إسرائيل .. ذاكرة للمستقبل
بسام الهلسه
*ربما كان "نابليون" أول رجل دولة فكَّر بتوطين اليهود في فلسطين، وذلك عندما صدَّته حامية "عكا" وألحقت بحملته العسكرية الهزيمة. وتابعه اللورد "بالمرستون" وزير خارجية بريطانيا، إثر المواجهة الدولية مع والي مصر "محمد علي باشا" عام 1840م، فاقترح، للحيلولة دون إعادة توحيد مصر والشام، إسكان اليهود في فلسطين التي تشكل منطقة الوصل بينهما. وظل اقتراحه يتداول في عقول المخططين الاستعماريين حتى حانت فرصة اقتسام تركة "الرجل المريض"، الاسم الذي كان يطلقه الغرب على الدولة العثمانية.
مع مطلع القرن العشرين تحدد، بعد خلاف، هدف الحركة الصهيونية بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، فتوافق مع التوجهات الاستعمارية الغربية- وخصوصاً البريطانية- وضبط خطاه على إيقاعها. وما ان انتهت الحرب العالمية الأولى حتى شرعت بريطانيا بالتنفيذ والتمكين للصهاينة في فلسطين المحتلة التي وضعتها بريطانيا تحت الوصاية والانتداب، ولم يكن تصريح وزير خارجيتها , بلفور, سوى إعلان عن مخططات وتوجهات استعمارية دخلت مرحلة التطبيق الفعلي، فولد "الوطن اليهودي" في الحاضنة البريطانية ونما فيها حتى إعلان قيام دولة (إسرائيل) عام 1948م, فسارعت الولايات المتحدة الأميركية للاعتراف بها ورعايتها بعد خروج الاستعمار القديم –بريطانيا وفرنسا- مهزوماً من المنطقة، التي تعاظمت أهميتها بعد اكتشاف النفط.
ولئن كشفت حرب 1956م العدوانية على مصر، مدى ارتباط "إسرائيل" ببريطانيا وفرنسا، فإن حرب العام 1967م، قد بيّنت بوضوح مدى ارتباطها بالولايات المتحدة، ودعم الأخيرة اللامحدود لها. وهو الأمر الذي لم يزل مستمراً حتى اليوم ونراه جلياً على كل المستويات: العسكرية، الأمنية، السياسية، الدبلوماسية، المالية، الاقتصادية، العلمية، التقنية... والذي لا تستطيع (إسرائيل) بدونه أن تصمد وتستمر في احتلالها للأرض العربية، وان تضمن تماسك جماعات المستوطنين اليهود وبقائهم في فلسطين.
نستنتج من العرض السابق مسألتين:
· المسألة الأولى: أهمية فلسطين الجغرافية الاستراتيجية في السيطرة الاستعمارية على الوطن العربي, حيث أنها تصل آسية العربية بإفريقية العربية، وتطل على البحرين: الأبيض والأحمر، وتشكل نقطة وسط بين اقاليم: الشام, والجزيرة العربية, ومصر.
وكذلك أهميتها التاريخية، حيث جرى على أرضها صد وهزيمة غزوتين كبيرتين اجتاحتا المنطقة (الغزوة الصليبية في "حطين", والغزوة المغولية في "عين جالوت").
أما أهميتها الدينية فيعرفها الجميع.
- ما الذي يعنيه هذا بالنسبة لنا؟
اولا: يعني أن تحرير فلسطين هو شرط أول وأساس لإعادة وصل الوطن والأمة وتوحيدهما. ويعني أن هزيمة (إسرائيل) –وهي أكبر قاعدة استعمارية عنصرية في العالم- إنما يؤدي إلى تداعي وهزيمة بقية القواعد الاستعمارية في بلادنا وأعوانها المحليين. وهذا هو ما نعنيه بتأكيدنا على مركزية فلسطين في الصراع الذي تخوضه الأمة لنيل حريتها وتحقيق وحدتها والسيطرة على مواردها وثرواتها.
· أما المسألة الثانية فهي: عمق ارتباط الصهيونية و(إسرائيل) بالاستعمار (القديم والحديث), وهو ارتباط يتعدى حدود التعاون الذي تقوم به حكومات بعض الدول مع الولايات المتحدة –أو غيرها من الدول الاستعمارية- ويصل إلى درجة التبعية الكاملة للحكومة وللدولة والجيش والمؤسسات والمجتمع اليهودي الذي يدرك جميع أفراده مدى اعتمادهم على الدعم الأميركي متعدد الجوانب الذي جعلهم في موقع التفوق العسكري والرفاه المعيشي والنجاة من الحساب على عنصريتهم وعدوانهم ومجازرهم التي بلغت حد الاستهتار.
إدراك هذه المسألة يقودنا إلى استخلاص الاستنتاجات التالية:
- اقتران الصراع مع الصهيونية و(إسرائيل) بالصراع مع الاستعمار، الذي تقوده اليوم في بلادنا وفي العالم، الولايات المتحدة الأميركية.
- ويقودنا بالتالي إلى نبذ أية أوهام عن إمكانية فك الارتباط (التحالف الاستراتيجي) بين أميركا وإسرائيل، الأمر الذي كشفته خيبة الأنظمة التي وضعت نفسها في خدمة أميركا.
- إطِّراح أوهام إمكانية تحقيق السلام مع (إسرائيل) بدعوى أن إنشاء (إسرائيل) إنما جاء لحل مشكلة تشتت اليهود في العالم وإضطهادهم (اللاسامية), أو بدعوى إمكانية إندماجهم في "شرق أوسط جديد" تقوم فيه العلاقات على أساس تبادل المصالح الاقتصادية. فهذه "الدولة –الثكنة" برأينا إنما جاءت للسيطرة والتوسع وإخضاع المنطقة بالعمل المستمر على تعميق تجزؤها وتخلفها باستخدام العنف بكل أشكاله.
ونحن نرى بأعيننا مصير "العملية السلمية" وحصادها من الدم والدمار والمجازر والهوان؛ ونشهد بأعيننا مرأى "الهولوكوست" العربي الذي سيتواصل حتى تنهض أمتنا وتضع حداً له ولصانعيه.
فالسلام – كما أكدت ذلك تجارب الأمم عبر التاريخ –
تصنعه القوة.