فلسفة العيد
الشيخ أحمد الجمال الحموي
نائب رئيس رابطة علماء سورية
وعضو مؤسس في رابطه أدباء الشام
يرتبط كل عيد من عيدي الإسلام بطاعة وفريضة ومعنى ديني عظيم كبير.
فإذا ما نظرنا إلى عيد الفطر، نرى أنه يأتي بعد صيام شهر رمضان الذي فيه ليلة هي خير من ألف شهر. وكأن عيد الفطر بعد شهر الصيام فرح بأداء الطاعة وتفاؤل بقبولها ثقة برحمة الله تعالى وكرمه. وحق لمن صام رمضان إيماناً واحتساباً وقام ليلة القدر إيماناً واحتساباً أن يفرح بما فعل وأن يرجو رحمة ربه الذي وسعت رحمته كل شيء.
أما عيد الأضحى فإنه يأتي بعدما وفد عباد الله إلى مكة المكرمة رجالاً وعلى كل ضامر جاؤوا من كل فج عميق، تتعالى أصواتهم في كل واد وعلى كل شرف بذلك النشيد العذب لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، وكلهم قد ارتدى ثياب الإحرام البيضاء فلا يعرف الناظر الأمير من الأجير، ولا الغني من الفقير، ثم قاموا بأداء المناسك حتى وقفوا على صعيد عرفات وقد ضجت ألسنتهم وقلوبهم بالدعاء فتجلى عليهم ربهم بالمغفرة والرحمات وناداهم رب الأرض والسموات: أفيضوا عبادي مغفوراً لكم قد بدلت سيآتكم حسنات.
أفلا يحق للمسلمين أن يفرحوا بهذا الجود والكرم والمغفرة الشاملة. إن عيد الأضحى تأكيد على الروابط الوثيقة بين المسلمين، ومشاركة شعورية تمتد من رحاب عرفات حتى يظل بظلالها العالم الإسلامي كله من المشرق إلى المغرب.
وعيد الأضحى أيضاً فرح بموسم جميل وبسوق رائع للربح والتجارة مع الله سبحانه وتعالى. فهو يأتي بعد أن أكثر المسلمون من الطاعات في عشر ذي الحجة، تلك الأيام والليالي التي أشاد بها ربنا سبحانه في قوله تباركت أسماؤه في سورة الفجر (والفجر وليال عشر والشفع والوتر والليل إذا يسر هل في ذلك قسم لذي حجر) وأشاد بها سيد الأولين والآخرين في قوله الذي يرويه عنه ابن عباس رضي الله عنهما (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله تعالى من هذه الأيام..)
إن العيد في الإسلام ليس مجرد فرح لا أساس له، بل هو ظرف راسخ الجذور وثيق الصلة بالله سبحانه وتعالى الذي له الخلق والأمر. وبدينه الذي أسعد به البشرية جمعاء.
أيها الإخوة: اذكروا أن العيد فرصة طيبة للتواصل وتجديد ما بلي من علاقات، وهو رتق لما انفتق منها أو انقطع. فيه تصفو النفوس، وتغسل القلوب من أوضار العداوات ودنس الأحقاد، فيحل الود والحب والتقارب محل البغضاء والجفاء والتباعد.
والعيد أيضاً فرصة لصلة الأرحام التي قال الله تعالى مشيراً إلى مكانتها وقدرها (واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً) وهو مناسبة كريمة للمسح على رؤوس الأيتام المتطلعة إلى الحنان، وإذا بالأيدي الطاهرة تمتد إليها وتنثر على تلك الرؤوس البريئة الحب والعطف والحنان.
وفي العيد يتفقد المؤمنون إخوانهم المحتاجين والمعوزين ليشاركوا الآخرين هذه الفرحة ويزيحوا عنهم ولو إلى حين هموم الحياة ولأواءها وبأسها وشدتها.
إن العيد أيها الإخوة موسم للبر والرحمة وإدخال السرور على كثير ممن لوّحت لهم الأفراح بيدها مودعة وغادرتهم وكأنها لا تود الرجوع إليهم طول المدى، وأدار السرور لهم ظهره وأعرض ونأى بجانبه، حتى إذا ما جاء العيد عادت إليهم الأفراح تدفعها نحوهم أيدي إخوة العقيدة والمبدأ فاستقبلوها متهللين استقبال غائب عاد إلى أهله بعد طول انتظار ويأس من العودة واللقاء.
ومن معاني العيد العظيمة أنه واحة للراحة في صحراء الحياة الملتهبة، وساحة أمن يهدأ فيها الصراع على حطام الدنيا، ويتوقف اللهاث وراء متاعها الزائل وظلها الحائل وشهواتها الخادعة.
ولئن كان العيد فرصة للتواصل بين الأقارب والأصدقاء خاصة فهو في الوقت نفسه فرصه أوسع وأرحب للتواصل بين الناس في دائرة أوسع بغض النظر عن قرابة النسب والمصاهرة وهو أيام للتطهر من سخائم النفوس وللامتلاء من الصفاء والبر والود والإخاء.
إن العيد احتفال إسلامي يشعر فيه المسلمون بامتدادهم ووحدتهم ويؤكد الروابط المتينة بين المسلمين على اختلاف بلادهم ولغاتهم، إذ أنه لا يغادر أرضاً يذكر فيها اسم الله إلا حل بها وأظلها بظلاله الحلوة الوارفة.
نعم إنه فرصة مشتركة بالطاعة والمغفرة، فيا خسارة من يفسده ويلوثه بالمعاصي. ويكدر صفاءه بالإعراض عن أمر الله تقدست ذاته. فيجعل منه مناسبة للانفلات الحيواني، والمتع البهيمية الرخيصة.
فالحذر الحذر أيها الإخوة من الانتكاس، وليحافظ المسلم على ما حصله قبل العيد من الحسنات. وإنه لمن الحمق أن يخضع المرء لأهوائه وينقاد لوسوسة شيطانه وإذا بالعيد عنده ميدان للفسق والعصيان نعوذ بالله من ذلك ونسأله سبحانه الثبات على دينه وطاعته وكل عام وأنتم بخير.