القمة والقاعدة
وِجْهةُ النداء
بسام الهلسه
[email protected]
* نسعدُ بكل لقاء يجمع
العرب.. حتى لو كان لمجرد تبادل التحية والسلام وتناول
القهوة. نكتب هذا بمناسبة انعقاد القمة العربية، ونقوله وفي الذاكرة مرارة
تراكمت على مر السنين، وخيبات كثيرة لم تترك في القلوب متسعاً لآمال.
لكن اللقاء يظل رغم ذلك مطلوباً للتأكيد على معنى
الأخوَّة العربية، وللتذكير بالانتماء إلى أمة تستدعي التواصل.
ليس لدينا رهانات
نعقدها على القمة، ولذا فنحن لا نتوجه إليها بأية رسائل. حسبها أن تستمر في موعدها
وتحافظ على البقية الباقية من الرموز الموحَّدة للأمة.
- هل
هو اليأس؟
- لا..
بل هو التقدير الصحيح للموقف في ضوء المعطيات الواقعية، التي بقدر ما نرى بؤسها،
نعتقد بأنها قابلة للتغيير. فما يصدر عن القمة هو محصلة مواقف وسياسات الدول
العربية، ونقطة التوازن التي تتلاقى عندها حال اجتماعها.
* * *
تغيير
المعطيات القائمة على الأرض، هو ما يجب أن يتوجه إليه الجهد العربي الطامح إلى
النهوض والتحرر،
عبر توسيع وتعميق الفاعلية والمشاركة الشعبية في الشؤون العامة: على مستوى كل دولة
عربية على حدة، وعلى المستوى العربي العام. لكن الفاعلية
الشعبية قد لا تكون سوى انفعال وقتي عابر يتبدد تأثيره بسرعة، وهي لا تكفي
-في حدّ ذاتها- ما لم تتحول إلى إطارات واعية منظمة تمتلك
رؤية ومشروعاً للتغيير المنشود، وتحشد له القوى القادرة على انجازه. وهذا
عمل مديد يتطلب المثابرة والصبر والاستعداد للبذل وللتضحية في كل ساحة من ساحات
الصراع ومن أجل كل قضية من قضاياه.
* * *
لن نسترسل في هذا
الكلام الذي لا يعدو كونه درساً أولياً في العمل العام. لكن التذكير به ضروري
وبخاصة لذوي النوايا الطيبة المصابين بفقدان الاتجاه الذين يتوقعون الهداية ممن لا
يملكها، أو ممن أوقعهم في التيه. فإذا ما أُريد للقاء
القمة أن يتجاوز كونه مجرد جلبة وازدحام سنوي، ومهرجان دوري ينافس المهرجانات
الفنية والرياضية في الاستحواذ على اشغال وسائط الإعلام، يجب أن تركز الجهود
على تغيير الأحوال المفروضة على القاع العربي، المكبلة لإرادة شعوب الأمة والمعيقة
لحركتها وتطلعاتها. سواء كانت هذه الأحوال والإعاقات
قائمة بفعل قوى أجنبية محتلة أو مهيمنة، أو بفعل قوى محلية استبدادية متسلطة.
وعندما تنهض شعوب الأمة
وتتحرك لانتزاع حقوقها المستباحة المسلوبة، يمكن للحديث عن قمة تستجيب لنداء القاع،
أن يكون له معناه. وفي الحد الأدنى، يمكن أن يشكل القاع رقيباً يقظاً قادراً على
الضغط على أهل القمة، والتأثير على سياساتهم وقراراتهم. وبغير هذا، ستظل الأمور على
حالها، بل تتردى من سيء لأسوأ. ولن تحصد المراهنات
والآمال والنداءات الموجهة للقمة، سوى مرارة الخيبة والاحباط التي هي أسوأ بكثير من
مرارة الهزيمة في المعارك والمواجهات. فالهزيمة تعلّم الناس –غالباً- مراجعة
ونقد أخطائهم، وكيفية تصويب وتحسين ادائهم لتحقيق النصر، أما الاحباط المتكرر، فهو
الباب المفضي إلى اليأس، وإلى ما هو أسوأ من اليأس: فقدان الإحساس والاهتمام بما
يدور، والانكفاء التدميري المَرَضي على الذات بتعبيراتها ومفرداتها ما قبل القومية:
الفردية والعائلية والقبلية والطائفية والعرقية والجهوية والفئوية.
وهي الكارثة والردة الانحطاطية التاريخية التي تتسامى
عليها سوق عكاظ، التي عَنَى قيامها نُزُوعاً أصيلاً نحو الترابط والاندماج القومي
لدى قبائل وأقاليم وبلدان عرب الجاهلية.
* * *
نَقَدَ عربُ القرن
الماضي وصفهم بالظاهرة الصوتية.. وكانوا محقين
لأنهم كانوا ناهضين عملوا بجد لتحرير أنفسهم وبلادهم من الاستعمار والتخلف. وإذا ما
أراد عرب القرن الحالي
وإنما عليهم أن
يستعيدوا الروح الملهمة للبشر: روح الكرامة واحترام الذاتت
التي تدفع من تسكنهم وتحل فيهم نحو الدروب اللائقة والجديرة ببني الإنسان: دروب
الحرية والعدالة والحضور الفاعل في العصر.
وهذه هي
نقطة انطلاق التغيير المطلوب ووجهته. وإلى أن يتم،
ستظل النداءات الموجهة إلى القمة أصواتاً صارخة في البرِّية، ما دامت تفصلها مسافات
قصِيَّة وجدران صلدة خرساء عن القاعدة العربية.
فإلى
القواعد الشعبية العربية إذاً، يجب أن يتوجه الخطاب..
فهي المدعوة للاستجابة لنداء الحرية، وهي المعنِية باستيعاب وترجمة النشيد المُلِح
الذي تردد في قمة سرت في ليبيا:
"يا بركان الغضب... يا
موحِّد العرب".