العراق الثمرة الأمريكية وسبيل للخروج
زهير سالم*
لا نريد أن نعتبر أن الدم المهراق بالأمس على أرض العراق شاهداً صاخباً على إخفاق المشروع الأمريكي، وعلى حماقة القرار الأمريكي ـ البريطاني الأول، ولا نريد أن نقول أن كل قطرة دم نزفت على أرض العراق، وكل دمعة انحدرت على وجنات أبنائه وبناته، وكل (آه) انطلقت من أعماق المفجوعين أو المشردين لها في عنق بوش وبلير وأنظمتهما نصيب، مع أن الأمر كذلك وأكيد، لا نريد أن نعلن عن هذا لأننا لا نريد أن نعترف لمسيرة سفك الدم البريء، الدم الذي يسفكه الظالمون والضالون أي إيجابية في سياق حسابات الأرباح والخسائر أو المصالح والمفاسد..
لا نملك إلا أن نقول للقتلة الآثمين من أي فريق كانوا وبأي ذريعة تذرعوا: شاهت الوجوه، وشُلَّت الأيدي. وأنتم تقتلون برآء في معارك حمقكم وصغاركم، وتنسون قول رب العالمين: (..أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً)
وبعد نعود إلى الثمرة الأمريكية المرة في العراق، والتي بان فسادها (ولا نقول صلاحها) بعد الانتخابات الأخيرة، التي يظنها البعض (إنجازاً) بمعنى ما. هذه الثمرة التي نواجهها جميعاً اليوم أن (رئيساً لحكومة) في العراق (الدولة) التي كانت بالأمس سيدة ومستقلة، أصبحت نتيجة (الفلاحة الأمريكية) لا يمكن تعيين رئيس فيها إلا بعد توافقيه صعبة ومعقدة من جيرانه الشركاء المتشاكسين. وهذه التوافقية لن تصاغ إلا على حساب حقيقة العراق، ووحدة العراق، وهوية العراق، ومصالح العراقيين..
لن تستطيع الولايات المتحدة أن تتوصل إلى توافقية على رئيس حكومة عراقية إلا من خلال إرضاء ست أو سبع دول في المنطقة لكل دولة مصالحها وخصوصياتها واشتراطاتها على رئيس الحكومة العراقية، وعلى التركيبة الحاكمة في العراق..!!!
هذه الحقيقة السياسية الواقعة ليست حالة مرحلية عابرة يمكن للعراق أن يغادره على المدى المنظور، بل إن السكاكين المتكاثرة على الثور الجريح، يحاول أصحابها أن يدافعوا عما يظنونه حقاً أو أن يحصلوا ما يعتقدون أنه الربح وأنهم الأولى به..
والمعادلة العراقية فيما نتصور ليست سهلة الحل لا على المحتلين للعراق، ولا على المجاورين له، ولا على أبناء العراق أنفسهم إلا أن يتناولها العقلاء منهم بروح التسامي التاريخية..
لقد أفرزت الانتخابات العراقية قوى حقيقية على الساحة أربع قوائم متميزة ومتقدمة، ومهما قيل عن نزاهة أو شفافية الانتخابات فإن الذي يبقى واقعاً أن رجال هذه القوائم الأربعة يعبرون عن رأي الأكثرية الكاثرة من أبناء العراق وهذه واحدة..
والثانية أننا لن نذهب مع أصحاب نظريات التخوين والتهوين بالإشارة إلى زعماء هذه القوائم، على أنهم مرتهنون لهذه الدولة أو تلك. بل نقول إن الحراك السياسي أو (الدفاع السياسي) في أطر التنافس أو الصراع قد فرض على هؤلاء لكي يحققوا تقدمهم أن تكون لهم علاقاتهم السياسية والتزاماتهم لهذا الفريق أو ذاك، لقد أدى هؤلاء القادة دوراً إيجابياً في تشكيل هذه القوائم، وفي السير بها إلى طريق النجاج.. وهذه ثانية.
والثالثة.. إن مجموع الأعضاء المشكلين للجسم العام للكتل الأربعة الفائزة يمكن أن يتحدوا، وأن يأتلفوا، وأن يكتبوا كتب الشكر والعرفان لقادة هذه الكتل، ثم ليأتلفوا على مشروع (عراقي ـ عراقي ـ عراقي ـ عراقي) عراقي في حقيقته، وعراقي في سياساته، وعراقي في مصالحه، وعراقي في هويته، عراقي عربي بمعيار الأكثرية االنسبية، مسلم بمعيار الأكثرية المطلقة.
حكومة وحدة وطنية حقيقية يحضر فيها الجميع، ويتحمل من خلالها الجميع مسئولياتهم في بناء عراق الغد السيد السند المستقل...
في عراق الغد هذا يجب ألا نتوقف عند هوية القائم على المسئولية، يكون العراق عربيا وعلى كرسي الرئاسة فيه شخصية كردية مسئولة، ودعونا نرد على أبي الطيب قانونه البئيس (....)، فقد أفلحنا مرارا تحت راية عظام من الملوك وعظام من المماليك، وما تزال أمتنا بعربها وعجمها، بتركها وكردها وفرسها وعربها ودودا ولودا...
من يعطينا ملكا مثل ألب أرسلان سلطان العالم وقائد ( ملاذكرد)، أو مملوكا مثل قطز يقود إلى عين جالوت، أو ناصرا مثل صلاح الدين يحرر القدس، أو أميرا مثل الفاتح ونعم الأمير، أو أسدا مثل الشيخ رجب يقول ( ون مينيت) ؟!
(*) مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية