إطلاق سراح
الأسيرة المريضة ، وذلك كي لا يذكر التاريخ يوما بأن شعب سورية الأبيّ قد عقم من
أصحاب الشهامة الأحرار وهو لا يستجيب لنداء الحرائر من النساء .
إن المعتصم – الخليفة العباسي – إذ بلغه نداء المرأة الحرّة في عمورية: (وامعتصماه)
وقد أسرها جنود الروم ، أجابها على الفور: لبيك يا أختاه ، وأرسل جيشا جرّارا حرر
المرأة العربية وأنقذها من الأسر والمهانة .
أين العرب وأين المسلمون بل أين أحرار العالم ؟؟!! ، هل صارت قضية الشعب السوري
ضائعة في رحى الخصومات الدولية ؟! فيعلن عضوي الكونغرس الأمريكي – لدى مقابلة
الرئيس - بالوعد المقطوع بالإفراج عن معتقلي الرأي والضمير ثمّ ( يلحس ) النظام
وعده لأنّه لم يحصل على ما يريد، أين جمعيّات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان
في العالم ؟! وأين الإعلام العالمي وقد أصبح أكثره لا يميّز عن الإعلام الرسمي
السوري كما يقول الباحث والكاتب الصحفي السوري أحمد موفّق زيدان ، بل أين قناة
الجزيرة وأغلب الظن أنّها وقّعت حلفا مع النظام وقد كنّا نعقد عليها الآمال .
أين الحركات الإسلامية في العالم ؟ ! وأين المؤتمر القومي الإسلامي ؟ ومنظمة
المؤتمر الإسلامي ؟ أم أنّ هذه المؤسسات هي في خدمة الأنظمة ولا يهمها أمر الشعوب
المستضعفة.
ما يزيد عن أربعة آلاف من سجناء الرأي والضمير أغلبهم من دعاة الإسلام الديمقراطي
المعتدل ، حائزون على أرفع الدرجات العلمية والاختصاصية يقبعون في السجون وبعضهم
مضى عليه سنين ونذكر منهم على سبيل المثال : الدكتور أنس ضياء الدين الجمّاس
أخصّائي الجراحة القلبية من دير الزور وحفيد القيادي الإسلامي البارز الدكتور
والعالم حسن الهويدي ، ومنهم الدكتور مصطفى الشيخ أخصّائي الجراحة العظمية وقد
اعتقل من غرفة العمليات في مستشفى عمر ابن عبد العزيز في مدينة حلب والدكتور ياسر
العيتي أخصّائي العلوم النفسية والأمراض الداخلية وهو نجل مربّي الأجيال الأستاذ
تيسير العيتي من دمشق ومنهم طبيب الأسنان والداعية الإسلامي أحمد طعمه الخضر
والصحفي الكاتب علي العبد الله والأستاذ المفكّر رياض درار من دير الزور والدكتور
الطبيب العالم كمال المويل من الزبداني والمهندس مروان العش من دمشق والصيدلاني
بركات الأسود من حلب – السفيرة .
مئات بل آلاف من مثقّفي وشباب حوران وإدلب وحمص وحماة وحلب والرقة واللاذقية
والحفّة كلّهم معتقلون بجريرة الفكر الإسلامي الديمقراطي المعتدل ولبس كما يدّعي
النظام على خلفية (الفكر السلفي الإرهابي ) وذلك إرضاء للولايات المتحدة بدعوى
أنّها تحارب ( الإرهاب ) ، بينما النظام يحارب الأمّة في عقيدتها ودينها ومن خلال
زجّ صفوة رجالاتها أمام المحاكم العسكرية ومحاكم أمن الدولة ، ومن خلال التشجيع على
نشر فكر التشيّع السياسي والمذهبي والسماح بتشييد الحوزات والحسينيات وتنشيط
الجمعيات التابعة للمكتب الثقافي الإيراني في دمشق وإغداق الأموال عليها ، بينما
القانون / 49/ هو سيف مسلّط على الغالبية السنية المسلمة من أبناء المجتمع السوري
.
إن القمع والإرهاب يطال أيضا إخواننا الأكراد المسلمين ، المسلوبين من حقّ المواطنة
والحياة الكريمة والحقوق الثقافية الّتي كفلها الدستور ، ثلاثة شبّان في عمر الزهور
يغتالون جهارا نهارا في مدينة القامشلي وبدم بارد دون أي تعليق من الأجهزة الأمنية
أو الدولة الرسمية ، حتّى ولا خبر خجول من النظام ووكالاته ، بل نفي على لسان
عملائه ، و ( جريمتهم ) أنّهم يحتفلون بيوم عيدهم ( النيروز )الوطني ، كما يحتفل
الإيرانيون ( أصحاب الثورة الإسلامية )بنفس اليوم .
وإذا كان التيار الليبرالي النخبوي وعلى رأسهم عارف دليلة وميشيل كيلو وكمال لبواني
ورياض سيف وأنور البني ومحمود عيسى ووليد البني وجبر الشوفي وفائز سارة وأكرم البني
وفراس سعد من جميع محافظات القطر وشرائحه وكذلك من مناضلي حزب الشعب الديمقراطي :
الفنّان التشكيلي طلال أبودان والمهندس محمد حجي درويش وفائق المير ، هؤلاء جميعا
وغيرهم يخوضون معركة الحرية والكرامة بالنيابة عن الشعب السوري ، وهم يقبعون في
سجون القمع ، فانّ أفراد التيّار الإسلامي المعتدل الديمقراطي يستحقون وسام
المقاومة ، وذلك بتقديمه الآلاف من أعزّ علمائه وشبابه من ذوي الكرامة والعنفوان ،
حتّى غصّ بهم سجن صيدنايا العسكري ، كما يلاحق رجاله وكهوله وهم يستعدون إلى لبس
الأكفان .
وانّه لا يعقل أن تحصل جميع شعوب الأرض ودولها على الحياة السياسية الحرّة وتنتقل
معظمها إلى النظام البرلماني التعددي ، بدءا من الثورة البرتقالية في أوكرانيا
وجورجيا وغيرها من منظومة الاتحاد السوفيتي السابق ثمّ أخيرا الباكستان ورئيسها
العسكري برويز مشرّف يودّع آخر أيامه وأخيرا القارة السوداء : موريتانيا وكينيا و
زيمبابوي بعد ثمان وعشرين عاما من الحكم الفردي لروبرت موغابي ؛ وتبقى سورية – أرض
الشآم والنبوات – في مؤخرة الدول العشر الأولى من دول العالم والمتخلفة في مجال
حقوق الإنسان والحريات الأساسية وحرية التعبير وحريّة الصحافة ، مهيمنا عليها نظام
فردي شمولي قل نظيره .
إنني وقد يئست من دعوات الحوار مع المعارضة دون استجابة من النظام ، فإنني أدعوه
للمرة الأخيرة أن يعطي الشعب حريته وحقوقه ويعيد له سيادته وكرامته ، وذلك لتأمين
اللحمة الاجتماعية تحصينا ضد المخاطر الخارجية والأجنبية وفي مواجهة المشاريع
الصهيونية والأمريكية وفي حال تجاهل النظام ذلك واستمراره بالاستفراد بالسلطة
واستغراقا بالفساد وتجويع الناس ، فأنني سأدعو الشعب السوري بكل فئاته أن ينظّم
صفوفه في جميع أحيائه ومراكز عمله استعدادا لانتفاضة سلمية في مواجهة الظلم
والطغيان وفي إطار الحق والقانون والّتي كفلها الدستور السوري ، كما قال وكيل كلية
الشريعة في دمشق الدكتور عماد الدين رشيد في مقالة نشرها على الانترنت قبل أسابيع
تحت عنوان : ( إن للصبر حدود وللحكمة حدود ) ؛ موجها نداء الله عز وجل في محكم
كتابه " وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان
الّذين يقولون ربّنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليّا
واجعل لنا من لدنك نصيرا " وحديث رسول الله (ص) : سيّد الشهداء حمزة بن عبد المطلب
ورجل قام إلى حاكم ظالم فأمره ونهاه فقتله " وفي الحديث الآخر :" إذا هابت أمّتي
أن تقول للظالم أنت ظالم فقد تودّع منها "،والحديث الصحيح " أفضل الجهاد كلمة حق
عند سلطان جائر "
إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت واليه أنيب.
المهندس غسان نجار
المهندس غسان النجار (70 سنة) أحد الناشطين في مجال الدعوة لإطلاق
الحريات العامة، وعضو قيادي في تجمّع إعلان دمشق، وعضو جمعية حقوق الإنسان
السورية، وأحد مؤسسي التيار الوطني الإسلامي المستقل
لازال يتعرّض لمضايقات أمنية شديدة ومتابعات مستمرة من قبل فرع مخابرات
الأمن العسكري في مدينة حلب ؛ والجدير بالذكر أن المهندس النجّار نقابي يتابع كتابة
مقالات موضوعية على المواقع الالكترونية تتسم بالصراحة والاعتدال مع التركيز على
الإصلاح التدريجي السلمي والاعتراف بالمعارضة الوطنية السلمية ،
وقد اعتقل في عام
1980
على خلفية مطالبة النقابات العلمية بإلغاء حالة الطوارئ، والمحاكم الاستثنائية،
والإفراج عن سجناء الرأي، وقضى في السجن زهاء اثني عشر عاما، أضرب خلالها عن
الطعام عدة مرات، حتى أصبحت حالته حرجة للغاية حيث أدخل إلى مستشفى المواساة – قسم
العناية الفائقة، وقد تبنّت لجنة العفو الدولية (أمنيستي) التي مقرّها لندن في
حينه حملة الإفراج عنه، حيث تمّ الإفراج عنه عام 1992، وهو الآن يعاني من إصابة في
القلب وفتق في العمود الفقري (ديسك) وقرحة معدية
.
ولازالت السلطات الأمنية حاليا تلاحقه لاعتقاله، وتتابع المضايقات والمتابعات
المستمرة بحقّه وتجاه
أسرته دون مراعاة لوضعه الصحيّ السيئ وسنّه المتقدمة.